مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم التي ألقتها في مؤتمر العمل التطوعي في الجمعيات الأهلية

كلمة الحاجة عفاف الحكيم التي ألقتها في مؤتمر العمل التطوعي في الجمعيات الأهلية النسائية


[كلمة الحاجة عفاف الحكيم التي ألقتها في مؤتمر العمل التطوعي في الجمعيات الأهلية النسائية والتي أقامته جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية في 15 أيار 2014]

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

بداية، أرحب بالحضور الكريم، براعي مؤتمرنا سعادة الوزير حسين الحاج حسن، بالفعاليات النسائية المحترمة والمتميزة في ساحتنا النسائية اللبنانية...
أرحب برئيسة المجلس النسائي اللبناني السيدة جمال غبريل، وسعادة الأستاذة نعمت كنعان، وسائر الشخصيات النشطة في المواقع الفاعلة والمتقدمة في مجتمعنا، ممّن واكبن هموم وشجون العمل التطوعي، وعملن بحيوية ودأب لاستنهاض الطاقات واحتضان الفعاليات، وسعين في الزمن الصعب لصون وتعزيز هذا العمل المشرف، الذي بات يتجه في بلادنا للأسف نحو الانقراض.
خيار مؤتمرنا اليوم، انطلق من هذا الواقع، كدعوة للغوص في معطيات وتفاصيل هذا العمل الجليل، الذي عرفته البشرية باكراً وباشره الرسل والأنبياء(س)، بصورة تلقائية، عاملين على إرساء قواعده منذ تلك الازمنة السحيقة، لما فيه من حفظ ويسر ونماء للمج تمع البشري ككل.
وقد نقل لنا كتاب الله العزيز، والتاريخ، نماذج مضيئة من تلك الممارسات الإنسانية التي ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بفعل التطوع.
فهذا نبي الله موسى(ع) نراه يتطوع في مساعدة ابنتي شعيب في سقاية الماء.
وهذا الحضر(ع) نراه يرمّم جدار اليتيمين ليحافظ على الكنز الذي تركه لهما والدهما، حتى يشتّد عودهما ويقومان باستخراجه.
وهذا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) يقوم بحفر الكثير من آبار الماء، ثم يجعلها وقفاً على الناس.
وهذه خديجة(س) نراها تغوص في معترك العمل التطوعي، باذلةً جهدها ومالها وكل ما تملكه من قدرات وامكانيات.
إنها صور من فعل الخير، السمّة الانسانية التي نادت بها وحضّت عليها الرسالات والشرائع السماوية، والتي كان خاتمها القرآن الكريم قال تعالى: «ومن تطوّع خيراً فإنَّ اللهَ شاكرٌ عليم» (البقرة 158)
وقال تعالى أيضاً: «فمن تطوّعَ خيراً فهوَ خيرٌ له» (البقرة 184)
هو لا شك خيرٌ للإنسان كفرد وكأسرة وكمجتمع وكدولة، وهذا ما أثبته العلم وأيّده الواقع، في كل العصور ومنها عصرنا...
أما مساحة وفاعلية هذا الخير، فقد بيّن رسول الله(ص) أنّه لا يقتصر على مجموعة، أو فئة، أو بلد محدد، بل هو عابر للأديان والبلدان والطوائف والأقوام والأجناس، إذ يقول(ص): "الخلق جميعاً عيال الله وأقربهم إليه أنفعهم لعياله ...".
ومن يتابع الرسالة الخاتمة يرى بوضوح أنّها شدّدت على قاعدتين بارزتين هما الإيمان والعمل الصالح -القيمتان الكبيرتان اللتان تختصران  جوهر كل الأديان-.
ومعلوم أنّ العمل الصالح هو كل عمل يقوم به الإنسان لصالحه أو صالح الآخرين سواء كانوا أقرباء، أو لا يشتركون معه في الدين أو البلد أو الطائفة. وهذا يبّين أنّ العمل الخيري أو الصالح هو قيمة إنسانية عامة، على مستوى الفعل، وهو قيمة جوهرية مشتركة بين سائر الأديان.
وإلى هذا أيضاً، يطرح الدين بعداً آخر للعمل الصالح يتمثل في ذاك الاقتران والربط الواضح بينه وبين الإيمان، بحيث لا نرى آية في القرآن الكريم تتحدث عن الإيمان إلا وتقرنه بالعمل الصالح باعتبار أنّه ثمرته اللازمة ونتيجته التي لا تنفك عنه وهذا له دلالات أساسية منها:
1- أن الإيمان الذي يطرحه الدين ليس إيماناً ذهنياً مجرداً، ولا هو ذاك الإيمان الخامل السلبي المنعزل عن المجتمع، بل هو الإيمان الفاعل المقترن دوماً بالعمل الصالح، أي المتحرك باتجاه هموم الوطن وهموم المجتمع، ونحو خدمة الآخر؛ الفاعل في مشروع بناء الحضارة الإنسانية، الإيمان الذي هو دوماً مصدراً للخير.
قال تعالى: «والعصرِ* إنَّ  الإنسانَ لفي خُسرٍ إلاّ الذين آمنوا وعملوا الصّالحاتِ وتواصَوا بالحقِّ وتواصَوا بالصَّبرِ» (العصر 1-3)
وفي آية ثانية: «ويبشّر المؤمنينَ الذينَ يعملونَ الصالحاتِ أنّ لهم أجرا كبيراً...» (الكهف 2)
«والذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ لندخلنّهم في الصالحين...» (العنكبوت 9)
«إنَّ الذينَ آمنوا وعملوا الصالحاتِ أولئك هم خيرُ البريَّة» (البينة 7)
2- إن العمل الصالح ليس مجرد تبادل منافع ومصالح بين أفراد  المجتمع، أو عقد مصلحة بين مؤسسات الدولة وبين مواطنيها، بل هو يأخذ أبعاداً أعمق، هو يرتبط بالإيمان وبالإخلاص، وبالتالي هو أقدر على تحقيق الأهداف العليا للإنسانية لكونه مرتبطاً بمنظومةٍ متكاملة من القيم تعتبر أنَّ المكافئة الكبرى على العمل تتخطى هذه المنفعة المادية أو تلك، باعتبار أن كلّ ما يُعمل أو يُبذل هو في نظر الله تعالى ومتأثّرٌ بشكل أكبر بالسنن والقوانين الإلهية، قال تعالى: «منْ عمِلَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنُحيِيَنَّهُ حياةً طيّبةً ولنَجزيَنَّهُم أجرَهُم بأحسنِ ما كانوا يعملُون»  (النحل 97).
وبهذا ندرك، وبوضوح، أنّ الإيمان بدون العمل لصالح الناس لا يُعدُّ ذا قيمة في ميزان القرآن الكريم.
وإنّ من هم خير البرية -كما ورد في الآية الكريمة- هم «الذين آمنوا وعملوا الصالحات»، هم الخلاصة وهم المؤهّلون للريادة وهم البديل الحضاري لكل المجتمعات التي يسود فيها الغبن والظلم والفقر وضياع الحقوق.
وإنّ العمل التطوعي الذي يشكل ذروة  العمل الصالح، هو القيمة الأصيلة التي ينبغي أن نربي عليها في بيوتنا ومدارسنا. وبالتالي ينشأ عليها المواطن، ويؤسّس من خلالها لمفهوم المواطنة، وفق دراسات دقيقة ومتخصصة تمكّن مجتمعنا من النهوض باتجاه سير هادف على هذا الصعيد، لأنّ حيوية أي مجتمع في أيامنا أو ركوده، منوط بمقدار عيشه العملي لثقافة العمل التطوعي الذي بات معياراً عالمياً لمدى وعي المجتمعات وتطورها، ومدى وعي أفرادها لقيمة الوقت وفرصة العمر، وأهمية السعي للخير العام ولنفع ومساعدة الآخرين من أي مذهب كانوا أو دين.

 

 ولذا ما نتمناه بهذا الصدد:
أولاً:
هو مزيد من التلاقي والتعاون على صعيد الجمعيات الأهلية والمؤسسات النسائية من أجل تكثيف الجهود، وتحقيق عمل جماعي يساهم بنشر ثقافة العمل التطوعي على أوسع نطاق، وترسيخ مفهومه وبشكل أساسي عبر المناهج التربوية.
ثانياً: نتمنى على وسائل الاعلام المقروء والمسموعة والمرئية أن تعمل على تفعيل وإبراز العمل التطوعي في خططها وبرامجها.
ثالثاً: نتمنى على المؤسسات المعنية في الدولة من وزارات وثانويات وغيرها أن لا تكتفي بتشريع 20 ساعة، سنوياً، لانخراط الطلاب في الأعمال التطوعية لأنّ الأمر يحتاج إلى متابعة وتفعيل... آملين أن يتم تخصيص حصص دراسية حول العمل التطوعي وأهمية دوره في خدمة المجتمع.
أخيراً أختم بالشكر للجميع؛ ضيفنا الكريم وسائر الحضور من رئيسات مؤسسات، وجمعيات، والفعاليات التي نتطلع اليوم للاستفادة والتزود من مشاركتها في فعاليات هذا المؤتمر.

 

والحمدلله رب العالمين
عفاف الحكيم 9-5-2014

التعليقات (0)

اترك تعليق