مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أمثل والأحلام السبعة

أمثل والأحلام السبعة

اجتاحت ليالي أم غسان الأحلامُ تلو الأحلام. يشبه هذا "الاجتياح" الاحتلال الإسرائيلي لكل لبنان. أولادنا كشفيون 1 ورساليون. تُراهم ماذا يصنعون مع الاحتلال؟ من يطلق إشارة المقاومة ذودًا عن الوطن؟ من يخلع رداءه ليصبح فداء له 2؟.

في الحلم الأول:

 فجر السادس من حزيران. إسرائيل تقترب من العاصمة بيروت. يا ويلي جاء يوم نكبتنا. أم جاء يوم نكبتهم. هذا عصر إسرائيل أم عصر الخميني وموسى الصدر. من يرش الأرز على إسرائيل. المخلص قد لا يكون عربيًا، ولكنه -يا كل أطياف الوطن- حتمًا ليس يهوذا ولا حاييم.

في الحلم الثاني:
تفرق الشمل. خلا مقر الكشاف من رواده. يطارد الصهاينة الأطفال والرضع. فَرِّقوا بينهم وبين صدور أمهاتهم. إن سمعوا نبض قلوبهن، قتلونا عن آخرنا.

في الحلم الثالث:
يعتلي الجندي الصهيوني، ومن تعلق بذيله من أذناب مَحَلِّيّة، سطح المنزل. يخبط بحذائه الأميركي لعله يخرق الأسماع خوفًا. تهزأ به السيدة الخمسينية: "إنزلْ حاجي4 تدبّك5 متل بقرة جارنا". على غير عادة الأحلام السابقة، استيقظت من نومها ضاحكة من مقولتها الافتراضية.

في الحلم الخامس...:
- أين الحلم الرابع؟
- ليس كل ما يُحلم به يُقال! وبعضه أخاف أن أرويه فيتحقق. ويلي من حلمي الرابع!
شاهدت طيفه يمر خلف النافذة. كيف أخمّن بأن أحدًا مر من هناك في هذه الليلة الحالكة. سمعتْه هاتفًا في أذنها اليمنى: إملئي صُرَّتي يا أمُّ، خابت صرة من باع عشقه بهواه. فـ"من أطاع هواه أعطى عدوه مناه"6. ما الفرق بين الهوى والعشق يا بني. كالفرق بين الأذن اليمنى والأذن اليسرى في ساعتنا هذه يا أمي. مدت يدها إلى الأخيرة، فركتها لعلها تسمعه جيدًا. سمعت هاتفًا غير الهاتف الأول: لم أسمع شيئًا فلا تسأليني.

في الحلم السادس:
عاد الطيف. لم يتكلم. طاف بالبيت. نظر أشياءه وألعابه ومرتع طفولته. نشب صراع بين الأذنين. كل تريد أن تسمع السر في آخر عبور للطيف. كيف عرفتما أنه المرور الأخير. لم يبق في الأحلام متسع. قالت اليمنى. كالعادة لم تسمع اليسرى مقولتها.

في الحلم السابع:

- لم يكن حلمًا طويلًا، ولكنها استزادت منه ما استطاعت إلى ذلك نومًا هنيئًا. أمثل7 عاد المرة ببزته الكشفية البيضاء. ولكنه على غير عادة يحمل "بوصلة". جلبها معه من بئر العبد8. من مسجدها الأول9، من عباءة السيد الفاضل10. هناك كان ينكب على دراسته نهارًا، وعلى التماهي مع السلاح مساءً. لطالما حدثها بأن الكشفي ابن الطبيعة، عليه أن يخترع وسائل تَتَّبُّعِ الأثر11. أراه تطور الكشاف يا أمثل! ما حاجتك إلى البوصلة؟ في الهوى يكفي تتبع الأثر، أما في العشق -يا أماه- فلا يكفي الحدس. الحدس طريق ولكنه مشفوع بالوسيلة. العشق وسيلة لا غاية.
- أمثل يعتلي سطح المنزل. المنزل تحول إلى قلعة. "قلعة دوبيه"12؟ هذه معشوقة أمثل. حين كان يريد أن يبدع مع عناصره الكشفيين، يقصد بهم القلعة. ولكن الجندي الصهيوني وأذنابه لم يبرحوا السطح. ما زالوا "يدبكون" في آذاننا وصلب أرواحنا كثيران هائجة. أخاف عليك يا ولدي من سطوته. لا أظنه احتل منزلنا إلا ليكمن لك. كيف تأتي إليه برجليك. أبادل اطمئناني عليك بالتضحية بشفاء الشوق إليك. لا عليك يا أمُّ. قَرِّي عينًا، سنلقي الجندي من أعلى القلعة. من أين يأتي قرار العين يا ولدي وأنت إنسانها.
- اقتحم أمثل القلعة. ليس هذا وقت نشاط عادي، إنه -يا أطفالي- درس جديد يتطلب التركيز والمتابعة. انظروا كيف نهزم الرعب. اللعبة قوية نوعًا ما، ولكنها ضرورية لكي نترفّع من الأشبال13 إلى الأسود. وما تلك الفرقة الجديدة يا قائد؟...
استيقظت على صوت القذائف والرصاص. الله عليهم كنت مبسوطة بحلمي. يا دِلِّي14 عليه اللي بيكون بالوادي إسِّي15. الله يساعد قلب أمه. قلب الأم هوًى أم عشق. قفزت الجملة إلى ذهنها فجأة. تذكرت حلمها الرابع. ألم أُعالجك بالكتمان!. كنتَ ضغثًا أم رؤيا يا حلمُ؟ كنتَ عشقًا أم هوًى يا حبُ؟ كنت تهواني أم تعشقني يا أمثلُ؟
سمعت بكلتا أذنيها -مجتمعتين- صوت وقع الأقدام على السطح. لم يكن الجندي الهائج، ولا ذنبه المتلوّي. لعل أمثل ألقاه في التيه كما وعدني... أسهمت هنيهة. طلبت من أذنيها أن يستريحا: لا تكتما ما تسمعان من الآن فصاعدًا، فأمثل قد حجز الحقل والسطح، وكل فضاء متسع، منكبًا على الشرح لتلاميذه أصول تتبع الأثر.
________________________________________

1-  كانت كشافة الرسالة الإسلامية الأكثر نشاطًا وانتشارًا في تلك الفترة بجبل عامل وبقية المناطق.
2- إشارة إلى كلام يُنسب إلى السيد موسى الصدر يقول فيه: إذا احتُل الجنوب سوف أخلع ردائي وأصبح فدائي.
3- لفظة عامية تعني "كفاكَ" يقابلها في لهجات عامية أخرى: حاجتك كذبًا مثلًا...
4- لفظة عامية يُقصد بها ضرب الأرض بالأرجل فتصدر أصواتًا عالية.
5- قول منسوب إلى الإمام علي بن محمد الهادي، الإمام العاشر للشيعة الإمامية. جد الإمام المهدي المنتظر(عج) لأبيه.
6- الشهيد أمثل عبد الحسين حكيم -من بلدة شقرا/قضاء بنت جبيل- استشهد في 27/05/1985 في عملية نوعية نفذتها المقاومة الإسلامية قرب قلعة دوبيه عبارة عن كمين محكم لدورية صهيونية.
7- محلة في حارة حريك - قضاء بعبدا.
8- المسجد الحالي المسمى مسجد الإمام الرضا(ع) جرت عليه بعض التعديلات أواخر الثمانينيات. شهد انتفاضة ضد اتفاقية 17 أيار، وسقط على بوابته شهداء وجرحى.
9- العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله. إمام مسجد بئر العبد حتى منتصف التسعينيات. تأثر به الآلاف  من رواد المسجد، ومنهم الشهيد أمثل.
10- وسيلة كشفية تتضمن رموزًا وإشارات للاستدلال على المخيمات وأماكن التجمع والمياه والمنحدرات وغيرها بأسلوب مشفر يعرفه الكشفي وحده دون غيره من المارين في الطبيعة، المكان الأنسب لنشاط الكشفي.
11- قلعة صليبية فرنسية بنيت على أنقاض قلعة رومانية في الطرف الشرقي لبلدة شقرا - قضاء بنت جبيل. تفصل بينها وبين بلدتي ميس الجبل وحولا (قضاء مرجعيون).
12- الأشبال إحدى مستويات فرق الكشاف تضم الفئات العمرية الصغيرة (تقريبًا بين 6 و8 سنوات).
13- لفظة عامية تعني قلبي معه. لعل أصلها من الدليل الذي يعني القلب في بعض اللهجات العامية العربية.
14- الآن. لعل أصلها هذه الساعة (هالساع في بعض اللهجات).
15- الصور من أرشيف السيد إبراهيم يوسف (صديق الشهيد).




*النص مهدى إلى أبي غسان حكيم وزوجته أم غسان (والدا الشهيد أمثل حكيم)... وإلى كل من ربى مقاومًا في حجره ليصنع التاريخ، وقد اربدّ قلبه وفتك به القلق والخوف.


المصدر: موقع المقاومة الإسلاميّة.
منهال الأمين
 


التعليقات (0)

اترك تعليق