مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

ثلاثون عامًا وبعض يوم

ثلاثون عامًا وبعض يوم

ثلاثون عامًا وبعض يوم

مشيرة الى الواحدة فجرًا، ايقظته من شرود طويل، فوثب عن  "المسند" التي كان يجلس عليها وقام الى سجادة الصلاة التي لم يرفعها عن الارض لسنوات، فالليل اختطف من عينيه منذ زمن.. صلى ركعتين وسجد سجوداً طويلاً. وقبيل الساعة الثانية رفع رأسه وخاطبني :" كما قلت لك؛ اعيش ثلاثين عاماً وبعض يوم"، فقلت له: "اي حتى تموز 2006" ، فقال: "نعم". كان هذا في شتاء العام 2001.

في تموز من العام نفسه قلت: "باق لك في هذه الدنيا خمسة اعوام"، قال:" نعم هو صحيح، انما هي قنطرة.. الموت لطف لو تعلم.. وهو للمنتظرين حياة..

تكرر هذا الموقف لاربعة اعوام تلت، حتى اذا دخل اول العام 2006، بدا مستبشراً، اقل مزاحاً وأكثر ادخالاً للسرور وجبينه اكثر اتساعاً..

لم يكن عماد كثير الكلام، بل كثير الذكاء بصمت، كان يختزن في بريق عينيه يتماً خفياً، وبعض تمتمات يفهمها هو والجادون معه في المسير.

ليلة في الجنوب ماطرة باردة، قال: "سأعطيك خاتمي العقيق، وسبحة الدر الحسيني وسجدتي البيضاء"؛ كانت حجراً من رخام ابيض، قال لي يوماً انها من نهر الفرات ويتخذها سجدة لعل الحجر شهد وجه العباس يوم العاشر يتلألأ فسبح الله على حب الحسين (ع).

 في حزيران من العام 2006 كنت كلما نظرت اليه تبسم على غير عادته، ازداد اختزان الضوء في عينيه كمن فضحه عشقه، لكني ترددت في تذكيره بالموعد، ولم يكن من مؤشر لحرب القادمة.

قبل عملية الاسر بليلة، كنا نشرب القهوة عند الشاطئ وكان معنا الشهيد وسيم شريف، وكان عماد يجلس بجانبي، فجرّأني السكون وسلطان البحر على السؤال:

"لقد حان الموعد"، فقال:"اي"،

فقلت له: "كذب الوقاتون"، فنظر عشقاً صرفاً، وقال: "اي والله"، فاستدركت : "هل سيبقى جسدك كما هو؟"

قال:" بل لن يبقى منه شيئ"، فقلت :"كيف؟"، فاجاب: "لا اعلم ! لن يبقى اي اثر"،

ثم قال"احبك "، فقلت "بعرف".

وفي اليوم التالي بدأت حرب تموز 2006 ، امضينا الليلة في منزل صديق لنا، قبل ان يفترق كل منا الى وجهته التي هو موليها.. لم أشأ مغادرته، لوددت ان اشهد عروجنا روحاً واحدة، شطر عشقنا الواحد، لكن لم تكن الخيرة فيما اخترت بل في ما اختاره الله.

كانوا خمسة وسادسهم عشقهم، توضأوا وضوءهم الاخير واستخاروا الله فناداهم ربهم ان اخلعوا نعالكم انكم في الوادي المقدس.. واسرى بهم اليه..

انقضت الحرب وعدت اجر ذاكرتي خلفي، كمن يحمل اثقالاً غلبته فهوت واحدثت وراءها اثلاماً تئن الارض لها.. انتشلنا رفاتاً لاربعة شهداء، اما عماد فلم يترك لي اثراً من ريحه لأرتد بصيرا.. فقط خاتم العقيق وسبحة الدر وسجدة بيضاء...

استشهدوا بتاريخ 19/07/2006     في بلدة صريفا الجنوبية.

التعليقات (0)

اترك تعليق