الانتظار
الحاجة فاطمة تحدق نحو سهل كوكبا، بعينيها الصغيرتين، المطفأتين من البكاء..
ضوء الشمس تراه أبهى..
الصمت.. غير الصمت..
تتساءل.. ما الذي حدث؟!..
لماذا هذا الضوء وهذا الصمت يا حاجة فاطمة؟!
أيمكن أن يكون رائق قد أتى، عبر سهل الأقحوان. خطاه الواسعة تنم عن عجلة ليراها..
-رائق!.
تمزق الصمت، مرة وثانية، وثالثة..
يزداد تحديقها في السهل، تراه هناك، وهناك.. وهناك.. مع الأجساد التي نبتت من عمق السهل..
إنه آتٍ لا ريب، يصل إليها، تسمع صوته، وهو يقول لها:
-أريد كأساً من الشاي يا حاجة فاطمة!!.
-لماذا أنت مستعجل؟!
-أمي.. عندي عملية منتصف الليل!
-كيف ترى في الظلام الدامس؟!
-أنسيت أن الأرض جزء مني؟!.. ألا يعرف الواحد أجزاء جسمه يا حاجة فاطمة؟!
-بلى!.
ويشرب الشاي، لون الشاي عند الغروب، يبدو كدم صافٍ.
يحمل سلاحه، تحت ثيابه، ينظر إليها، تنظر إليه، تغرب الشمس، تشرق شمس أخرى، يبتسم، تبتسم..
-دعواتك يا حاجة فاطمة!
-اذهب.. الله وقلبي معك يا رائق!
يستدير..
تنظر إلى ظهره، لا يلتفت..
-انتبه لنفسك.. ليس لي سواك!
خطواته تدق في قلبها..
حين يختفي، تشعر أن قلبها توقف عن الخفقان..
يأتيها رائق ليلاً..
يحمل مشعلاً، ووجهاً مضيئاً..
يلبس البياض، يأتيها على عجل مبتسماً، ويذهب على عجل مبتسماً أيضاً..
تنهض من النوم، تصرخ:
-رائق!.
صمت الليل ينام في جنبيها، تتمدد مرة أخرى، تسمع دقات قلبها، مع صوت خطواته..
-الأرض تناديني يا أمي!.
-أبوك قتلوه هناك.. وهو يمنعهم من الدخول إلى البيت!.
-رأيته!. بيديه القويتين كجسري البيت.. جابه رصاصهم، سقط أمام الباب، حتى جثته الضخمة منعتهم من الدخول!.
-رائق.. أما زلت تتذكر أباك؟!.
-في كل عملية يا أمي.. أستمد منه القوة!
تمددت الحاجة فاطمة، وخطوات رائق ودقات قلبها كأنها شيء واحد..
أمام السهل..
ثلاثة رجال نبتوا مع زهور الأقحوان التي تفتحت على الندى، وقفوا أمام الحاجة فاطمة صامتين..
كانوا يشبهون رائق..
نهضت، انسكبت قهوة الصباح..
صرخت:
-استشهد رائق!.
لم يتفوهوا بكلمة واحدة، ذهبوا كما جاؤوا..
بقيت الحاجة فاطمة جالسة هكذا، حتى غابت شمس ذلك اليوم، وحين سقطت الشمس خلف الأفق، انفجرت دموعها كينبوع!.
وبقيت الحاجة فاطمة، هكذا، في قرية كوكبا، صامتة، تنتظر مجيء رائق، من السهل الملآن بالأقحوان..
كانت تجلس صباحاً.. وتنهض مساء..
صارت الحاجة فاطمة عنواناً للانتظار في قرية كوكبا، والقرى المحيطة بها..
-أتحسبونني مجنونة؟!.. لا.. رائق سيأتي.. من هذا السهل سيأتي.. أنا على ثقة أنه سيأتي!.
عندئذ، بكت النسوة، لكن الحاجة فاطمة لم تبك!.
يبدأ ليل الحاجة فاطمة، من غروب الشمس إلى شروقها..
يأتيها رائق، تتحدث إليه، تشرب الشاي معه، وتمسح على شعره..
وتكرر دائماً جملتها المعهودة بينها وبين نفسها:
- سيأتي رائق سيأتي!
وحين تتعب تنام وهي مبتسمة، وكأنها رأت رائق..
بيت الحاجة فاطمة بوابة سهل الأقحوان..
ذلك الصباح الصامت، البهي، كأنه صباح استثنائي..
جلست الحاجة فاطمة، مع قهوتها الصباحية، نظرت نحو السهل، تنتظر رائق..
رأت النسوة، يتجهن نحوها، وعلى وجوههن تساؤلات:
-ما الذي حدث؟!.
-لا أدري!.
-سمعنا حركة في عمق الليل.. يقولون إن الجنود هربوا!.
-إذن سيأتي رئق!.
تمتد الأبصار نحو سهل الأقحوان..
تنبت الأجساد الضاحكة، الراقصة، من السهل، تتكاثر.. ينكسر الصمت..
ويصبح ضوء الشمس أبهى وأبهى..
وتسمع الحاجة فاطمة خطوات رائق..
المصدر: وردة في معتقل الخيام: قصص متنوعة: جمال جنيد.
ضوء الشمس تراه أبهى..
الصمت.. غير الصمت..
تتساءل.. ما الذي حدث؟!..
لماذا هذا الضوء وهذا الصمت يا حاجة فاطمة؟!
أيمكن أن يكون رائق قد أتى، عبر سهل الأقحوان. خطاه الواسعة تنم عن عجلة ليراها..
-رائق!.
تمزق الصمت، مرة وثانية، وثالثة..
***
يزداد تحديقها في السهل، تراه هناك، وهناك.. وهناك.. مع الأجساد التي نبتت من عمق السهل..
***
إنه آتٍ لا ريب، يصل إليها، تسمع صوته، وهو يقول لها:
-أريد كأساً من الشاي يا حاجة فاطمة!!.
-لماذا أنت مستعجل؟!
-أمي.. عندي عملية منتصف الليل!
-كيف ترى في الظلام الدامس؟!
-أنسيت أن الأرض جزء مني؟!.. ألا يعرف الواحد أجزاء جسمه يا حاجة فاطمة؟!
-بلى!.
ويشرب الشاي، لون الشاي عند الغروب، يبدو كدم صافٍ.
يحمل سلاحه، تحت ثيابه، ينظر إليها، تنظر إليه، تغرب الشمس، تشرق شمس أخرى، يبتسم، تبتسم..
-دعواتك يا حاجة فاطمة!
-اذهب.. الله وقلبي معك يا رائق!
يستدير..
تنظر إلى ظهره، لا يلتفت..
-انتبه لنفسك.. ليس لي سواك!
خطواته تدق في قلبها..
حين يختفي، تشعر أن قلبها توقف عن الخفقان..
***
يأتيها رائق ليلاً..
يحمل مشعلاً، ووجهاً مضيئاً..
يلبس البياض، يأتيها على عجل مبتسماً، ويذهب على عجل مبتسماً أيضاً..
تنهض من النوم، تصرخ:
-رائق!.
صمت الليل ينام في جنبيها، تتمدد مرة أخرى، تسمع دقات قلبها، مع صوت خطواته..
-الأرض تناديني يا أمي!.
-أبوك قتلوه هناك.. وهو يمنعهم من الدخول إلى البيت!.
-رأيته!. بيديه القويتين كجسري البيت.. جابه رصاصهم، سقط أمام الباب، حتى جثته الضخمة منعتهم من الدخول!.
-رائق.. أما زلت تتذكر أباك؟!.
-في كل عملية يا أمي.. أستمد منه القوة!
تمددت الحاجة فاطمة، وخطوات رائق ودقات قلبها كأنها شيء واحد..
***
عند قهوة الصباح.. أمام السهل..
ثلاثة رجال نبتوا مع زهور الأقحوان التي تفتحت على الندى، وقفوا أمام الحاجة فاطمة صامتين..
كانوا يشبهون رائق..
نهضت، انسكبت قهوة الصباح..
صرخت:
-استشهد رائق!.
لم يتفوهوا بكلمة واحدة، ذهبوا كما جاؤوا..
بقيت الحاجة فاطمة جالسة هكذا، حتى غابت شمس ذلك اليوم، وحين سقطت الشمس خلف الأفق، انفجرت دموعها كينبوع!.
وبقيت الحاجة فاطمة، هكذا، في قرية كوكبا، صامتة، تنتظر مجيء رائق، من السهل الملآن بالأقحوان..
كانت تجلس صباحاً.. وتنهض مساء..
صارت الحاجة فاطمة عنواناً للانتظار في قرية كوكبا، والقرى المحيطة بها..
***
ذات يوم زارتها نسوة الحي، ليهونوا عليها، نظرت إليهن، وقالت بثقة: -أتحسبونني مجنونة؟!.. لا.. رائق سيأتي.. من هذا السهل سيأتي.. أنا على ثقة أنه سيأتي!.
عندئذ، بكت النسوة، لكن الحاجة فاطمة لم تبك!.
***
يبدأ ليل الحاجة فاطمة، من غروب الشمس إلى شروقها..
يأتيها رائق، تتحدث إليه، تشرب الشاي معه، وتمسح على شعره..
وتكرر دائماً جملتها المعهودة بينها وبين نفسها:
- سيأتي رائق سيأتي!
وحين تتعب تنام وهي مبتسمة، وكأنها رأت رائق..
***
بيت الحاجة فاطمة بوابة سهل الأقحوان..
ذلك الصباح الصامت، البهي، كأنه صباح استثنائي..
جلست الحاجة فاطمة، مع قهوتها الصباحية، نظرت نحو السهل، تنتظر رائق..
رأت النسوة، يتجهن نحوها، وعلى وجوههن تساؤلات:
-ما الذي حدث؟!.
-لا أدري!.
-سمعنا حركة في عمق الليل.. يقولون إن الجنود هربوا!.
-إذن سيأتي رئق!.
تمتد الأبصار نحو سهل الأقحوان..
تنبت الأجساد الضاحكة، الراقصة، من السهل، تتكاثر.. ينكسر الصمت..
ويصبح ضوء الشمس أبهى وأبهى..
وتسمع الحاجة فاطمة خطوات رائق..
المصدر: وردة في معتقل الخيام: قصص متنوعة: جمال جنيد.
اترك تعليق