مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الأمة الإسلامية الواحدة: التحديات والآليات.. بحث للحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر ال

الأمة الإسلامية الواحدة: التحديات والآليات.. بحث للحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الثامن والعشرين للوحدة الإسل

 


بحث للحاجة عفاف الحكيم في المؤتمر الثامن والعشرين للوحدة الإسلامية
والذي أقامه المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب تحت عنوان:

عنوان المقال: الأمة الإسلامية الواحدة: التحديات والآليات

المكان: إيران
الزمان: بتاريخ 15-17 ربيع الأول 1436 الموافق 7-9 كانون الثاني 2015


 باسمه تعالى


التكفيريون وقوى الاستكبار

قال تعالى في كتابه الكريم: «اُدعُ إلى سبيلِ ربِّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادِلْهُم بالتي هِيَ أحسنُ أنَّ ربَّك هوَ أعلمُ بمنْ ضلَّ عن سبيلِه وهو أعلمُ بالمُهتدينَ» (سورة النحل، الآية: 125).
مشكلة التكفير تعتبر من أخطر المشكلات التي يمكن أن تعصف بالأمة الإسلامية على امتداد تاريخها، ولقد عانى المسلمون في الماضي من ويلات هذا السلاح الفتاك، وفرقة الخوارج التي ظهرت في النصف الأول من القرن الهجري الأول هي مصداق من المصاديق  البارزة لهذه الجماعات التكفيرية، ولهذه الحالة الحادة من الجهل المغلق الذي يأبى الانفتاح على الآخر من خلال العلم بما أراده الله تعالى للمسلمين من الجدال بالتي هي أحسن، حتى بالنسبة إلى غير المسلمين، ومن رد الخلافات والمنازعات الفكرية والفقهية إلى الله والرسول عبر الرجوع إلى القواعد العلمية الآيلة إلى الأخذ بحقائق القرآن الكريم والسنة المطهرة بعيداً عن التحجر والاستبداد بالرأي، قال تعالى: «فإنْ تنازَعْتُم في شيءٍ فردُّوهُ إلى اللهِ والرسولِ» (سورة النساء، الآية: 59).
الفرقة التي ابتدعها الخوارج يومذاك تقطعت وتلاشت، رغم أنّ نهجها، في العديد من الأحيان، بقي موجوداً بشكل محدود ومضبوط؛ إذ كان يطفو ويخبو بحسب مصالح وأهواء السلاطين. لكنَّ خطورة ظاهرة التكفير في أيامنا، أو هذه الحالة الكارثية التي يشيعها التكفيريون في المنطقة وفي العالم أجمع والتي حاكتها أو التقطتها وأمسكت بها قوى الاستكبار والصهيونية العالمية، ثم راحوا يديرونها علناً، دافعين بكل قدراتهم وإمكاناتهم ومؤسساتهم الاستخباراتية العالمية والمحلية لتأجيج هذه الفتنة العمياء الصماء، أو "الفوضى الخلاقة" التي حدّثت بها دوائرهم والتي يعوّلون عليها بتسديد الضربة الأقوى والأشد التي يمكن أن تعصف بكل مقومات وطاقات الأمة على امتداد رقعتها دفعة واحدة؛ بحيث تداهم المصائب والمتاعب كامل بلداننا ومجتمعاتنا ومناطقنا وأحيائنا وطرقاتنا، وتعمل على مصادرة كل القضايا والهموم والمنافذ والسبل لتصبح من ثم هذه القضية هي القضية الأولى التي تؤرق وتشغل بال جميع المسلمين بسبب ما تطرحه من فتاوى، وما تحدثه من ترويع للأمن وسفك لدماء الأبرياء وزرع للبلبلة وزعزعة للاستقرار.
وعليه، كان خيارنا في هذا البحث هو التوجه للوقوف على العوامل والأسباب التي ساهمت باستفحال وتأجيج هذه الظاهرة الخطيرة، والتي حافظت على وجودها الكامن على امتداد التاريخ الإسلامي بشكل أو بأخر بحيث تعايشت معها مجتمعاتنا لقرون، ومن ثمّ نقف مع الدلائل التي تشير إلى من عملوا على إيقاظها وتغذيتها وتنميتها وتوجيهها نحو هذا الأتون الملتهب والرامي إلى ضرب الوحدة والانسجام بين الشعوب الإسلامية، وتعطيل عملية التقريب بين المذاهب الإسلامية، وصولاً إلى إشعال الفتن والحروب والنزاعات بين طوائف المسلمين وابعادهم كلياً عن قضاياهم الأساسية وعلى رأسها قضية فلسطين.

وإن من هذه العوامل والأسباب:

1- الجهل بالإسلام وبمفاهيمه وقيمه:
إذ لا شك أنّ من أهم العوامل والأسباب التي تؤدي إلى التزمّت والتعصب والتطرف والتكفير والتصادم مع المنتسبين للمذاهب الإسلامية الأخرى وصولاً إلى تكفيرهم، هو الجهل والمحدودية والاستغناء عن الوقوف على معارف الإسلام وقيمه، هو الانغلاق وعدم الانفتاح على الرأي الآخر، مع أنّ هذه الحالة من الانفتاح الإيجابي عايشها الناس منذ الفترة الأولى لظهور الإسلام، والتاريخ حدثنا عن دخول النبي(ص) في حوارات ولقاءات مع الرأي الآخر كما في قصة المباهلة مع نصارى نجران. وحيث أكد القرآن الكريم من جهة ثانية على حرية الرأي واحترام الرأي الآخر، قال تعالى: «إنَّا أو إيَّاكُم لعلى هدىً أو في ضلالٍ مُبينٍ» (سورة سبأ، الآية: 24).
كما رفض النبي(ص) ان يعاقب أحداً على دينه يهودياً كان أو نصرانياً، ولذا نجد أن أهل الديانات الأخرى انخرطوا في الدفاع عن المسلمين رغم تباعد الديانة والثقافة.
وكذلك هذا ما نجده جلياً في سيرة أهل البيت(ع) حيث أعطوا مجالاً واسعاً للرأي الآخر كما في أيام (أبان بن تغلب) وهو من خواص تلامذة الإمام جعفر الصادق(ع)، وقد أمره أستاذه الإمام أن يجلس للإفتاء في مسجد المدينة، ولأنَّ السائلين والمستفتين كانوا يختلفون في مذاهبهم ومراجعهم فقد وجّهه الإمام إلى أهمية احترام الرأي الآخر من المذاهب وذلك بأن لا يقتصر على نقل مذهب أهل البيت أو فتاواهم بل يفتي السائلين حسب مذاهبهم، إذ يقول له الإمام الصادق(ع): "أنظر ما علمت أنه من قولهم فأخبرهم بذلك".
إنه درس في التسامح وفي احترام الرأي الآخر مهما أختلف، يعطيه الإمام(س) للأمة.
وهناك روايات وأحاديث كثيرة تدلنا على عظمة الإسلام في تقدير الرأي الآخر والدعوة إلى محاورته ومناقشته بالكلمة الحسنة. وإنّ ما ينبغي أن لا نغفل عنه هو أن مسيرة المسلمين إنما نجحت ونمت وترعرعت بمساهمة عامل الانفتاح والبحث عن الحقيقة وإن بعُد مكانها، وقد ورد عن النبي الكريم(ص): "أطلبوا العلم من المهد إلى اللحد".
وورد عن الإمام الباقر(ع): "لا يقبل عمل إلا بمعرفة ولا معرفة إلا بعمل ومن عرف دلّتْهُ معرفته على العمل ومن لا يعرف فلا عمل له".
غير أنّ من المستغرب في أيامنا أن يصل واقعنا الإسلامي المعاصر إلى مثل هذه الجماعات التكفيرية التي تلغي الآخرين ولا تعترف لهم بفكر أو حقوق، بحيث تلقي التهم جذافاً ضد هذا الطرف أو ذاك فقط لأنه الآخر المختلف، مع أن دين الإسلام هو دين العقلانية والبحث والاقتناع بالحقيقة وهو دين دعا إلى المعرفة والحقيقة منذ فجره الأول ودعا أيضاً إلى الحوار والانفتاح والتلاقي والاستفادة من الآخر، كما في حادثة أسر عدد من المشركين في معركة بدر وحيث جعل رسول الله(ص) فداءهم أن يعلّم كل منهم عشرة من أطفال المسلمين الكتابة.
إنّ هذا الدين العظيم لم يقف يوماً ضد العقل أو الفكر وإنما رفض التعامل مع الآخر من منطلق إنا وجدنا آبائنا على آمة وإنا على آثارهم مهتدون ومقتدون. ومن هنا فإن الإسلام يرفض أخذ الأمور على طريق التقليد الأعمى ويطلب أخذها عن طريق المعرفة والاقتناع، وهذا لا يتأتى إلا بعد الانفتاح على مجمل الآراء ومعرفة الصواب منها. وهذا أمر قدّره حتى المستشرقون والمفكرون من غير المسلمين وعدّوه نقطة قوة في الإسلام؛ فالمستشرق الفرنسي -كود إتيان سفاري- الذي وصف رسول الله(ص) في مقدمة ترجمته للقرآن بالعظمة قائلاً: "أسس محمد ديانة عالمية تقوم على عقيدة بسيطة لا تتضمن إلا ما يقره العقل من إيمان بالإله الواحد الذي يكافيء على الفضيلة ويعاقب على الرذيلة".

2- الجرأة والاستهانة بحرمة الدماء:
إنّ من أشد ما يؤلمنا من الفتن الدائرة حولنا وفي أرجاء العالم والمنسوبة إلى هذه الجماعات التي تدعي الإسلام- هو هذه الاستهانة بحرمة سفك الدماء. وكلنا يعلم أن حرمة دم المؤمن أعظم عند الله وأكبر من حرمة الكعبة وقد تواترت الأحاديث الشريفة الدالة على هذا المعنى.
كما وإنّ قتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق من أكبر الكبائر، ويعظم الجرم ويشتد الآثم حين تكون هذه النفس نفساً مؤمنة قال تعالى: «وما كانَ لمؤمنٍ أن يقتُلَ مؤمناً إلَّا خطًأ» (سورة النساء، الآية: 92).
و«أنَّهُ منْ قتَلَ نفساً بغيرِ نفسٍ أو فسادٍ في الأرضِ فكأنَّما قتلَ الناسَ جميعاً» (سورة المائدة، الآية: 32).
وقال سبحانه أيضاً: «ومَنْ يقتًلْ مؤمناً متعمِّداً فجزاؤُهُ جهنَّمُ خالِداً فيها وغضِبَ اللهُ عليهِ ولعنَهُ وأعدَّ لهُ عذاباً عظيماً» (سورة النساء، الآية: 93).
وقال رسول الله(ص) "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه"
وعنه(ص) أيضاً: "من ظلم معاهداً كنت خصمه] و[من آذى ذميّاً فقد آذاني".
وفي خلافة أمير المؤمنين علي(ع) حين عارضه الخوارج ورفضوا رأيه وحكمه فأعلن مبدأ الإسلام في كيفية التعامل مع الآخر حيث قال لهم: "إن لكم علينا أن لا نبدأكم بقتال وأن لا نقطع عنكم الفيء وأن لا نمنعكم مساجد الله".
هذا كله لا شك دليل على عظمة الإسلام من هذه الناحية.
كما وأن الأمة أجمعت على وجوب صيانة الأرواح من كل ما يهدد وجودها وينتقص من حقها في الحياة الكريمة بغض النظر عن الدين أو العرق الذي ننتمي إليه.
وإنّه من هنا نلتفت بحرقة إلى هذه العاصفة الدموية التي تجتاح بلاد المسلمين بحيث يقتل المسلم بيد من يدّعي الإسلام وتسفك دماء المسلمين، ويتم تكفيرهم بالجملة ويُذبّحون في مجازر جماعية باسم الإسلام وبنداء "الله أكبر" وحيث المستفيد الوحيد من هذه الجرأة على الله تعالى وعلى الإسلام هم أعداء الإسلام، هم قوى الاستكبار والصهيونية العالمية المجرمة. التي تبذل اليوم جهوداً شيطانية واسعة عبر أخطبوطهم الإعلامي، وذلك من أجل أن تعكس للعالم وللأسف صورة غير حقيقية ومنافية لما حمله وجاء به الدين الحنيف من رحمة ورفق وعطف وسماحة عامة بالخلق أجمعين قال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» (سورة الأنبياء، الآية: 107).
‘إنهم للأسف يعكسون للعالم واقع هذه الظاهرة المرعبة المنسوبة للإسلام زوراً، والتي تحولت إلى خطر على الواقع الإسلامي كله، بما تقوم به هذه الجماعات التكفيرية وتقترفه بشكل يومي من القتل والذبح والتدمير والفتك الذريع عبر انتحاريين يفجّرون أنفسهم بالمارة والمدنيين والمساجد والأسواق، وعبر السيارات المفخخة والمجازر الوحشية الجماعية التي تطاول النساء والأطفال من دون أي ذنب، وصولاً إلى أمور غير مسبوقة من مثل حزّ الرؤوس وشق الصدور أمام شاشات التلفزة لتجسيد كل ما ينفّر ويفضي إلى تشويه صورة الإسلام واعتباره دين عنف وإرهاب.
وإنّ أشدّ ما يؤلمنا ويحزّ في نفوسنا هو أن تتحول هذه الجماعات التكفيرية بين عشية وضحاها، وفي هذه السنوات القليلة، إلى أشبه ما يكون بوباء متوحش شرس يريد أن ينقضّ بالجملة على كل شيء من بشر وحجر ومقدسات دينية لطوائف وأديان مختلفة، وصولاً إلى التعرض للمراقد الشريفة ومدافن الأولياء والصالحين وحتى ما هو منتشر منها في الأماكن البعيدة والنائية، وذلك في أوسع عملية اجتثاث للتراث الإسلامي والانساني، وهذا لا شك من أكبر وآكد مظاهر الجهل والتخلف.

3- العقلية الآحادية:
وإن من كوارث العقلية التكفيرية لدى هذه الجماعات هي الإدّعاء بامتلاك مطلق الحقيقة وأنها تنفرد دون غيرها بها، بحيث يرون أنَّ الإسلام لا يتّسع إلا لهم وان كل من خرج عنهم وعن أفكارهم وقناعاتهم فقد خرج عن الإسلام، وكل من دخل في أفكارهم وقناعاتهم فقد دخل في الإسلام.
ان هذه النظرة الضيقة التي تجعل الإسلام بحجم جماعة أو أخرى هي لا شك نتاج جهل حقيقي بهذا الدين العظيم الذي جاء لكافة الناس، والذي لا بد أن يكون لجميع أبنائه وبحجم جميع مذاهبه. وإنّها لكارثة أن يرى كلُّ في نفسه الأهليّة لفهم الدين وتفسير نصوصه، وأنّ على الآخرين الاذعان لأمره والأخذ برأيه، وإلاّ فإنهم مخالفون وخارجون عن العقيدة ويجوز التصدي لهم ومواجهتهم بشتى الوسائل والطرق.
إن هذه العقلية الأحادية التي تلغي الآخر وتهمشه هي لا شك من تلك الأخطار التي أدت إلى التراجع والتخلف، ولذا لا بد من أن يعي كل فرد في مجتمعاتنا ويدرك بأن مجتمع المسلمين هو مجتمع قائم على أساس الإسلام وأنّ من ينتمي إلى الإسلام فهو جزء من هذا المجتمع، وقد نصّ القرآن الكريم والسنّة المطهرة على الحقوق المعنوية والاجتماعية المتبادلة بين أبناء المجتمع الإسلامي «إنَّما المؤمنونَ إخوةُ» (سورة الحجرات، الآية: 10). "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره".
ومن هنا، فإنّ التنكر لانتماء أي إنسان لهذا المجتمع، ولهذا الدين، إنما يعني التنكر للقيم وللحقوق المترتبة على ذلك الانتماء، وحيث أنّ الإسلام قد وضع معايير محددة لإقرار هذا الانتماء، فإنه لا يجوز لاحد أن يضع معايير أخرى ويشترط أن من ينتمي لهذا الدين لا بد وأن يكون ملتزماً بها.
فمعايير الانتماء إلى الدين يضعها الله سبحانه وتعالى وليس الأخرون، وحين تتوفر هذه المعايير التي وضعها الله تعالى فلا يحق لأحد أن يتنكر لها. وبالتالي لا يحق لأحد أن يختلق شروطاً إضافية، قال تعالى: «يا أيُّها الذين آمنُوا إذا ضربْتُمْ في سَبيلِ اللهِ فتبيَّنُوا ولا تقُولُوا لِمَنْ ألقَى إليكُم السَّلامَ لستَ مُؤمناً تبتغُونَ عرضَ الحياةِ الدُّنيا» (سورة النساء، الآية: 94).
وعليه فإذا جهر أحد الأشخاص من معسكر الأعداء -كما هو معروف- بالشهادتين وقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله فهذا الشخص توفر فيه معيار الانتماء إلى الإسلام وإلى مجتمع المسلمين.
وإنَّ النصوص كثيرة على هذا الصعيد، وقد جاءت كلّها لتؤكد المعايير المتّبعة لاعتبار هذا الشخص من المسلمين أو لا، ويكفينا هنا أن ننظر من حولنا في هذه الوقائع المناهضة للإسلام المحمدي الأصيل الذي يحاكي نهي الرسول(ص) للصحابي الذي طعن مشركاً مستأمناً بعد أن نطق بالشهادتين: هلا شققت عن قلبه؟
وقد ورد في صحيح مسلم عن المقداد ابن الأسود أنّه سأل رسول الله(ص): يا رسول الله أرأيت ان لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يديّ بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال اسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها. قال(ص): [لا تقتله]. قال: فقلت يا رسول الله انه قد قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال رسول الله(ص): "لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال".
وعن صحيح البخاري عن رسول الله(ص) قال: "أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله".
هذه هي المقاييس الأساسية التي وضعها الإسلام أما الاختلافات الأخرى -كما هو معلوم- فليست مما يخرج منه، باعتبار أنّ نصاب الإسلام أو الحد الأدنى الذي يدخل الإنسان في الإسلام هو النطق بالشهادتين.
وبهذا يتبيّن لنا حجم مشكلة التكفير أو حجم الجهل باستسهال اخراج أحد من الدين باستعمال تلك الكلمة الفتاكة، ولذا باتت هذه المشكلة في الواقع من أخطر المشكلات التي تواجهها الأمة الإسلامية اليوم، فمسألة اخراج الإنسان من الإسلام كمقدمة لتبرير قتاله ليست بالأمر البسيط.
ولذا يقول الشيخ محمد عبده بهذا الخصوص (إنّ الله لم يجعل للخليفة ولا للقاضي ولا للمفتي ولا لشيخ الإسلام أدنى سلطة على العقائد وتقرير الأحكام، ولا يسوغ لواحد منهم أن يدّعي حق السيطرة على إيمان أحد أو عبادته لربه أو ينازعه عن طريق نظره) (الأعمال الكاملة ج3 ص282).
وكان قبل ذلك أبي حامد الغزالي قال: (إنه لا يسارع إلى التكفير إلا الجهلة، وينبغي الاحتراز من التكفير ما  وجد الإنسان إلى ذلك سبيلاً. فإنّ استباحة الدماء والاموال من المصلين إلى القبله المصّرحين بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله خطأ والخطأ في ترك ألف كافر أهون من الخطأ في سفك محجمة من دم مسلم) (الاقتصاد في الاعتقاد ص142).
والإسلام –كما نعلم- قد حارب كل ما ينتمي للتكفير بصلة، وحيث نجد أنّ رسول الله(ص) قد حّذر من أن يشهر مسلم على أخيه المسلم سلاح التكفير، ففي الحديث الصحيح: "من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما"، وعن الإمام الصادق(ع): "ملعون ملعون من رمى مؤمناً بكفر ومن رمى مؤمناً بكفر فهو كقتله".
وعليه، فإنّ ما تحتاجه الناس في مجتمعاتنا بشكل عام مع الوعي والبصيرة وحسن التوجه هو المطالعة البسيطة والمركزة التي توضح بشكل لا لبس فيه عدم استسهال اخراج أحد من الإسلام. وانه ليس مشروعاً اخراج أحد من هذا الدين بناء على الظن والشبهة، باعتبار أنّ الأصل في المسلم عصمة دمه وعرضه وماله، ومن هنا فإن التكفير الاجرامي الذي نشاهده اليوم من حولنا هو أمر دخيل على الإسلام، وإنّ -داعش- وغيرها من هذه الجماعات التكفيرية الضالة ليست إلا وجهاً من وجوه الإرهاب المستخدم من قبل دول الإرهاب المنظم في العالم. انهم يؤدون وظيفة خطيرة جداً بل مدمرة للأمة وللأوطان وللمجتمعات، وظيفة تلتقي مع مشروع الهيمنة العالمي لقوى الصهيونية والاستكبار.

4- ضرب القضايا الكبرى للأمة:
مما لا شك فيه أن تنامي الفكر التكفيري في المنطقة أتاح فرصاً ثمينة لتحقيق مصالح قوى الاستكبار والصهيونية العالمية على مختلف الصعد، بحيث تمكنوا عبر هذه الجماعات الضالة تحديداً من تسديد أقسى الضربات لأهم قضيتين أساسيتين من قضايا الأمة؛ الوحدة الإسلامية وقضية فلسطين.
قال تعالى: «وإنَّ هذِهِ أمَّتُكُمْ أمَّةً واحدةً وأنَا ربُّكُم فاتَّقُون» (سورة المؤمنون، الآية: 52).
وقال تعالى أيضاً: «واعتصِمُوا بحبلِ اللهِ جميعاً ولا تفرَّقُوا واذكُرُوا نعمةَ اللهِ عليكُم إذ كنتُم أعداءً فألَّفَ بين قلوبِكُم فأصبحتُم بنعمتِهِ إخواناً» (سورة آل عمران، الآية: 103).
هكذا عرض تبارك وتعالى صورة الأمة الواحدة ومجتمعها العابد العادل المظّلل بالتقوى، مشدِّداً من جهة على اعتصام الجميع بحبل الله تعالى ومن جهة ثانية محذراً من عواقب النزاع: «ولا تنازَعُوا فتفشَلُوا وتذهبَ ريحُكُم» (سورة الأنفال، الآية: 46).
ولا شكَّ أنّ أكبر معضلة تعاني منها الأمة اليوم انما تتمثل في هذه المجموعات التكفيرية الإرهابية التي تسعى وبقوة إلى إزالة كافة المساحات المشتركة بين المسلمين، والتي توجه ضربات قاسية لأسس الإسلام وكرامة المسلمين في العالم، وتعمل على تدمير القوى والقدرات والقضايا وعلى رأسها وحدة الأمة وقضية فلسطين.
إذ في الوقت الذي يتمتع به الكيان الصهيوني الغاصب بمنتهى الأمن والاستقرار، نجد أن ما يرتكبه التكفيريون في بلادنا من جرائم حوّلت حياة العديد من مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلى جحيم بعد أن ضربت كل البنى التحتية فيها وأضعفت جيوشها وبددت ثرواتها. وحيث بات العالم كله يشهد معنا بأم العين ماذا تفعل زمر داعش والنصرة وغيرها في أوطان العرب، وكيف بات جرحى هذه الجماعات بالمئات يتلقون علاجهم في المستشفيات الصهيونية، وكيف قام رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو بزيارة جرحى هذه التنظيمات الضالة ثم كيف تحولت الأنظمة الرجعية في المنطقة إلى حواضن لهذه الجماعات التي أعلن العدو الصهيوني في أكثر من مرة انها لا تشكل خطراً عليه.
إنّ كلّ ما يجري في المنطقة اليوم يؤكد صهيونية هذه التنظيمات التكفيرية التي تحمل زوراً لواء الإسلام وهي ليست من الإسلام في شيء، بل هي كما هو واضح ذراع قوية للصهيونية العالمية.
ومن هنا نجد أنّ قائد الثورة الإسلامية الإمام الخامنئي دام ظله يعرب عن أسفه لإشغال العالم الإسلامي بالتيارات التكفيرية التي أوجدها الاستكبار وعدم اكتراثه بجرائم الكيان الإسرائيلي وتطاوله على المسجد الأقصى.
ثمّ يتابع الإمام القائد دام ظله  القول مبيناً: "أنّ التيار التكفيري والحكومات الداعمة له يعملون بشكل كامل في اطار الاهداف الإستكبارية أي أمريكا والدول الاستعمارية الأوروبية والكيان الصهيوني وانهم يخدمونهم بمظهر إسلامي".
وأضاف سماحته: "إنّ الخط الأمامي للمسلمين في النضال والكفاح في هذه المنطقة كان فلسطين المحتلة، إلاّ أنّ التيار التكفيري قد غير هذا الخط وأدخله إلى داخل الشوارع والمدن السورية والعراقية والباكستانية والليبية. وهذا يعتبر من الجرائم غير القابلة للنسيان للتيار التكفيري. إنّ التيار لم يعبس حتى في وجه الكيان الصهيوني وانه يتعاون معه لمواجهة المسلمين".
ويتابع الإمام القائد دام ظله توجيهاته بالقول: "لا تسمحوا بنسيان قضية فلسطين والقدس الشريف والمسجد الأقصى. إنهم يريدون للعالم اللإسلامي أن يغفل عن قضية فلسطين.
الحكومة والشعب في الجمهورية الإسلامية كلمتهم واحدة في هذا الخصوص؛ لقد أعلنت الجمهورية الإسلامية هذا منذ البداية وأعلن الإمام الخميني أنّ سياستنا هي دعم فلسطين ومعاداة الكيان الصهيوني ورفع هذه الراية التي لا تزال مرفوعة إلى اليوم ولم تنحرف عن هذا النهج منذ 35 عاماً
".

دور قوى الاستكبار في فتنة الجماعات التكفيرية:
لقد استهدفت قوى الاستكبار عقيدة هذه الأمة منذ زمن بعيد، آخذة بنصيحة أحد ملوك الغرب -لويس التاسع ملك فرنسا- الذي قدم لهم معلماً بارزاً في التعامل مع المسلمين حين قال: "إذا أردتم أن تهزموا المسلمين فلا تقاتلوهم بالسلاح وحده فقد هزمتم أمامهم في معركة السلاح. ولكن حاربوهم في عقيدتهم فهي مكمن القوة فيهم".
وهكذا راحوا يفتكون بهذه الأمة ويمزقون أوصالها ويزرعون الخلاف الفكري والطائفي والسياسي والعنصري بين صفوفها. وكلما عمل المخلصون على توحيد الصفوف عمل العملاء وعناصر السوء والإنتهازيون على نشر التفرقة والخلاف، ولذا بقيت الأمة تعاني من حالات مضنية من المدّ والجذر وعدم الاستقرار، وذلك بهدف التركيع والهيمنة، إلى أن وصلنا إلى ما يحيط بنا من جبهات تكفيرية إرهابية تعمل بشتى السبل على تشويه وجه الإسلام من جهة، وعلى تحويل بوصلة الصراع من الكيان الصهيوني الغاصب إلى صراع بين الشعوب الإسلامية من جهة ثانية. وذلك لأنّه  لدى أمريكا والصهاينة مشاريع خبيثة تهدف إلى تقسيم الدول إلى دويلات عديدة بعد إشغال الأمة بعضها ببعض وصولاً إلى توفير الأجواء المساعدة لبروز وتحقيق نظرية -الفوضى الخلاقة- التي تحدثت بها دوائرهم وتناقلتها صحافتهم. هذه النظرية التي هي من النظريات الخطيرة والحساسة التي تتبناها الولايات المتحدة حالياً تجاه العالم عموماً والشرق الأوسط والمنطقة العربية خصوصاً كأسلوب جديد لإدارة وتوجيه مصالحها وأهدافها.
وحيث أخذت هذه النظرية مساراتها العملية في التطبيق بعد ما كانت أمريكا تتعامل عالمياً -خصوصاً مع المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية الاقتصادية والعسكرية- وفق آلية الإنقلابات العسكرية والتدخلات العسكرية المباشرة.. وبعد أن وجدت تلك الآليات مكلفة ارتأت اعتماد عدد من النظريات تكون بأقل التكاليف وبأقصر الطرق وأبسطها، ومن دون التدخل العسكري المباشر من جانبها ومنها نظرية (الفوضى الخلاقة).

وقد كتبت جريدة -الحياة- بتاريخ 4/11/2014 تحت عنوان -الفوضى الخلاقة تهدم الشرق الأوسط- مقالاً هاماً سنحاول إيجازه قدر المستطاع، بادئة بتعريف الخبير والمفكر الأمريكي مايكل ليدن الباحث في معهد (أمريكا انتربرايذ) وهو أول من صاغ مفهوم هذه النظرية عام 2003 وذلك عندما وضع خطة جديدة للولايات المتحدة لإدارة أهم المناطق حساسية في العالم وهي الشرق الأوسط بعد أن لاحظ ارتباك السياسة الأمريكية في هذه المنطقة.
وتقوم نظرية (الفوضى الخلاقة) على الأسس الآتية:
1- التغيير الكامل في الشرق الأوسط
2- إعادة البناء بعد هدم الأسس والتقاليد القديمة
3- الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الشاملة لدول الشرق الأوسط
4- إبعاد الجهد الأمريكي المباشر والاكتفاء بصياغة وتنظيم بناء النظام السياسي في هذه الدول
وتمثل هذه الأسس حقيقة الاستراتيجية الأمريكية حالياً في المنطقة. وهذا ما صرح به أكثر من مسؤول أمريكي حول إعادة صياغة شرق أوسط جديد ونظام عالمي جديد ومنهم الرئيس جورج بوش الابن، وكذلك مستشارة الأمن القومي الأمريكي كوندوليزا رايس التي أطلقت هذا المصطلح.
 وتابعت الصحيفة: 
لا شكّ في أنّ بلدان منطقة الشرق الأوسط تعيش حالياً مأساة تطبيق مراحل هذه النظرية من صراعات داخلية طائفية وقومية واثنية وعشائرية.
ومن خطوات تنفيذ النظرية الآتي:
1- إطلاق الصراع الطائفي والعرقي؛ تقوم هذه النظرية على بث الشرخ الطائفي والعرقي الملازم لتركيبة شعوب ودول المنطقة.
2- صراع العصبيات وتتمثل هذه الخطوة بضرب مؤسسات الدولة واستبدالها بولاءات عشائرية وحزبية، وهذا ما عكفت عليه وتبَنته الإدارة الأمريكية في عدد من دول المنطقة منها ليبيا حالياً، حيث تحكم مؤسسات الدولة انتماءات قبلية، كذلك العراق حيث استبدلت فيه مؤسسات الدولة بتوافقات حزبية ذات صبغة طائفية وقومية.
3- إطالة أمد الاختلال الأمني؛ ومن منطلقات هذه النظرية أيضاً، خلق حالة عدم الاستقرار واليأس واللاعودة إلى ما كانت عليه الأوضاع قبل استبدال النظام في هذه الدول. وذلك بإطالة أمد الصراع المصحوب بالأسلوب الدموي للقتل والدمار، ما يجعل المجتمع في حال من اليأس والضغط النفسي، وهو ما يخلق النظام الجديد الذي يولد من تفشّي الفوضى. ومن أبرز الأمثلة العمليات المسلحة المتمثلة في السيارات المفخخة والعبوات والاغتيالات والإبادة الجماعية لبعض المكونات وعمليات التهجير التي يشهدها العراق حالياً.
4- التغذية الإعلامية من طريق إرباك المنطقة بموجة إعلامية وتغذية المؤسسات الإعلامية ودعمها بكل ما من شأنه تحقيق أهداف هذه النظرية.
لقد طبقت مجمل هذه الخطوات، والبعض منها أخذ طريقه إلى التطبيق وتمثل الأجهزة المخابراتية الأمريكية والعالمية المتعاونة معها الأداة الرئيسية في تطبيقها ورسم مساراتها. كما أنّ المنظومة العسكرية الأمريكية المتواجدة في دول المنطقة هي الأداة المباشرة في إدامة زخمها من الناحية اللوجستية والعملياتية غير المباشرة.
إنّ نظرية الفوضى الخلاقة، لا تستهدف فقط حفظ المصالح الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط التي يسوّق إليها إعلامياً، والمتمثلة في تدفق امدادات النفط والموارد الطبيعية الأخرى وكذلك حماية إسرائيل، بل تتعداها إلى تغيير نمط وسلوكيات ومعتقدات شعوب هذه المنطقة واستبدال ثقافاتها بثقافات تراها ضرورية لصيرورة نظام عالمي جديد. ويشير إلى ذلك ليدن بالقول: "علينا تدمير الانماط والنماذج والعلوم القديمة في الأدب وغيرها وهذه مهمتنا التاريخية. من أجل التغيير الكامل للشرق الأوسط على المستوى الثقافي والاقتصادي والسياسي والديني". فالمنطقة بدولها وقومياتها وعقائدها وثقافتها وموروثها التاريخي تعيش اليوم مراحل تطبيق هذه النظرية الفتاكة التي خلفت الكثير من المآسي والمحن والتصدع في بنيتها. وهي بحاجة إلى وعي وادراك خطورة هذه السياسة الأمريكية/انتهى
بعد هذا كله، لا بدّ من القول أننا في الواقع كشعوب ومجتمعات بحاجة للتنبه ولإدراك كلّ ما يدور حولنا وخصوصاً ما تصدره لنا أمريكا الشيطان الأكبر وحلفاؤها في المنطقة والعالم، لإدراك ان هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية إنما تأسست لتشويه صورة الإسلام وصورة المقاومة الإسلامية المظفرة في المنطقة، ولإشغال الدول المحيطة بفلسطين المحتلة حتى لا تتجه الأنظار إلى ما يقوم به العدو الصهيوني من جرائم مروعة، نحن بحاجة إلى البصيرة والوعي الذي يمكننا من إحراز رؤية نافذة بما لدى هذه الجماعات التكفيرية من تنسيق استثنائي مع دوائر الاستكبار والصهيونية في المنطقة والعالم، والالتفات إلى كل ما ترعرعوا به من إمكانات بواسطة المؤسسات الاستخبارية الدولية والاستخبارات المحلية في المنطقة، ولما يحملونه من اجندات خطيرة تركزت على انجاز حرب طائفية وتمزيق صفوف الأمة  الإسلامية ومواجهة المسيرة الناهضة للوحدة الإسلامية ولكل الأعمال التي تؤدي إلى التقريب بين المذاهب وإلى الانسجام وتوحيد الكلمة بين أبناء الأمة.
يقول الإمام الخامنئي دام ظله بهذا الخصوص إنه لا بد من "تنوير الناس بخصوص سياسات أمريكا وبريطانيا الاستكبارية، ويجب أن يعلم العالم الإسلامي كله ما هو دور السياسات الأمريكية في هذا الخضم، وما هو دور الأجهزة التجسسية الأمريكية والبريطانية والصهيونية في أحياء هذه الفتنة التكفيرية- ينبغي للجميع أن يعلموا هذا".

دور العلماء والنخب في التصدي لمشكلات التكفير:
في ظل هذه الفتنة وأجوائها القائمة، يصبح لزاماً على علماء الأمة ومفكريها قبل غيرهم أن يتحملوا مسؤولياتهم تجاه الكوارث التي أحدثتها هذه الجماعات على أكثر من صعيد، وأن يقفوا لينذروا ويبلغوا ويجهروا بكلمة الحق، وأن يستنفروا كافة طاقاتهم وجهودهم من أجل العمل على محاصرة هذا الفكر الإرهابي المنظم الذي صاغته دوائر الاستكبار.
ومن أجل تبيان خطر هذه الجماعات وكشف جرائمها والتبرّؤ من أفكارها المتطرفة التي شوهت سمعة الإسلام وأوجدت حالة من التمزق والتفسخ داخل جبهة الأمة الإسلامية.
لا بد للعلماء والخطباء والمبلغين والنخب الفكرية والإعلامية من القيام بدورهم في توعية الشباب وتعريفهم بجوهر الإسلام النقي ووسطيته ورحمته وسماحته بالناس كافة، إضافة إلى التركيز على أن ظاهرة التكفيريين لا تمت للإسلام بصلة أبداً وإنما هي قراءة خاطئة عن هذا الدين العظيم وشريعته السمحاء.
كما لا بدّ من أن يبيّن للناس كافة وخصوصاً للشباب ما قاله الرئيس الأمريكي أوباما قبل أسابيع من [أن الصراع  في الشرق الأوسط كان عربياً إسرائيلياً ثم أصبح سنياً شيعياً...] وما كشفته وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون صراحة -قبل أشهر- عن أنّ أمريكا والغرب وراء تشكيل هذه التنظيمات الإرهابية ومنها تنظيم (داعش) لمواجهة العالم الإسلامي وأنّ زعيم هذه الزمرة الارهابية جرى إعداده من قبل الموساد الاسرائيلي.
وأن يبين أيضاً أن من أهم أهداف الصهاينة وقوى الاستكبار ماضياً وحاضراً هو انهاك المسلمين في صراعات داخلية تقضي على كل عناصر القوة فيهم. من إضعاف الجيوش إلى هدم وتدمير الدول وسحق تاريخها وتراثها. إلى نهب الثروات وتشويه صورة الإسلام وإظهار المسلمين كمجموعات بشرية متخلّفة ومجرمة.
 وإنّ هذه الاهداف مجتمعة هي التي حققتها القاعدة وداعش وبقية الزمر التكفيرية وبأقل كلفة للصهيونية وقوى الاستكبار، باعتبار أن كل الذي يتم هدمه وتدميره اليوم على يد هذه الجماعات هو البلدان الإسلامية والمجتمعات الإسلامية وجيوش المسلمين وثروات المسلمين وحاضر المسلمين ومستقبل المسلمين والصورة الناصعة للإسلام العظيم.
أما الكيان الصهيوني الغاصب ومع كل ما يمثله من الظلم والإجرام، أما القدس الشريف ورمزيته التي تمس كل مسلم، وأما فلسطين عامة بأرضها وناسها ومعاناتها وتضحياتها وصمود شعبها وقبضات نساءها وأطفالها التي تستصرخنا جميعاً وفي كل يوم؛ فلا وجود لها في تفكير هذه الجماعات، بل على العكس فإن هذه الزمر التكفيرية الضالة وعلى لسان قادتها يعلنون صراحة أنّهم ليسوا في وارد التعرض للعدو الإسرائيلي، أو حتى التفكير بالقضية الفلسطينية التي هي من أعظم وأهم وأكبر القضايا الجامعة للمسلمين. وبالإمكان أن نلمس هذه الحقيقة من خلال الكم الهائل من أقوال وبيانات زعماء هذه الجماعات التكفيرية الإرهابية.

وقد حذّر الإمام الخامنئي دام ظله من "إنّ جعل الأمة الإسلامية تغفل القضية الفلسطينية هو من الأهداف المهمة التي يتابعها أعداء الإسلام من خلال إثارة الحروب الأهلية وتأجيج الخلافات والترويج للأفكار التكفيرية والمتطرفة".
ونختم أنه من الوهم أن يعتقد أحد في هذه الأمة بأن هذه المشاريع الخطيرة التي خططت لها قوى الاستكبار والصهيونية العالمية إنما تستهدف جماعة بعينها أو طائفة أو مذهباً أو بلداً بعينه. فهذا الخطر الدائم سيطال بيوت جميع المسلمين في سائر أقطارهم، بل سيطال جميع الناس لأي جنس أو عرق أو دين انتموا.
وعليه فإن مواجهة هذه الجماعات التكفيرية الارهابية وما تحمله من مشاريع خطيرة هو واجب الجميع، لأنّ هؤلاء يشكلون اليوم أداة حقيقية لقوى الاستكبار والصهيونية، أداة تعمل على تقطيع أوصال الأمة وتغيير مسار صراعها القائم على مواجهة العدو الصهيوني ليتحول من ثم بأس شعوب هذه المنطقة موجهاً إلى بعضها البعض.
وهنا لا يسعنا إلا أن نتذكر بإجلال وإكبار الإمام الخميني العظيم(رض) ووصاياه التي يجب أن لا تغيب عن بال مؤمن بأن "جميع طوائف المسلمين تواجه اليوم قوى شيطانية تريد اقتلاع جذور الإسلام، هذه القوى التي أدركت أن الشيء الذي يهددها هو الإسلام وان الشيء الذي يهددها هو وحدة المسلمين".
وإنّه "على جميع المسلمين في كل بلدان العالم أن يتحدوا اليوم فيما بينهم وأن لا يتنازعوا بموجب تعليمات الإسلام والقرآن الكريم. فالتنازع ممنوع حسب أوامر القرآن مهما كان نوعه".

 

والحمدلله رب العالمين

التعليقات (0)

اترك تعليق