البيان الختامي للمؤتمر الدولي الثامن والعشرين للوحدة الإسلامية
أكد المؤتمر الدولي الثامن والعشرون للوحدة الإسلامية في بيانه الاختتامي على حرمة الدم المسلم الذي نطق بالشهادتين وان التقريب بين المذاهب الإسلامية هو السبيل الوحيد لتحقيق وحدة الأمة الإسلامية، وإن الاختلاف السياسي لا يجوز أن يستغل الخلاف العقدي والفقهي والتاريخي بين المذاهب. كما دعا المؤتمر إلى تعميم منطق الحوار بين المسلمين على الأسس الشرعية.
كما أكد المؤتمر أن المذاهب الإسلامية الثمانية هي مذاهب معترف بها ويمكن التعبد بها.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد خلقه محمد وآله الطاهرين وصحبه الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:
فبعون الله تعالى، وبمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية في ذكرى ميلاد الرسول الأكرم(ص) والإمام جعفر الصادق(ع)، عقد المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية مؤتمره الدولي الثامن والعشرين للوحدة الإسلامية بطهران من ۱۵-۱۷ ربيع الأول ۱۴۳۶هـ الموافق ۷-۹ يناير/كانون الثاني ۲۰۱۵م بحضور مئات الشخصيات الدينية والنخب العلمية من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومن سائر أنحاء العالم. وقد خُصص هذا المؤتمر لدراسة موضوع (الأمة الإسلامية الواحدة: التحديات والآليات) كما وفق المشاركون للقاء قائد الثورة الإسلامية سماحة الإمام الخامنئي (دام ظله الوارف) واستمعوا إلى حديثه التوجيهي القيم، وافتتح المؤتمر فخامة حجة الإسلام والمسلمين الدكتور الشيخ حسن روحاني رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية بكلمة جامعة.
وتدارس المؤتمرون موضوع المؤتمر على مدى ثلاثة أيام وفي خمس عشرة جلسة عمل ومن خلال عرض أكثر من مائة بحث وكلمة. هذا وقد تناول المشاركون حسب اختصاصهم الموضوعات المستجدة في مجالات التجارة والأعمال، وشؤون الشباب وطلبة الجامعات، والأحزاب السياسية والنساء والأساتذة والجامعات، والإعلام في إطار لجان تخصصية مستقلة، فضلا عن دراسة الأزمات الراهنة في عالمنا الإسلامي في لجنتي المساعي الحميدة والجمعية العمومية لمجمع التقريب وبالتالي اللجنة الخاصة بالاتحاد العالمي لعلماء المقاومة وذلك للوصول إلى حلول واقعية لها.
وفي ختام جلساته أصدر المؤتمر التوصيات التالية:
أولاً: يؤكد المؤتمرون انطلاقا من مسلمات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أن الإسلام جامع لأهل القبلة، ودليلُه الشهادتان اللتان تعصمان دم الناطق بهما وماله وعرضه، كما يرون أن التقريب بين المذاهب الإسلامية سبيل مهم لتحقيق وحدة الأمة في شتى المجالات، وأن المذاهب الإسلامية التي تؤمن بأركان الإسلام وأصول الإيمان، ولا تنكر معلوماً من الدين بالضرورة، يؤلف المنتمون إليها بمجموعهم الأمة الإسلامية الواحدة، وتتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد على من سواهم، ويتعاونون لتحقيق الأهداف الإسلامية السامية، وأن الاختلاف السياسي لا يجوز أن يستغل الاختلافات العقدية أو التاريخية أو الفقهية، وأن إثارة أية فتنة طائفية أو عرقية لا تخدم إلا أعداء الأمة، وتحقق خططهم الماكرة ضدها، وتكرس احتلالهم البغيض لأرضها مما ينبغي معه مقاومتها بالوسائل كافة.
ثانياً: يدين المؤتمرون كل أشكال الاعتداء الصهيوني على شعبنا الصابر والمثابر والمرابط في فلسطين وخصوصاً ما يجري من محاولة هدم للمسجد الأقصى ومنازلٍ الفلسطينيين في مدينة القدس وتهويدها، بالتغيير الديموغرافي في أرض فلسطين ومحاصرة هذا الشعب الأبي في غزة، كما يحيون جهاد الشعب الفلسطيني البطل ومقاومته الباسلة ويدعمون جهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية وتوحيدها ويؤكدون من جديد على ضرورة تنفيذ الحقوق الفلسطينية المشروعة وأهمها حقهم في تقرير المصير وإقامة دولتهم المستقلة على كافة الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف وحقهم في العودة إلى ديارهم، كما يؤكدون على ما دعا إليه الإمام القائد الخامنئي«حفظه الله» من ضرورة تسليح شعبنا في الضفة الغربية ليدعم قضية المقاومة ويطالبون المجتمع الدولي بمحاكمة المجرمين الصهاينة ومعاقبتهم على ما اقترفوه من جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
ثالثاً: يعلن المؤتمرون أن المقاومة حق مشروع للشعوب، ويستنكرون كل أنواع الإرهاب المدان إسلامياً وعالمياً، سواء كان فردياً أو جماعياً أو ما قد تمارسه بعض الدول الكبرى تحت غطاء العولمة ودمقرطة البلاد، ويعلنون دعمهم للمقاومة الإسلامية في فلسطين ولبنان.
رابعاً: تحقيقاً للوحدة بين أهل القبلة، والتقريب بين أتباع المذاهب الإسلامية، يدعو المؤتمرون إلى وجوب احترام المسلمين لبعضهم البعض، وإلى ترك البحث في الأمور الخلافية للعلماء والخبراء في بحوثهم العلمية، وعدم الإساءة والتشهير بأحد. كما يؤكد المؤتمرون على عدم جواز توجيه ما يُعدّ انتقاصاً أو إهانة لما يحترمه أي طرف، ويشمل هذا بوجه خاص عدم جواز انتقاص آل البيت الطاهرين أو أمهات المؤمنين أو الصحابة الكرام أو أئمة المسلمين، بالنيل منهم، أو التعرض لهم بأي نوع من أنواع الإساءة القولية أو الفعلية، وعدم جواز استباحة المساجد و دور العبادة وكذلك الحسينيات والزوايا والمراقد. وفي هذا السياق يثمن المؤتمرون الفتوى التاريخية التي أصدرها سماحة الإمام الخامنئي قائد الثورة الإسلامية بخصوص تحريم النيل من رموز المذاهب الإسلامية والإساءة لأمهات المؤمنين، والتي لاقت الترحيب الواسع من لدن كبار علماء الأمة والأوساط الدينية والأزهر الشريف.
خامساً: يؤكد المؤتمرون أن الأمة الإسلامية تواجه تحديات كبرى تستهدف عقيدتها وشخصيتها وثقافتها ومقومات وجودها ودورها الحضاري المنشود وتتعرض لمؤامرات لتمزيقها جغرافياً، ولغوياً، وقومياً، ومذهبياً، بل وتاريخياً. كما تسعى لإبقائها متخلفة على الصعد الاجتماعية والعلمية والاقتصادية والعسكرية وغيرها. وتخطط لإبعادها عن إسلامها والتشكيك في قدرته على مواجهة المشاكل الحياتية المستحدثة، وإشاعة السلوكيات المادية المنحرفة عما رسمته الشريعة، وزرع حالة التقليد والتبعية للغرب والانبهار به.
وإشغالها بالحروب الطائفية والعرقية وإبعادها عن مسارها المقاوم وهذا ما نشاهده فيما تقوم به المجموعات التكفيرية المسلحة في نقاط مختلفة من العالم الإسلامي وكذلك عبر إضعاف التربية والتعليم الإسلاميين والتشكيك في قدرتهما على النهوض بالأمة، واختراق الإعلام الإسلامي بإشاعة روح الهزيمة والإذعان والانحلال الخلقي لئلا يقوم بدوره المطلوب في وأد الفتن والتوعية وبناء الشخصية الإسلامية المتوازنة.
سادساً: يرى المؤتمرون أن هناك حاجة ماسة لوضع خطط تفصيلية لتحقيق التقريب بين المذاهب الإسلامية في المجالات التالية:
أ- رفع مستوى الوعي لدى المسلمين في مختلف المجالات وبخاصة في مجال فهم الإسلام وتعاليمه وأهدافه وفهم الواقع القائم على مختلف الأصعدة.
ب– مطالبة الدول الإسلامية بتطبيق الشريعة الإسلامية في كل مجالات الحياة.
ج– تفعيل العملية التعليمية والتربوية الشاملة لمختلف قطاعات الأمة وفق تعاليم الإسلام.
د– الاستفادة الأنجع من الإمكانات السياسية والاقتصادية والجغرافية، والطاقات العلمية للأمة وتعبئتها لتحقيق الأهداف الكبرى ومقاومة التحديات.
هـ- مساعدة الأقليات الإسلامية في أنحاء العالم على الاحتفاظ بهويتها وأداء شعائر دينها وتفعيل دورها في المجتمع، مع مراعاة حقوق غير المسلمين في المجتمع الإسلامي.
وـ تربية الجيل الإسلامي على ثقافة المقاومة والعزة وتشكيل بناء مستقبلي أفضل مع التأكيد على الدور الايجابي للنساء والشباب وسائر فئات المجتمع.
سابعاً: يدعو المؤتمرون إلى الإبداع في مجال الفكر المؤدي إلى التقريب من خلال ما يلي:
1- تعميق المنهج الوسطي في فهم الشريعة النابع من الكتاب والسنة الشريفة.
2- مراعاة فقه الأولويات، ومعرفة المآلات، ومراعاة الظروف المتغيرة عند اتخاذ المواقف الشرعية.
3- مراعاة مقاصد الشريعة الثابتة، وخصائص الإسلام العامة.
4- إحياء علم المقارنات و علم الخلاف.
5- الاهتمام بالتعمق في فكر التقريب في مختلف البحوث والدراسات ولاسيما الفقهية منها.
ثامناً: وعلى الصعيد العملي يقترح المؤتمرون ما يلي:
1- تعميم منطق الحوار بين المسلمين على الأسس الشرعية.
2- تقوية نشاطات لجنة المساعي الحميدة ولجانها الفرعية لتحقيق حالة التصالح بين المسلمين وحل أزماتهم. والقيام بدور الوساطة بين الحكومات والشعوب والفئات لتقريب وجهات النظر والوصول إلى حل إسلامي سلمي للمشكلة في سوريا والبحرين والعراق وميانمار وسائر مناطق النزاع والخلاف.
3- تشجيع الدراسات التقريبية في الجامعات عبر فتح الأقسام الجامعية في هذا التخصص وتشجيع الرسائل العلمية وتقوية التبادل التخصصي.
4- ضبط عملية الفتوى وفق الضوابط التي أقرتها المجامع والمصادر الفقهية.
5- تشكيل لجنة من القانونيين تتبنى متابعة حقوق متضرري التطرف والتكفير والإرهاب.
6- تشكيل لجنة من المفكرين تقوم بإعداد برامج و خطط لضمان سلامة الأسرة المسلمة والدفاع عن حقوقها وخاصة حقوق المرأة والطفل وفقاً للقيم الإنسانية والشريعة المحمدية.
تاسعاً: يعلن المؤتمرون أن الدعوة إلى التقريب لا تعني التعصب المذهبي ولا تسعى إلى نشر مذهب بين أتباع مذهب آخر وأن ما تروجه بعض الجهات من محاولات تشييع أهل السنة أو تسنين الشيعة لا يقصد منه إلا إثارة الفتن بين المسلمين وتوسيع دائرة الخلاف بين صفوف الأمة.
عاشراً: يدعو المؤتمر العالم الإسلامي وشعوب المنطقة لتوحيد صفوفها في مواجهة حركات التطرف والتكفير ودعم المقاومة الجماهيرية في العراق وسوريا حتى استتباب الأمن والاستقرار في هذين البلدين.
الحادي عشر: يدعو المؤتمرون إلى تضافر الجهود من أجل إغاثة المهجرين والمتضررين من عصابات التطرف والتكفير في مختلف مناطق العالم الاسلامي خاصة العراق وسورية.
الثاني عشر: يدعو المؤتمرون الأخوات المسلمات ممن يتمتعن بالقدرة العلمية إلى المساهمة بأبحاثهن وآرائهن في إنجاح الدعوة إلى التقريب وأن يكون لهن دورٌ أكثر فاعلية في مؤتمرات الوحدة الإسلامية ونشر الوعي التقريبي بين المجتمعات الإسلامية.
الثالث عشر: يرى المؤتمرون أن المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية قام –خلال مسيرته التي دامت حوالي ثلاثين عاماً– بأدوار مهمة لتحقيق ما مرّ في المواد السابقة بشتى الوسائل المتاحة. والمؤمل رفع بعض المعوّقات والنواقص التي تحول دون التسريع في تحقيق الأهداف المنشودة.
الرابع عشر: يدعو المؤتمر المجلس الأعلى والأمانة العامة للمجمع لدراسة تقييمات اللجان وتوصياتها، وكذلك دراسة مقترحات اللجان الدائمة للجمعية العمومية، والاتحاد العالمي لعلماء المقاومة.
الخامس عشر: يؤكد المؤتمرون على أن القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حققا للأمة الإسلامية أجواءً إنسانية حضارية رائعة، وأشاعا العقلانية وروح الحوار البناء، وحرية الاجتهاد بضوابطه الشرعية، وغرسا روح الأخوة والوحدة بعد أن وضحا خصائص الأمة الإسلامية ورسالتها السامية إلى العالم كله ومن ثم كان تعدد المذاهب حالة طبيعية لها أثرها الإيجابي في تنوع الحلول للمشكلات على ضوء أحكام الشريعة الإسلامية وأصولها.
السادس عشر: يرى المؤتمرون أن الأهواء والنزعات السياسية، وشيوع حالات التعصب، وجهل بعض أتباع المذاهب بحقيقة المذاهب الأخرى انحرفت بالحالة السوية تلك إلى حالة طائفية ممزقة سادتها ظاهرة الغلو والتكفير والتطرف والتنافر والتمزق ونقل النزاع الفكري إلى الساحة العملية مما ترك آثاراً سلبية خطيرة على قوة الأمة وتماسكها وسهل السُبل ليقوم أعداؤها بطعنها في صميم عقيدتها وتوجهاتها النظرية والعملية الأصيلة.
السابع عشر: يحيي المؤتمرون جهاد الشعب الإيراني وقيادته في سبيل تطبيق شرع الله في مختلف مناحي الحياة، ويدينون كل تآمر على هذه المسيرة الخيرة، كما يعلنون دعمهم لموقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تطوير قدراتها النووية للأغراض السلمية ويدينون كل الأساليب الملتوية التي تحاول منعها من الاستفادة من حقوقها المشروعة التي تكفلها لها المعاهدات والقرارات الدولية. ويدعون بلدان العالم الإسلامي إلى الاستفادة من هذه التجربة.
الثامن عشر: يشيد المؤتمرون بجهود رواد التقريب والوحدة الإسلامية كالسيد جمال الدين الحسيني والإمام الشيخ محمد عبده والإمام الشيخ محمود شلتوت والإمام البروجردي والإمام الخميني والإمام المودودي والإمام كفتارو والإمام الشيخ سعيد شعبان «رحمهم الله» والإمام المغيب السيد موسى الصدر والإمام الخامنئي «حفظه الله ورعاه».
التاسع عشر: يؤكد المؤتمرون على أن المذاهب الإسلامية الثمانية كلها مذاهب إسلامية والمنتمي إلى أي منها يعتبر مسلماً، له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، ويؤكدون على المواقف التي صدرت من مراجع الدين السنة والشيعة وخاصّة أئمة الأزهر الشريف ومراجع الدين في قم المقدسة والنجف الأشرف بشأن ضرورة الاجتناب عن كل ما يؤدي إلى تمزيق الصف الإسلامي ويشجبون كل ألوان التكفير والدعوة إلى الاعتداء على دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم.
العشرون: يشكر المؤتمرون الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقائدها الإمام الخامنئي(دامظله)، كما يشكرون المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية على إقامة هذا المؤتمر المبارك واستضافته، ويرون في إقامة أمثال هذه اللقاءات خيراً كثيراً.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الأطهار وصحبه الأخيار وسلّم.
المصدر: وكالة أنباء التقريب.
اترك تعليق