مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

الباب لم يقفل بعد(5)

الباب لم يقفل بعد(5)

6 آب 2006 ألمانيا
... عاد زياد من عمله، وجدها تعاني آلاماً صعبة، هاتف طبيبتها، فطلبت التكلم معها، بضع دقائق مرّت، وضعت السماعة من يدها ألقت برأسها على صدر زوجها، أجهشت بالبكاء، تأخذه إلى صدرها مع اشتداد الألم ثم ترتاح لتقول: "خذني إلى أمي، أحضرها إليّ"، ثم تبكي وتقول متى وكيف ستكون النهاية؟
حوراء. كلانا بعيد عن أهله وأحبابه بعيد عن بلاده، اربطي جأشك وكوني صابرة، ساخرة بهؤلاء الحاقدين الضعفاء الذين يفوقوننا بعددهم لا بعزم أفرادهم.
نعقد لسانه عن الكلام، ناب الدمع عن الكلام وحامت ملائكة السرور حول ذلك البيت، وقرروا الإنطلاق نحو المستشفى.
ساعتان مليئتان بالأحاسيس والأماني المتناقضة. تغيب ثم تستعيد وعيها لاهجة بالدعاء للفرج والنصر وطول العمر للسيد، ربِّ اجعل نهاية آلامهم كنهاية آلامي.
أثار حديثهما فضول الممرضة المساعدة فسألته: "ماذا قالت للتوّ"؟
أجابها: "تمنّت لو أن والدتها بجانبه".
صرخة قوية، كانت الأخيرة آذنة بالولادة.
صاحت الطبيبة: جميل جداً!
فتحت حوراء عينيها، سألت عن جنس المولود، ذكر أم أنثى؟
أجابت الطبيبة: "لقد جاءتكم فتاة جميلة".
قال زياد: لقد أتتنا وعد يا حبيبتي.
إنه الثالث عشر من شهر رجب.
حمداً لله على سلامتك، إفرحي يا حوراء.
آه يا زياد، ألم الحبل السري يبرأ في اليوم السابع لكن من كانت أمه الوالدة بعلبك، فلم ولن يبرأ حبله.
غضبت طبيعة بعلبك، غدت صباحاتها شاحبة، يبست وريقات ياسمينة دار الحاج محسن، حقد ظلوم قبض بأظافره المحددة على مظاهر الحياة فسحقها، نار آكلة التهمت الأرزاق، والأعمار، ليل قاتم أخفى جمال الحياة فيها تحت لحف الرماد، تمخّضت به متوجعة دماً ناراً خراباً فولدت نصراً مخضباً.
أما هناك على المقلب الثاني.
كان يوم السادس من آب يوماً أسود مشؤوماً في تاريخ جيش الأسطورة، وشهد أهم ضباطه بأنه أصعب يوم مرّ منذ بدء الحرب، فضربات المقاومة وصلت إلى العمق في الناصرة.
مع اشتداد الألم على الشعب المظلوم بدأت ملامح الراحة تلوح، فما العيش سوى ليل إذا جنَّ انتهى بالفجر والفجر يدوم.
مع قساوة تلك الأيام، وتعدد المجازر واشتداد الخوف، فإن ملائكة الطمأنينة والسرور كانت تخيم على ذلك البيت بعد وقوع تلك الصفحة من القرآن.
ودنت الليلة الأخيرة، فلم يُخْلِ طيران العدو الأجواء دقيقة واحدة، حتى أن من بقي في بعلبك بدأ يتحرك بشكل عادي غير آبه بما يسمع.
عند الغروب وكالعادة، أقام الجميع الصلاة، جلسوا يناقشون قرار وقف إطلاق النار الذي سيدخل حيّز التنفيذ في الثامنة من صباح اليوم التالي، ثم خلدوا إلى النوم.
في غلس الليل العميق، وقد هبّ النسيم معطراً بأنفاس الفجر الأولى، وقفت الحاجة خلف ما كانت تسمى قبل الحرب نافذة، تنظر إلى الحي الهاجع في سكينة الليل، دخلت إلى الغرفة الصغيرة وجدتهم نائمين مستيقظي الأرواح.
خاطبتهم، أحبكم جميعاً، أناجيكم في نومكم وفي أحلامكم، متى ستكون ساعة يقظتكم، لا يعلم إلا الله متى وكيف ستكون. تمتمت الحمد لله أننا تمكّنّا من الإغتسال غسل الشهادة وتنهّدت تنهيدة مودّع.

بينما كانت تناجيهم، ناداها هاتف، اسكتي حتى الصباح فمن يترقب الصباح صابراً يلاقيه قوياً، ومن يهوى النور فالنور يهواه.
اسكتي حتى الصباح فمن يترقب الصباح متجلِّداً يعانقه الصباح مشتاقاً.
جفا عيونها النوم تلك الليلة وقضت ذلك الليل تتفقد النائمين في الغرفة تارة، والحاج النائم في الصالة الأخرى تارة أخرى.
وتفتقد لمحمد حسين النائم وحيداً في المنزل.
سهرت حتى الصباح وهي على يقين بأن السهر يدني من النجوم، والبركة ابنة الدموع والحق ابن الدماء.


--يتبع--

التعليقات (0)

اترك تعليق