ندوة: "الزهراء إمرأة جسدت الهوية الإنسانية الكاملة-فاطمة سيدة الحنان "أم أبيها"
بمناسبة ولادة السيدة الزهراء عليها السلام أقامت الجمعية النسائية للتكافل الاجتماعي ندوة
أدارت الندوة الإعلامية صفاء مسلماني وتحدث خلالها على التوالي كل من:
المحاضرة د. سعاد الحكيم: "السيدة الزهراء(ع) وهوية المرأة المسلمة المعاصرة".
المحاضرة الأديبة إقبال الشايب غانم: "السيدة الزهراء ودورها السياسي والاجتماعي".
الباحثة الإسلامية الحاجة أمل قطان: "أسرة السيدة الزهراء(ع) ونموذج الحياة الطيبة".
الكلمة الأولى كانت للدكتورة سعاد الحكيم: تحت عنوان "السيدة فاطمة الزهراء(ع) أنموذج للكمال الإنساني":
بدأتها بحديثين عن الرسول(ص) يقول فيهما: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم بنت عمران" ويقول صلوات الله عليه "حسبك من نساء العالمين أربع: مريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد وآسية امرأة فرعون".
هذان الحديثان الشريفان ينصان مجموعان على أنها عليها السلام واحدة من النساء النادرات الكاملات في تاريخ البشرية وهما –هذان الحديثان- لكل مسلم بمثابة ختم نبوي شريف على صحيفة وجودها الإنساني وهما بالنسبة لنا ولعامة الباحثين مفتاح قراءة يعطي المعنى لكافة حركاتها وسكناتها في مناحي حياة الدنيا كما يسمحان لنا بأن نعتبر بأن حياتها الطاهرة نصاً مرجعياً نستنبط منه ماهية الكمال الإنساني وأشكال تجلياته بين البشر.
وتابعت الدكتورة الحكيم :"أكتفي بالإشارة إلى مجالات وجودية أربعة نرفعها معاً أنموذجاً يتعلم النساء المؤمنات من النظر إليه كيفية تمثل الكمال وشرف محاولة السير على دربه وهذه المجالات الأربعة هي في ما يأتي:
أولاً: الكمال في الدين. دخل المصطفى صلوات الله عليه على أحب أهله إليه، بل على أحب النساء إليه، دخل على السيدة فاطمة(ع) يعودها في مرضها فبثت إليه وجعها، فبشرها بقوله(ص) يا بنية أما ترضين أنك سيدة نساء العالمين، قالت: يا أبتي فأين مريم بنت عمران، قال عليه الصلاة والسلام: تلك سيدة نساء عالمها وأنت سيدة نساء عالمك"، وفي رواية "سيدة نساء العالمين"، وهذه السيادة ليست درجة طبقية اجتماعية وإنما هي مرتبة دينية ورتبة كمالية.
وقد تفنن العلماء في استنطاق اسمها، اسم السيدة فاطمة وبحثوا عن أصول نبوية لمعانيه واستقر الكلام عندهم على أنّ اسم فاطمة يدل على ذاتها الطاهرة وفي الوقت نفسه يرشد كل مَن يسمعه إلى أنها عليها السلام وبنيها ومحبيها مفطومون عن النار يوم القيامة.
ومن ألقابها الثابتة والدالة على عميم عباداتها البتول، يقول النبوي في شرح مسلم بما معناه أصل التبتل القطع، وفي أحد معانيه الانقطاع إلى عبادة الله سبحانه ومن هذا زمانهما ديناً وفضلاً ورغبة في الآخرة، ويقول ابن حجر: "قيل للسيدة فاطمة البتول لانقطاعها عن نصرائها في الحسن والشرف".
ومن ملامح كمالها في الدين أنها عندما جاءت إلى رسول الله (ص) مع زوجها الإمام علي (ع) لتطلب أن يعطيها خادمه تعينها في قضاء حوائجها المنزلية قال صلوات الله عليه ألا أعلمكما خيراً مما سألتما إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله 34 وتسبحاه 33 وتحمداه 33 فهو خير لكما من خادم.
نكتفي أن نقول لأنفسنا وللمرأة المسلمة:
"إن الكمال في الدين يتجلى في أن تعظيم المرأة نفسها عن النار بفطم ذاتها عن كل سوء وسيئة وأن تعلم أنّ التبتل الحق والانقطاع إلى عبادة الله عز وجل لا يقطع مع عملها في الدنيا ومع وظائفها في الدنيا وأنّ الكامل في الدين هو الذي يربط الدنيا بالدين ويجعل التسابيح الليلية عوناً له على تأدية وظائفه الدنيوية ومهامه الحياتية.
الكمال الثاني هو الكمال في الخلق:
يتجلى خلق الزهراء الطاهرة في جميل أعمالها الذاتية وفي بديع معاملاتها الإنسانية ومن بين عشرات المشاهد الراقية كنت في حيرة واخترت أربعة فقط:
1- الصدق في كل الأوقات وفي كل الظروف ومع كل الناس.
2- اللين وطيب المعشر مع محيطها البشري من أهل وأقارب ومحيط.
3- الرضا بالقليل.
4- التصدق إلى حد الإيثار.
الكمال الثالث هو الكمال في البنوة "أم أبيها"، كُنَّيت السيدة فاطمة(ع) بأم أبيها وقد زخرت الكتب بالتفاسير الكثيرة لهذه الكنية ونشارك في هذا النقاش ونقدم قراءة لم نقرأها في كتاب مطبوع أو بحث منشور وتتلخص هذه القراءة بأنّ كنية "أم أبيها" هي الصيغة الإنسانية لكمال الإبنة في نبوتها لأبيها، وهذا هو الإحسان بالأب، البر بالأب، هذا هو عين البر.
بكلام آخر إن كل فتاة تختار السير على درب الكمال الإنساني فعليها في مجال البنوة أن تكون أماً لأبيها، نفهم من هذا المعنى أنه كما كان عيسى (ع) أباً لأمه فإنّ السيدة الزهراء(ع) هي أم لأبيها. البر بالوالدين أن يكون الولد أباً لأمه بمعنى أن يكون معيلاً للأب على القيام بحقوق المرأة وفي الوقت نفسه أن تكون الابنة هي معين للأم وتكون هي الأم للأب لأنها عندما تكون معيناً للأم تستكمل عمل الأم أن تكون أماً لأبيها. فهذا عين البر.
الكمال الرابع هو الكمال في الزوجية والأمومة: نستلهم من حياة السيدة الزهراء(ع) لنرسم صورة للكمال الإنساني للمرأة من حيثية الزوجية والأمومة ونختار من الشواهد الكثيرة أربعة ملامح:
أولاً: طاعة الأب دون تردد في الزواج من الشخص الذي اختاره لها وهو الإمام علي(ع).. وقد كانت مصدقة عم اختيار الأب.
ثانياً: من ملامح كمالها جمال الصورة، كانت امرأة جميلة وهو ملمح من ملامح الكمال، يقول أنس بن مالك: "سَأَلْتُ أُمِّي عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: كَانَتْ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، أَوِ الشَّمْسِ كَفَرَ غَمَامًا إِذَا خَرَجَ مِنَ السَّحَابِ، بَيْضَاءَ مَشْرُبَةً حُمْرَةً، لَهَا شَعْرٌ أَسْوَدُ، مِنْ أَشَدِّ النَّاسِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَهًا، وَاللَّهِ كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
بَيْضَاءُ تَسْحَبُ مِنْ قِيَامٍ شَعْرِهَا
وَتَغِيبُ فِيهِ وَهُوَ جَثْلٌ أَسْحَمُ
فَكَأَنَّهَا فِيهِ نَهَارٌ مُشْرِقٌ
وَكَأَنَّهُ لَيْلٌ عَلَيْهَا مُظْلِمُ
ثالثاً: اللين مع الزوج ومع أهل الزوج.
رابعاً: خدمة البيت والولد وكفاية الزوج الهموم المنزلية.
عن الإمام علي(ع): "كانت فاطمة ابنة رسول الله(ص) أكرم أهله عليه، وكانت زوجتي، فجرت بالرحاء حتى أثرت الرحاء بيدها واستقت بالقربة حتى أثرت القربة بنحرها، وقمت البيت حتى غبرت ثيابها، وأوقدت تحت القدر حتى دنست ثيابها، وأصابها من ذلك ضر.
ومن شمائلها الزوجية محبة أم الزوج وقبول التعامل معها أتوقف هنا لأقول لنفسي ولكل امرأة معاصرة اقتدي بالسيدة الزهراء(ع)، احرصي على وجودك كله.. فالمرأة أينما كانت تكمل حينما يستديم وجودها ليشمل مناحي الحياة الدين والخلق والبنوة والزوجية والأمومة والعلم والتعليم والمشاركة في الجهاد والشأن العام وغير ذلك من وجوه الكمال الموجود في حياة سيدة نساء العالمين.
وختمت كلامها بالقول: "حنانيك يا من يغضب الإله لغضبك ويرضى لرضاك وامنحينا مكاناً في موقفك الإلهي حين ينادي المنادي في أهل الجمع يوم القيامة غضوا أبصاركم حتى تمر فاطمة بنت محمد".
وكانت الكلمة الثانية للسيدة إقبال الشايب غانم بعنوان: "امرأة جسدت الهوية الإنسانية الكاملة".
تحدثت السيدة غانم في كلمتها عن أن السيدة فاطمة الزهراء(ع) لم تكن امرأة عادية بل كانت امرأة مميزة بطبيعتها الإنسانية بنسبها وبأعمالها المباركة ومسيرتها الطاهرة.. كانت أول حقوقية في الإسلام تتولى المرافعة في شؤون دينية اجتماعية شرعية، وشؤون ساسية وطنية.. تتقن لغة القرآن الكريم ومضمونه من آيات كريمة وسور مجيدة وتواظب على قراءته ليل نهار وخصوصاً لأولادها ومحيطها.
وإضافة إلى تلك الباقة العطرة لا بد أن نذكر بعطية كريمة أسبغها الله عليها ألا وهي زواجها من الإمام علي(ع)، المسلم الأول والذي كان خير زوج وصديق وجليس لخير زوجة. عاشا متعاونين متعاضدين وتعاملا مع بعضهما برفق ولين وتقوى صادقة ومحبة خالصة..
أخيراً السلام عليك يا فاطمة يا أطهر شهيدة وأم أطهر الشهداء ويا أطهر النساء..
وكانت الكلمة الأخيرة للحاجة أمل القطان: بعنوان: أسرة السيدة الزهراء(ع) ونموذج الحياة الطيبة".
بدأتها بطرح عدة أسئلة أجابت عليهم ضمن كلامها: ما هي الحياة الطيبة؟ وما هي مستلزمات تحققها؟ كيف تجلت في بيت السيدة الزهراء فاطمة(ع)؟
ففي معرض الإجابة عن الحياة الطيبة قالت القطان: "الحياة الطيبة: "الوضع المنشود لحياة البشر، في مختلف الأبعاد والدرجات، على أساس النظام المعياري الإسلامي والتي من خلال تحققها، يتم الوصول إلى غاية الحياة، أي القرب من الله.
يجب علينا أن نسعى لتبيين ثقافة الحياة وأن ندونها ونحققها بالصورة المطلوبة في الإسلام. بالطبع، إنّ الإسلام قد حدد لنا أسس وجذور مثل هذه الثقافة. وهذه الأسس والجذور هي عبارة عن التعقّل والأخلاق والحقوق، مع الالتفات إلى أنّ السلوك الاجتماعي ونمط العيش يتبع تفسيرنا للحياة، فما هو هدف الحياة؟
كل هدف نضعه للحياة ونرسمه لأنفسنا، يقترح علينا نمطاً معيناً للحياة يتناسب معه. وبدون الإيمان لا يمكن تحقيق التقدّم، ولا يمكن القيام بالعمل الصحيح، وعلى أساس هذا الإيمان يتم اختيار نمط الحياة.
".. ولكي يتمكن الإنسان أن ينتقل في هذه الدنيا إلى الحياة الطيبة، أن يقاوم كل التعلقات المتمكنة من نفسه، ويجرد نفسه منها، وهو يعيش مع الناس في دنياهم ويشاركهم في السراء والضراء.." الحياة الطيبة تقتضي الارتقاء والبصيرة في مختلف الميادين العبادية، الأخلاقية، العقائدية، السياسية، الاجتماعية، والثقافية. كما تقتضي تحقيق الكرامة الذاتية، واكتساب الفضائل الأخلاقية ومن جملتها: الإيمان والتقوى، التولي والتبري والعمل الصالح..
أما بالنسبة لتجليات الحياة الطيبة في البيت الفاطمي فقالت الحاجة القطان أنه يمكن ملاحظة ذلك من خلال:
أولاً: ورد في سورة النور قوله تعالى: «الخبيثاتُ للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطّيِّباتُ للطّيِّبين والطَّيِّبون للطَّيِّبات أولئك مُبرَّئون ممّا يقولون لهم مَّغفرةٌ ورزقٌ كريمٌ» عندما دخل الرسول(ص) المدينة، وكان يقال لها يثرب، سماها المدينة، ثم بعد زواج فاطمة(ع) وتأسيس الأسرة النموذج والتي تم فيها اقتران الطيبين بالطيبات سماها طيبة، هذه الأسرة التي بنيت على التكافؤ "لولا علي لما كان لفاطمة كفؤ آدم فمن دونه".
ثانياً: «وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ ۖ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا ۚ كَذَٰلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ» فنرى في الآية سنة إلهية، حيث أن الأرض الطيبة والبلد الطيب يخرج منه النبات بإذن الله، أما الخبيث فلا يخرج إلا نكداً.. وعندما يتكلم الله عن مساهمة الزوجين في إنجاب الذرية نرى مساهمة الأم هي الأكبر لأن المرأة هي الأرض التي يبذر فيها.. ولأن المرأة هي التي تحافظ على حالة الطيب والحسن والجمال قدمت على الرجل هنا. ولذلك عندما سأل جبرائيل الله تعالى عمن تحت الكساء اليماني، أجاب: "هم أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة، هم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها".
ثالثاً: كان نتاج هذا البيت ذرية طيبة، حسن حسين محسن.. ولو رزقت الزهراء فاطمة(ع) عشرة أولاد لن تخرج من هذه المشتقات.
رابعاً: في سورة الأعراف يبين الله تعالى أن الشريعة مبنية على تحليل الطيب وتحريم الخبيث «الَّذينَ يَتَّبِعونَ الرَّسولَ النَّبِىَّ الأُمِّىَّ الَّذى يَجِدونَهُ مَكتوبًا عِندَهُم فِى التَّورىٰةِ وَالإِنجيلِ يَأمُرُهُم بِالمَعروفِ وَيَنهىٰهُم عَنِ المُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبٰتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيهِمُ الخَبٰئِثَ وَيَضَعُ عَنهُم إِصرَهُم وَالأَغلٰالَ التي كانَت عَلَيهِم.. أُولٰئِكَ هُمُ المُفلِحونَ» تم المقابلة في القرآن الكريم بين الطيب والخبيث في خمسة عشر مورداً، وبيان فعل الله في تمييز الخبيث من الطيب وكثرة الخبيث وانتشاره قد يسبب عند الناس نوع من الاختلال في تمييزه عن الطيب وفاطمة(ع) وأسرتها الميزان الذي يميز به الخبيث من الطيب، فالابتعاد عن المنهج الفاطمي في الحياة يفقد الإنسان القدرة على تمييز الخبيث من الطيب.
خامساً: الإنفاق من طيب الكسب وأطيب الكسب ما كان من صنع الإنسان وكدّه، وهنا يأتي السؤال ماذا أنفقت سيدة النساء(ع)؟
عن علي بن أعبد قال: قال لي علي(ع): "ألا أحدثك عني وعن فاطمة بنت الرسول(ص) وكانت من أحب أهله إليه؟ قلت: بلى. قال: إنها جرّت بالرحى حتى أثّر في يدها،...". والسؤال هل طحن ما يقوت هذه الأسرة الصغيرة يلحق هذا الضرر بيديها الشريفتين؟ أم أن ما كانت تطحنه الزهراء(ع) هو لجيرانها المحتاجين ولفقراء المسلمين، بحيث أن الرسول الأكرم(ص) كان يرسل لها المحتاجين لتطعمهم وهذا متكرر في الروايات.
ثم ما حكي من إنفاقها للعلم ما يحيّر الأذهان قال أبو محمد العسكري(ع): "حضرت امرأة عند الصديقة فاطمة الزهراء(ع) فقالت: إن لي والدة ضعيفة وقد لبس عليها في أمر صلاتها شيء، وقد بعثتني إليك أسألك، فأجابتها فاطمة(ع) عن ذلك فثنت فأجابت، ثم ثلثت إلى أن عشّرت، فأجابت، ثم خجلت من الكثرة فقالت: لا أشقّ عليك يا ابنة رسول الله، قالت فاطمة: هاتي وسلي ما بدا لك.."
وما روي من إنفاقها حتى للدعاء: عن الحسن بن علي(ع) قال: رأيت أمي فاطمة قامت في محرابها ليلة جمعتها، فلم تزل راكعة ساجدة حتى اتضح عمود الصبح، و سمعتها تدعو للمؤمنين والمؤمنات، وتسميهم وتكثر الدعاء لهم، ولا تدعو لنفسها بشيء، فقلت لها: يا أماه، لما لا تدعين لنفسك كما تدعين لغيرك، فقالت: يا بني، الجار ثم الدار".
وأعظم ما أنفقت كان ابناها الحسن والحسين(ع) لقد ربتهما منذ الصغر ليكونا الإمامين اللذين يسقيان شجرة الإسلام ما يؤمِّن لها الصلاح والبقاء إلى أن تقوم الساعة.
سادساً: أكل الحلال الطيّب مما رزق الله، فالأمر بأكل الطيب مقترن مع الشكر وعدم الطغيان والعمل الصالح، والطيب حلال، والرزق الإلهي طيب. وهنا نتعلم من الصديقة الطاهرة معنى قوله تعالى: «يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» من خلال هذه الرواية: قَالَ علي (ع): "يَا فَاطِمَةُ، هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ تُغَدِّينِيهُ؟ قَالَتْ: لا وَالَّذِي أَكْرَمَ أَبِي بِالنُّبُوَّةِ مَا أصبح عِنْدِي شَيْءٌ أُغَدِّيكَهُ،.. قَالَ: يَا فَاطِمَةُ أَلا أَعْلَمْتِنِي حَتَّى أُبْغِيَكُمْ شَيْئًا؟ قَالَتْ: إِنِّي أَسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ أَنْ أُكَلِّفَكَ مَا لا تَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَخَرَجَ مِنْ عِنْدَهَا وَاثِقًا بِاللَّهِ، وحَسِنَ الظَّنِّ بِهِ، فاسْتَقْرَضَ دِينَارًا، فَبَيْنَا الدِّينَارُ بفي يَدِهِ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَ لَهُمْ مَا يَصْلُحُ لَهُمْ إِذْ عَرَضَ لَهُ الْمِقْدَادُ.. فَلَمَّا رَآهُ أَنْكَرَهُ، فقَالَ: يَا مِقْدَادُ، مَا أَزْعَجَكَ مِنْ رَحْلِكَ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ قَالَ: يَا أَبَا حَسَنٍ، خَلِّ سَبِيلِي وَلا تَسْأَلْنِي عَمَّا وَرَائِي، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي، إِنَّهُ لا يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَكْتُمَنِي حَالَكَ. قَالَ: أَمَا إِذْ أَبِيتَ فَوَالَّذِي أَكْرَمَ مُحَمَّدًا بِالنُّبُوَّةِ مَا أَزْعَجَنِي مِنْ رَحْلِي إِلا الْجُهْدُ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَهْلِي يَبْكُونَ جُوعًا، فَلَمَّا سَمِعْتُ بُكَاءَ الْعِيَالِ لَمْ تَحْمِلْنِي الأَرْضُ، فَخَرَجْتُ مَغْمُومًا رَاكِبًا رَأْسِي، فَهَمَلَتْ عَيْنَا عَلِيٍّ بِالْبُكَاءِ حَتَّى بَلَّتْ دُمُوعُهُ لِحْيَتَهُ، ثم قَالَ: أحلِفُ بِالَّذِي حَلَفْتَ مَا أَزْعَجَنِي غَيْرُ الَّذِي أَزْعَجَكَ، وَلَقَدِ اقْتَرَضْتُ دِينَارًا فَهَاكَ وآوثَرْكَ بِهِ عَلَى نَفْسِي، فَدَفَعَ لَه الدِّينَارَ، وَرَجَعَ حَتَّى دَخَلَ على النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله، فَصَلَّى فِيهِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ (ص)صَلاةَ الْمَغْرِبِ، مَرَّ بِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ ثم قال: "يَا أَبَا الْحَسَنِ، هَلْ عِنْدَكَ شَيْءٌ تُعَشِّينَا به؟ فَأَطْرَقَ عَلِيٌّ لا يُحِر جَوَابًا حَيَاءً مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووآله، وَقَدْ عَرَفَ الْحَالَ الَّذي خَرَجَ عَلَيْهَا، فقَالَ له النبي(ص): إما أن تقول: لا، فننصرف عَنْكَ أَوْ نَعَمْ، فَنجِيءُ مَعَكَ؟" فَقَالَ لَهُ: حُبًّا وَكَرَامَةً بَلَى اذْهَبْ بِنَا، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَوْحَى إِلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله أَنْ تَعَشَّى عِنْدَهُمْ، فَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله بِيَدِهِ فَانْطَلَقَا حَتَّى دَخَلا عَلَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ فِي مُصَلًّاهَا ، وَخَلْفَهَا جَفْنَةٌ تَفُورُ دُخَانًا، فَلَمَّا سَمِعَتْ كَلامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآله خَرَجَتْ مِنَ الْمُصَلَّى، فَسَلَّمَتْ عَلَيْهِ ..، فَرَدَّ عليها السَّلامَ.. وَقَالَ:.. كَيْفَ أَمْسَيْتِ؟ عَشِّينَا غَفَرَ اللَّهُ لَكِ، وَقَدْ فَعَلَ". فَأَخَذَتِ الْجَفْنَةَ فَوَضَعَتْهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، فَلَمَّا نَظَرَ عَلِيٌّ ذلك، وَشَمَّ رِيحَهُ رَمَى فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلامُ بِبَصَرِهِ..، وقَالَ: فَأَنَّى لَكِ هَذَا الَّذِي لَمْ أَرَ مِثْلَهُ، وَلَمْ أَشُمَّ مثل رَائِحَتِهِ، وَلَمْ آكُلْ أَطْيَبَ مِنْهُ؟ فَوَضَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَّهُ الْمُبَارَكَةَ بَيْنَ كَتِفَيْ عَلِيٍّ وهَزَّهَا، وَقَالَ: "يَا عَلِيُّ هَذَا ثَوَابُ الدِينَارِ، هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ سورة آل عمران آية 37، ثُمَّ اسْتَعْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله بَاكِيًا، وقَالَ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ كُمَا لم يُخْرِجَكُمَا مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يُجْرِيكَ فِي الْمَجْرَى الَّذِي أَجْرَى فِيهِ زَكَرِيَّا، وَيُجْرِيكِ يَا فَاطِمَةُ بفي المجرى الَّذِي أجَرَى فِيهِ مَرْيَمُ، كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا
سابعاً: الطيب كصفة للقول والكلام، فهناك علاقة بين طيب القول والهداية، وبين صعود الكلام الطيب واقترانه بالعمل الصالح، ولعله من أهم موجبات المودة بين الزوجين وفي الحياة البشرية بشكل عام هو القول الطيب الذي يهدي الإنسان إلى صراط الحميد، وهنا علينا ملاحظة شدة الاحترام وحلاوة العبارات التي كانت تصدر من الزهراء فاطمة(ع) في حديثها مع زوجها وأولادها: فكانت عندما تكلّم أبناءها تبدؤهم بعبارة "يا قرة عيني وثمرة فؤادي".
وختمت كلامها بالقول: "إن التوازن في تلبية الحاجات والقناعة بالضروري منها، والقيام بالواجبات، وتنمية كافة جوانب الشخصية الإيمانية هي التي تكفل للإنسان أن يحبا في الدنيا حياة طيبة ويتنعم بجزاء الله الكريم في الآخرة. وإنما يتوفر كل ذلك باتباع المنهج الفاطمي في الحياة".
اترك تعليق