مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر القراءة والنهوض الثقافي: الأفق الممكن

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر القراءة والنهوض الثقافي: الأفق الممكن في 23 نيسان 2015م

كلمة الحاجة عفاف الحكيم التي ألقتها في مؤتمر "القراءة والنهوض الثقافي: الأفق الممكن"
المكان: مبنى الجمعيات- قاعة السيدة الزهراء(ع).
الزمان: 23 نيسان 2015م.

 

 





بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
بداية أرحب براعي مؤتمرنا سعادة وزير الثقافة الأستاذ "ريمون عريجي" وبضيفنا الكريم سماحة آية الله "الشيخ محسن الآراكي" الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية مقروناً بوافر الشكر لتفضله بالمشاركة، وبسماحة الدكتور "الشيخ علي رضا بي نياز" مدير عام جامعة المصطفى العالمية في لبنان، وبسائر الأخوة والعلماء الأفاضل والمشاركين المحترمين في فعاليات هذا المؤتمر، وبالحضور النسائي المميز لسائر الفعاليات الثقافية والاعلامية والاجتماعية النشطة في مجتمعنا، من سائر المناطق والطوائف والمؤسسات، أرحب بكم جميعاً وأهلاً وسهلاً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أولاً: لقد اخترنا لمؤتمرنا هذا العام -كجمعية تعنى بالشأن الثقافي- أن يحمل هماً أساسياً جامعاً وهو همّ -القراءة والنهوض الثقافي- وأن يأتي في توقيته متزامناً مع اليوم العالمي للكتاب وأسبوع المطالعة، الذي أرادت اليونسكو التعبير من خلاله عن تقديرها وتقدير العالم أجمع للكتّاب والمؤلفين ولكل الذين مهدوا الطريق للتقدم الاجتماعي والثقافي للإنسانية جمعاء، وذلك عن طريق تشجيع القراءة بين الجميع وبشكل خاص بين الشباب والأجيال الصاعدة، جاعلة من يوم 23 نيسان محطة لتحسين معدلات القراءة والكتابة على مستوى العالم ومناسبة للالتفاف حول الكتّاب وحول الذين يكتبون وينتجون الكتب...
ثانياً: لقد كان من بديهيات ما وعيناه باكراً، في ربوع وطننا، هو تلك القيمة المعنوية السامية التي تحتلها الثقافة، وذاك الحضور المتوهج للقراءة وللكتاب.
فالثقافة في وعينا وأذهاننا كانت وما زالت هي عنوان تحضّر المجتمعات وطريق انفتاحها على العالم الواسع للعلم والمعرفة. وهي الوسيلة الأهم لنقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومنجزاته
وهي من جهة ثانية النافذة الإنسانية الأثيرة التي نطل من خلالها على الآخرين في علومهم وآدابهم ومعتقداتهم وطرق عيشهم، من منطلق -لتعارفوا- وأنّ الناس صنفان كما يقول أمير المؤمنين(ع): "إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق".
وبالتالي هي في مفهومنا تمثل هوية المجتمع المعافى وروحه وكيانه المعنوي الذي أمرت الرسالات السماوية ببنائه وقيامه، بحيث كانت أول كلمات القرآن الكريم وأول أمر إلهي حملته الرسالة الخاتمة للإنسان الغارق في بحار الجهل هو {إقرأ}(العلق، 1) مع كل ما تحمله هذه الكلمة من إيحاء.. ثم أتبعت بالآية الكريمة {الذي علم بالقلم}(العلق، 4) ثم {خذ الكتاب بقوّة}(مريم، 12) ليكون في هذا الأمر تنبيهاً وإشارة إلى أنّ حضارة الإسلام هي حضارة رسالة، حضارة كتاب وقلم, حضارة علم ومعرفة، وهذه الحضارة إنما تبنى بالعلم، وعماد العلم القراءة والكتابة.
وإنه قبل أن تؤسس الرسالة الالهية الخاتمة لأي نظرية اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية فإنها  وجهت أنظارنا إلى {إقرأ} إلى الأمر الذي هو في غاية الأهمية في مسار حياتنا.
وقد لمع -كما نعلم- في تاريخ الإسلام وتاريخ الحضارة الانسانية الكثيرين من أولئك العظماء الذين رفعوا شعار رسول الله(ص): "'طلب العلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة" و "ليس مني إلا عالم أو متعلم" فكان أن وصلوا بفضل الدافع المعنوي الذي حملوه للعلم، إذ بذلوا أعمارهم سعياً وراء الحقيقة العلمية.. وبعد أن وصلوا حفظوها في مخطوطاتهم النفيسة التي تعدّ اليوم من كنوز المكتبات العالمية والإسلامية، والتي لو بسط الارهاب التكفيري يده عليها، لتعرضت كغيرها للحرق والتلف والتدمير الهمجي الحاد، الذي كشف بشكل جلي بأن الواقع القيّمي للفرد لا يتوقف على عملية التلقي وحسب، وإنما على حسن التلقي، يتوقف على حال التفاعل والإضاءة التي تصوغ الأنفس، والتي تولّد لدى الفرد وعياً اجتماعياً يمكنه من رؤية قضاياه وقضايا مجتمعه وأمته والإنسانية جمعاء بصورة شاملة، وعياً ينجم عن تلقي الفرد للكلمة بمضمونها الحضاري، بحيث يتفاعل معها فكره وسلوكه ومشاعره. وهذا بالتحديد ما يكشف عن حجم المسافة بين نفس صاغتها تعاليم الله سبحانه، وبين نفس مركبة تتقاذفها الأهواء كمن تعجّ بشركاء متشاكسين.
ثالثاً: إن عملية النهوض بالشأن الثقافي والعمل على إعلاء قيمة القراءة والكتاب في بلدنا يتطلب بالتأكيد تعاوناً من الجميع وذلك من أجل تحقيق شراكة فاعلة بين الجهات الرسمية والمؤسسات التعليمية والجامعية ومؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب تفعيل دور الآباء والأمهات في الأسر والتركيز تحديداً على تفعيل دور الأم وتعزيز دور المرأة بشكل عام في الحياة الثقافية وتوفير كل ما يشكل منطلقاً للنهوض بالأنشطة الثقافية المتنوعة، لأن المسائل المتعلقة بتماسك المجتمع ونهضته وتطوير العقل التربوي والثقافي فيه، إنما تشكل أبعاداً رئيسية للصرح الحضاري الذي نطمح إليه.
ومن جهة ثانية فإنه يتطلب سعياً يمكّن الأجيال الصاعدة من أن تنعم برؤية ثقافية مستقبلية تؤسس لثقافة المحبة والتسامح، واحترام الاختلاف وقبول الآخر المختلف ديناً وطائفةً وفكراً وتقاليد.. والأخذ بعين الاعتبار أنّ الإنسان السويّ هو الذي يُربّى منذ الطفولة على التآلف مع الكتاب وعلى التعايش مع الآخر وفق أساليب عملية تساهم بتنمية وتكوين وعيه وإعلاء قيمة القيم والقراءة لديه.
وهذا بالتالي ما يجعلنا نؤكد على حشد كافة الأدوار وعلى رأسها الأجهزة الإعلامية من صحافة وإذاعة وتلفزيون.. فعلى عاتق هذه الأجهزة تقوم مسؤولية الترويج للقراءة والكتابة والانفتاح على الآخرين.
وأخيراً نختم: بالتأكيد على أهمية انجاز حلول سريعة وناجعة على المستويين الرسمي والمدني، للتغلب على العقبات التي تعيق تحقيق التقارب بين كافة شرائح مجتمعنا والكتاب؛ باعتبار أنّ حب الاطلاع موجود بالفطرة لدى الإنسان ولا ينقصنا إلا الإرادة  والعزيمة والعمل على الاستفادة من خبرات الأمم والشعوب التي سبقتنا في طريق ترويج الكتاب، بحيث بات رفيقاً "لحظوياً" للإنسان فيها يرافقه في سيره وجلوسه ويملأ جميع الدقائق والساعات الفائضة من نهاره وليله.
فالكتاب الجيّد، كما يقول الإمام الخامنئي دام ظله، هو أحد أفضل وسائل الكمال البشري-وأنّ- الشخص الذي ليس لديه ارتباط بهذا العالم الجميل والمحيي، هو بلا شك محروم من أهم النتاجات الإنسانية ومن أكثر المعارف الإلهية والبشرية.
وإنه لتحقيق هذه الآمال والتوجهات، ولشحذ الهمم لممارسة القراءة والكتابة كانت مساهمتنا المتواضعة كجمعية وكمؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني بإقامة هذا المؤتمر سائلين المولى عز وجل أن يأخذ بيد شبابنا وفتياتنا ليكونوا مشعلاً للحضارة الموعودة بإذنه تعالى.

أشكر حضوركم جميعاً

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 عفاف الحكيم  23-4-2015

 

التعليقات (0)

اترك تعليق