مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة آية الله الشيخ محسن الآراكي في مؤتمر

كلمة آية الله الشيخ محسن الآراكي أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في مؤتمر "القراءة والنهوض الثقاف

كلمة آية الله الشيخ محسن الآراكي أمين عام المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في مؤتمر "القراءة والنهوض الثقافي: الأفق الممكن" في 23 نيسان 2015م



السلام عليكم ورحمة الله..

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمان الرحيم، الحمدلله رب العالمين وأفضل الصلاة على أشرف النبيين حبيبنا وحبيب إله العالمين أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الميامين.
قال الله تعالى في كتابه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم «وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ»(سورة الزمر، الآيات: 17- 18).
في البدء أشكر وأبارك لجمعية الرابطة اللبنانية وللقيمين في هذه الجمعية المباركة وبرئيستها الأخت الفاضلة عفاف الحكيم على هذه المبادرة الجيدة والأساسية وتدشين هذا المؤتمر الفكري والعلمي والثقافي الأساسي وما أحوجنا نحن اليوم إلى القراءة ولكن القراءة التي تنهض بالشعوب هي قراءة لا بد أن تتصف بمواصفات نهضوية لكي تكون القراءة قراءة تنهض بالشعوب. قال أمير المؤمنين سلام الله تعالى عليه في ما روي عنه: "لا خير في قراءة ليس فيها تدبر"، والتدبر مقولة تحتاج إلى نوعين من الشروط في القارئ والمقروء.
أولاً: لا بد للقارئ أن يملك المقومات التي يستطيع أن ينطلق منها في التدبر، وثانياً: لا بد في المقروء أن يملك أيضاً المقومات التي تمكّن القارئ من أن يتدبر المقروء. إذا كان القارئ يملك المقومات التي يختار على أساسها الأحسن في ما يقرأ، تكون القراءة حينئذ قراءة يمكن لها أن تنهض بالقارئ إلى أعلى «الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه»، عنصر التمييز ليس بين القبيح والحسن فحسب بل وبين الحسن والأحسن، عنصر التمييز مقومة مهمة فيما يستطيع أن ينهض بالقارئ إلى أعلى.
هنا بحث أساسي مهم في العناصر التي تؤهّل القارئ لكي يميز بين الحسن والأحسن وبين القبيح والحسن، كيف يميز؟ ومن هو ذاك القارئ الذي يميز؟
هنا سؤال هل يوجد مجتمع من دون ثقافة أو أن المجتمعات كلها حسب قدرتها تتميز بثقافة معينة إما بسيطة أو متطورة وأحياناً أكثر تطوراً، لا يوجد مجتمع من دون ثقافة، الثقافة هي منظومة، منظومة القيم التي ينشأ على أساسها المجتمع، ينشأ على أساسها مجتمع، لا يمكن لمجتمع أن ينظم علاقات بعضه ببعض وعلاقات الأفراد بعضها ببعض من غير ثقافة، الثقافة هي التي تنظم المجتمع أو هي التي تربط المجتمع فرده بفرده الآخر وهي التي تربط مركز المجتمع بمحيط المجتمع فهنالك ثقافة لكل مجتمع مهما كانت هذه الثقافة بدائية، مهما كانت هذه الثقافة بسيطة وحسب اعتقادنا أنّ الثقافة تنطلق فيما ينبغي أن تنطلق منه ولا بد أن تنطلق من فطرة إلهية تلك الفطرة التي فطر الله الناس عليها، هناك فطرة إلهية، هنالك خلقة إلهية، هذه الخلقة خلقت الإنسان على ضوء منظومة من القيم، لم يخلق الإنسان خالياً مجرداً عن النظرة القيمية أو القِيمِيّة، خُلق الإنسان ويحمل في ذاته ذخيرة على أساسها يستطيع أن يميز بين القبيح والحسن وعلى أساسها يستطيع أن يميز حتى بين الحسن والأحسن، ولو تُرك المجتمع البشري لفطرته أو تُرك المجتمع البشري لقادته الفطريين، القادة الذين وصفهم الله، وصفهم أمير المؤمنين في خطبته المعروفة حينما أراد أن يصف الأنبياء "وواتر إليهم أنبياءه" ليثيروا فيهم البشر، ليثيروا فيهم دفائن العقول هكذا كان دور الأنبياء، هم الذين يثيرون في هذا الإنسان تلك، و"ليستأدوهم ميثاق فطرته وليثيروا لهم دفائن العقول"، "ليستأدوهم ميثاق فطرته" هذا الميثاق هو عبارة عن منظومة من القيم التي فطر الإنسان عليها، الميثاق يعني مصدر المسؤوليات التي يشعر بها الإنسان، هذا هو الميثاق، الإنسان يشعر نفسه أنه مسؤول، مسؤول أن يقبل أو أن لا يقبل، مسؤول أن يفعل أو أن لا يفعل، مسؤول أن يرضى أو لا يرضى، هذا هو الميثاق الفطري الذي فُطر الإنسان عليه ليستأدوهم ميثاق فطرته وليثيروا فيهم دفائن العقول، لو تُرك الإنسان لقادته الحقيقيين الذين شاء الله سبحانه وتعالى أن يرفعوا بهذا الإنسان إلى ما يليق به، إلى تلك الذروة التي قال عنها الحديث: "ما زال عبدي المؤمن يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يُبصر به ويده التي أبطش بها أو التي يبطش بها يقول للشيء كن.."، هذه المنزلة التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يرفع بها الإنسان لكي يكون خليفته حقاً، الخليفة خليفة الإنسان أو خليفة الرجل هو الذي يقوم مقام الرجل فيما يفعل وفيما يترك.
وحينما يقول الله سبحانه وتعالى: «إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً» يعني إني جاعل في الأرض موجوداً يخلفني فيما يأمر، فيما ينهى، فيما يفعل، فيما يترك، ويتمتع بالقدرة التي يتمتع بها في هذا الكون، لو كان الإنسان يتبع قادته الحقيقيين لاستطاع أن يسمع ولاستطاع أن يُبصر ولاستطاع أن يميز بين ما يسمع، يميز الصحيح من ما يسمع من غير الصحيح، ويميز الأصح من ما يسمع من غير الأصح، ويميز بين ما يرى الأحسن من ما يرى عن الحسن من ما يرى، وعن القبيح من ما يرى، ولكن المشكلة ذلك الطاغوت الذي استطاع أن يمسك بزمام مقدرات الشعوب وأشر ما في الطواغيت أنهم يشدّون على البشرية منافذ السمع والبصر.
هنالك خطبة للإمام أمير المؤمنين سلام الله عليه وأنا أوصي أهل الثقافة أن يتدبروا في هذه الخطبة، وهي خطبة القاصعة كما أظن يوضح فيها العوامل التي تحول دون أن تنهض الشعوب في ثقافتها وفي حداقتها وكمالها ويصف ما يكون للطواغيت: "ولا تطيعوا كبراءكم الذين خلطوا أصحتكم سقمهم" ثم يستمر الإمام في الحديث ويقول هؤلاء استطاعوا أن ينفذو في أسماعكم وينفذوا في أبصاركم فيحولوا دون أن تميزوا بين الصحيح والسقيم كما تسمعون، ويحولوا دون أن تميزوا بين الصحيح والسقيم فيما تقرأون، فيما تنظرون، فيما تبصرون.
الآن في عالمنا اليوم، هذه السيطرة الإعلامية التي نجدها لحكومة الطواغيت على البشرية، هل تدع البشرية أن يستفيدوا من ما تقرأ، هل ترون أنّ الإنسان الأوروبي الذي يعيش في أوروبا والذي عُرف أنه يقرأ كثيراً هل يفهم ما يقرأ، هل يستطيع أن يميز في ما يقرأ بين ما يفيد أو لا يفيد وما لا يُقرأ، ماذا يقرأ هذا الإنسان الأوروبي، ماذا يقرأ؟ ما هو ذلك الإنتاج الثقافي الذي يمكّن الإنسان الأوروبي أن يفكر أن يتدبر فيما يقرأ، ثمّ هذا المقروء هل فيه شيء يصلح لكي يتدبر فيه الإنسان، علينا قبل كل شيء أن نفتح على الإنسان مسامعه وأن نحول دون تلك العوامل التي تسد المسامع وتسد الأبصار وتحول دون أن يتعقل الإنسان فيما يسمع أو يبصر.
النظرية القرآنية باختصار -وأود أن أختصر كلمتي والحديث طويل في هذا المجال- تقول أنّ الله سبحانه وتعالى وفّر في الإنسان قدرة التفكير، قدرة التمييز، وهذه القدرة أو هذه القوة هي قوة العقل، القوة التي يعبّر الله سبحانه وتعالى في كتابه عنها بقوة العقل أو اللب أو الفؤاد أو القلب، هذه هي القوة التي تمكّن الإنسان أن يتدبر في ما يرد إليه من نافذتين، نافذة السمع ونافذة البصر، هنالك نافذتان تَنفذ من خلالهما المواد التي تمكّن عقل الإنسان من أن يتدبر فيها وأن يحللها وأن ينظر إلى أعماقها وأن ينظر إلى ما وراءها، يقول ربنا سبحانه وتعالى عن أهل جهنم: «كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ * قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ» كذّبنا الحقيقة الواضحة، كذّبنا وقلنا ما نزل الله من شيء «إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ * وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ» الذنب هنا: لم يقل القرآن أنّ الذنب هنا لم يصلّوا أو لم يزكوا، الذنب الأكبر أنهم لم يعقلوا وأنهم لم يسمعوا « وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير * فَاعْتَرَفُوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لِّأَصْحَابِ السَّعِيرِ ».
هاتان النافذتان: « إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ» الذين «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ»، أول كتاب أُلف لهذا الإنسان هو كتاب السماوات والأرض، هذا هو الكتاب الأول الذي يقرأه كل إنسان، ومع الأسف الحضارة الغربية حالت دون أن يقرأ الإنسان هذا الكتاب، أيضا العبارة الغربية التي حالت دون ماذا؟ دون أن يكون الإنسان الذي يعيش في مجلس غربي أن يرى، لا يرى السماء، ولا يرى الأفق، ولا يرى نجماً ولا قمراً ولا شمساً «إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ» فيما يخص البصر وفيما يخص استخدام آلة البصر «وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . رَبَّنَا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ * رَبَّنَا إنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا» فيما يخص نافذة السمع، هاتان النافذتان مهمتان، اللتان من خلالهما يستطيع الإنسان أن يلتقط المواد التي يتدبر فيها ليتفكر فيها، ليستنتج ثم ليصل إلى تلك النتيجة التي صرح بها القرآن «أولئك الذين هداهم الله» وأعود وأقرأ الآية التي افتتحت بها الكلام مرة أخرى وأستودعكم الله «فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ»

التعليقات (0)

اترك تعليق