أثر مصطلح تحرير المرأة على الهوية الاسلامية(2)
هناك ظروف تاريخية صاحبت نشأة الأفكار التحررية المرتبطة بالمرأة الغربية، وهي ذات الظروف التي نتج عنها بروز اصطلاح العلمانية، ورغبة المتمردين على الكنيسة في إبعاد كل ما هو ديني عن تنظيم الحياة في المجتمع الغربي. ومن هنا ظهر اصطلاح تحرير المرأة والذي يعني في أبسط صوره رسم مجرى حياة المرأة وفق تطلعاتها، مع تحريرها من كل ما يعرقل تلك التطلعات، خاصة الضوابط والتنظيمات الدينية، معتبرة إياها قيودا رجعية تعرقل طموحات المرأة، ومن ثم تم تحديد الهدف في محاربة تلك القيود وإضعاف شوكتها.
فالاصطلاح إذن غربي النشأة، وله موقف من الدين المحرّف، ومعركته معه هناك أتت في سياق معركة العلمانية مع الكنيسة.
أما في العالم الإسلامي فمصطلح تحرير المرأة له موجتان: الأولى صُدّر فيها المصطلح من الغرب إلى الشرق في نهاية القرن التاسع عشر وذلك ضمن منظومة الأفكار التغريبية، ثم بعد ذلك أعاد الغرب صياغة المصطلح ليدخل حقيبة المصطلحات العولمية مشتملا على مضامين أكثر تحررية من نسخة القرن التاسع عشر، ولتكون الموجة الثانية التي يتقاطع فيها العالم الإسلامي مع الاصطلاح من خلال مقررات علمانية صادرة عن مؤتمرات دولية ترعاها الأمم المتحدة، ويصور أنها تمثل إلزاما، دون أن تضع في الحسبان تباين الثقافات أو خصوصيات كل ثقافة، وعلى إثرها تُطالب الدول بتعديل تشريعاتها وصياغة سياساتها وفق معطياتها، وعدم التذرع بخصوصيات الهويات، لأن الأصل عندهم هو هيمنة الرؤية العولمية على ما سواها من رؤى، الأمر الذي بات يؤثر على الهوية الإسلامية.
التطور التاريخي لمصطلح تحرير المرأة
الموجة الأولى لمصطلح تحرير المرأة:
البدايات الأولى لاستخدام النساء للأفكار التحررية تعود إلى القرن التاسع عشر، حيث استخدم لأول مرة مصطلح "نسوي" -والمعبر عن التيار الداعي لتحرير المرأة- في دورية "منارة العلم" وذلك بعد عام واحد من صك الروائية الشهيرة "سارة جراند" لعبارة "المرأة الجديدة" -التي استعارها قاسم أمين بعد ذلك عنون بها كتابه -واصفة بذلك الجيل الجديد من النساء اللاتي يسعين إلى الاستقلال، ويرفضن القيود التقليدية للزواج.
فهم لديهم إحساس بالاستياء المعاصر من حياة البيت التقليدية في ظل الزواج والأمومة، وقد انحدرت فكرة المرأة الجديدة من فكرة فتاة العصر المتمردة التي ابتدعتها "ليزا لين لينتون" في عام 1868(1).
وقد أخذت تلك الأفكار في البلورة العالمية، واستقطبت أجيالا من النساء في الغرب اعتنقنها وبشرن بها، ونقلت للشرق الإسلامي عن طريق المبتعثين، المستشرقين، والمستعمرين بحلتها التحررية كاملة، وكانت البداية من مصر ثم انتشرت في أرجاء البلاد العربية والإسلامية.
ونقلت الأفكار في بدايتها من خلال كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين، والذي نشر عام 1899م بدعم من الشيخ محمد عبده وسعد زغلول وأحمد لطفي السيد، وزعم فيه أن حجاب المرأة السائد ليس من الإسلام، وقال إن الدعوة إلى السفور ليست خروجا على الدين.
ثم بلورت الأفكار بصورة أكثر وضوحا في الكتاب الثاني لقاسم أمين "المرأة الجديدة" والذي نشر عام 1900م.
وكانت الدعوات حينها تدعو إلى تحرير المرأة من الآداب الإسلامية والأحكام الشرعية الخاصة بها، مثل الحجاب، تقييد الطلاق، منع تعدد الزوجات، المساواة في الميراث، وتقليد المرأة الغربية في كل أمر.
وأخذت تلك الدعوات في الانتشار من خلال الجمعيات والاتحادات النسائية في العالم العربي.
والتطبيقات العملية لهذه الأفكار التحررية بدأت عندما دعا سعد زغلول النساء اللواتي يحضرن خطبه، أن يزحن النقاب عن وجوههن "فهو الذي نزع الحجاب عن وجه نور الهدى محمد سلطان والتي اشتهرت باسم هدى شعراوي، وذلك عند استقبال حشد كبير من النساء له في الإسكندرية بعد عودته من المنفى، ثم ألقت بحجابها في مياه البحر"(2).
ويمجد أدعياء التحرر في العالم الإسلامي هذه الحادثة ويعتبرونها "إيذانا بدخول المرأة عصر النور"(3).
الموجة الثانية لمصطلح تحرير المرأة:
أعاد الغرب صياغة مصطلح تحرير المرأة، ليصاغ بمضامين أكثر تحررية عن بداياته.
ففي فبراير 1970 انعقد أول مؤتمر وطني لتحرير المرأة في كلية راسكن بأكسفورد وحضره أكثر من 500 مشارك، وخرج هذا المؤتمر بأربعة مطالب هي المساواة في الأجور، والمساواة في التعليم والفرص، وإنشاء حضانات تعمل على مدار اليوم، والحرية في استخدام وسائل منع الحمل واللجوء إلى الإجهاض حسب الطلب. والمطلب الأخير هو الذي ذاع صيته وتوسع مداه ليمتد إلى دائرة تقنين الشذوذ وخاصة المثلية الأنثوية منه.
فقد كان وضع المثليات في النسوية في السبعينيات مثارًا للجدل. فوضع المثلية في هذا التوقيت كالمرأة السوداء المدافعة عن حقوق السود، فقد كانت تنشط في إطار حركة تحرير المرأة خاصة ما وصفت بالراديكالية(4) منذ نشأتها.
كما كان الراديكاليات من أنصار النسوية يعترفن بأن وصف "مثلية" له وظيفة إضفاء طابع مرضي على هؤلاء النسوة في سياق التحكم الجنسي في كافة النساء، ففي كتاب "المرأة كما تعرفها المرأة" 1970 دعت مجموعة من المثليات الراديكاليات إلى أن "موقف المثلية هو تعبير عن ثورة كل النساء عندما تحتدم حتى تصل إلى درجة الانفجار، فهي امرأة تبدأ غالبا في سن مبكرة جدا في التصرف وفقا لما تمليه عليها نفسها، بأن تكون إنسانا أكثر اكتمالا وحرية مما يسمح بها مجتمعها" وتعلق "سوثورنام" على هذا الموقف بقولها: "ومن منطق هذا التعريف تصبح المثلية مرادفا لحرية المرأة، أي حلّا لمشاكل العلاقات الجنسية مع الرجل والنتيجة المنطقية لسياسات الشؤون الشخصية، من هنا طرحت مقولتان في المثلية؛ الأولى أن المثلية أحد عناصر نضال النسوية ضد (نظام الأدوار الجنسية النسوية) والثانية أكثر وضوحا وهي أن النسوية هي النظرية والمثلية هي التطبيق"(5).
ولعل هذا التشديد على الدور المثلي، يعطي تفسيرات منطقية لاهتمام السينما العالمية بعمومها، والسينما العربية في الآونة الأخيرة بوجه خاص، بإنتاج كم هائل من الأفلام والأدوار السينمائية التي تتناول الشذوذ بين النساء، وهو الأمر الغريب والجديد على طبيعة الأفلام العربية حسبما يوضح النقاد والمراقبون.
سيطرة أصحاب الفكر التحرري الجديد على لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة:
الإشكالية تكمن في أن أصحاب هذا الاتجاه الجديد نجحن في السيطرة على لجنة مركز المرأة بالأمم المتحدة، وصرن هن المتحكمات في المؤتمرات العالمية التي أحدثت جدلا عالميا واسعا بأفكارها التحررية، وصارت حكومات الدول المؤيدة تلك المؤتمرات مطالبة بتطبيق مقرراتها في بلدانها.
تقول البروفسيرة "كاثرين بالم فورث": "إن لجنة المرأة في الأمم المتحدة شكلتها امرأة اسكندنافية كانت تؤمن بالزواج المفتوح، ورفض الأسرة، وكانت تعتبر الزواج قيدًا وأن الحرية الشخصية لا بدّ أن تكون مطلقة، وأن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تخص المرأة والأسرة والسكان تصاغ الآن في وكالات ولجان تسيطر عايها فئات ثلاث (الأنثوية المتطرفة)، و(أعداء الإنجاب والسكان)، و(الشاذين والشاذات جنسيا)"(6).
وقد تمّ تضمين محتويات مصطلح تحرير المرأة في بنود مقررات المؤتمرات الدولية الصادرة عن الأمم المتحدة، وأبرز تلك المؤتمرات؛ المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة والذي عقدته الأمم المتحدة في العاصمة الصينية بكين في الفترة 4-15 سبتمبر 1995، والذي يعد المرجعية الرئيسية الآن في معظم ما يتعلق بتحرير المرأة.
أثر مصطلح تحرير المرأة على الهوية الإسلامية:
1- موقف مصطلح تحرير المرأة من الإسلام وعلمائه:
رسّخ الغرب فكرة العداء بين الدين وتحرير المرأة وشكلت هذه الفكرة العدائية قطاع غير قليل من المبشرات للأفكار التحررية فنجد على سبيل المثال "سوزان موللر أوكين" صاحبة كتاب النساء في الفكر السياسي الغربي تقول: "من الواضح أن الإيمان والعقيدة ليس لهما أهمية كبيرة بالنسبة للمرأة، فالعقيدة تستعبدها من خلال الخضوع والاستسلام، وهذا الإعلان يشبه عقيدة الإسلام التي ترى أن المرأة لا روح لها"!!(7).
فالكاتبة رغم أنها في كتابها المذكور كانت تجول بتحليلات لآراء فلاسفة ملحدين، إلا أن تناولها لم يقف عند حدود الدين بوجه عام لكنه امتد ليشمل الإسلام، ليعبر عن عداء متجذر في الأعماق نحو الإسلام. وفي هذا الصدد أيضا ذهبت "أليسون جابسر" إلى أن "هناك كتابات عديدة غربية وشرقية اعتبرت أن كتب الحديث النبوي تأثرت بالمرويات التي تنطوي على كراهية المرأة، خصوصا المسيحية منها، كما أن هذه الكتابات تكشف عن روح العدل والمساواة في القرآن، الذي يطغى عليه تفسير أصحاب المصلحة الثابتة في الإبقاء على الموقف الأبوي الراهن"(8).
وهكذا فإذا كانت الكتابة الأولى حددت مشكلتها بالعداء مع الأديان بصفة عامة والإسلام بصفة خاصة، فإن الكاتبة الثانية حددتها في فهم علماء الأمة الثقات للقرآن الكريم والسنة المطهرة، وأن التعاطي الحميد بنظرهم مع القرآن والسنة هو بإعادة قراءتهما في ضوء مكونات مصطلح تحرير المرأة العولمي، وهي ذات الفكرة التي تناولناها عند مناقشة اصطلاح حقوق الإنسان.
وقد تكرست الرؤية الثانية عند قطاع من المتحررات في عالمنا الإسلامي فشكلت وعيهن وصرن يردّدنها بالتوازي مع الترديد الغربي، فنجد "فريدة بناني" تقول: "إذا كانت عملية التمييز / العنف التي تتعرض لها المرأة في الأسرة تستمد قوتها وفاعليتها من خلال نسق من القيم يستمد شرعيته من روافد مختلفة، من بينها أهمية الرافد الديني الذي يلعب دورا مهما في حياة الأفراد، والديني هنا لا يمكن أن يكون المقصود به النصوص المقدسة، وإنما سيكون المقصود به الفكر الإسلامي ذلك أن النص المقدس/القرآن، إذا كان معروفا بنصه محفوظا به، فإن النص ليس ناطقا بذاته، ولا يتكلم بنفسه ولا يشرح ذاته، ولا يفضّ معناه ولا يقطع فيما بداخله، ولا هو كائن حي يشرح بنفسه معناه وما قصد منه، الأمر الذي اقتضى تفسيرا له. وقد تخصص نفر من المسلمين في دراسة القرآن واستنباط القواعد التشريعية منه. من كل ذلك تكوّن فكر ديني، وهذا الفكر ليس هو الدين وإنما هو فكر يدور على مدار الدين ويلف على محوره ويجري على منواله، وبذلك فكل فهم للنص الديني وكل تفسير له بعد حياة النبي(ص) هو من قبيل الفكر الديني"(9). وعلى ذلك بنت "حنان نجمة" نظرتها بأن "التمييز ضد المرأة والإجحاف بحقوقها الإنسانية، هذه الحالات تقع على المرأة في المجتمع العربي لكون قوانين الأسرة (الأحوال الشخصية) أبوية(10) تجسد النظام الأبوي في أحكامها، وكذلك أيضا معظم الأحكام التي تنظم العلاقات الأسرية"(11) والأبوي هنا مقصود به الإسلام، لأن معظم قوانين الأحوال الشخصية مستمدة من الشريعة الإسلامية.
ما طرح أعلاه من أفكار تشكيكية في فهم العلماء للنصوص أمر مردود، لأن العلوم الإسلامية من تفسير وحديث وفقه لها ضوابط وأحكام شرعية، وهي ليست خاضعة لهوى الناظر، كما يتم الإيحاء.
أيضا لا يمكن فهم العلاقة بين اصطلاح تحرير المرأة العولمي والإسلام، بمنأى عن الحالة الصراعية بين الغرب والإسلام ومحاولة الغرب هدم كيان الأسرة المسلمة من خلال المرأة، ولعل معالم توظيف الاصطلاح صراعيا يوضحها تقرير لمؤسسة راند الأميركية القريبة من دائرة صنع القرار الأمريكي والذي جاء فيه أنه: "عندما تقوم الوكالات الحكومية في الولايات المتحدة الأمريكية بقبول الحجاب على سبيل المثال، معتبرة ذلك من صغائر الامور المتعلقة بالاختيارات الشخصية، جاعلة من ذلك إظهارا للتسامح، فهي في الحقيقة تتخذ موقفاً جوهريا حول موضوع مركزي ومتطرف مثير للجدل"(12).
2- مصطلح تحرير المرأة بين الوثنية والإسلام:
ذهب دعاة تحرير المرأة إلى وضع دين أنثوي جديد يقوم برمته على الوثنية بكامل أركانها(13). تقول "أليسون جابسر": "إن الكثيرات من النسويات يشعرن بالحاجة إلى بديل مختلف كل الاختلاف عن الأديان التقليدية، تمكنهن من ممارسة اختيار أصيل في التعبير عن علاقاتهن بالإلهي، وبحياتهن الروحية التي يمكن تعريفها بلغة الرغبة أو الحنين في أقوى صورهما، بما في ذلك المعنى الشهواني". وتضيف "أليسون" أن "من النتائج المترتية على عدم الرضا بالأشكال الدينية الموجودة، ظهور لون جديد من ألوان اللاهوت يسمى بالثيالوجيthealogy (وهو تحريف مقصود للفظ theology وذلك للإيحاء بوجود إلهة) وهو مصطلح نعومي جولدنبرج في مقالها "عودة الإلهة"؛ تأملات تحليلية نفسية من التحول من اللاهوت إلى الثيالوجي (دراسات في الدين والعلوم الدينية 1987). وارتبط ارتباطا خاصا بكارول كرايست، فقد طرحت جولدنبرج وكرايست رؤية جديدة للإلهي تتمركز بالقطع حول المرأة، بقصد وصفي وجدلي في آن واحد، ولفتتا الانتباه على وجه الخصوص إلى غياب الأنثى من اللاهوت المسيحي واليهودي في الغرب، واستلهمتا الكثير من الأشكال المختلفة والقديمة في أغلب الأحيان لعبادة "الربة"، وهي عبادة وثنية قديمة يريد بعض دعاة تحرير المرأة إحياءها مرة أخرى.
فعلى العكس من مفهوم الألوهية المعهود في المسيحية واليهودية والإسلام، نجد أن كرايست تصف "الربة" بأنها تجسيد للتغيير لا الثبات وتؤكد على دورة الميلاد والموت والبعث في الدنيا، وتدعو إلى إيجاد السبل للتعامل مع المشاكل الاجتماعية القائمة الآن لا التركيز على الحياة بعد الموت على غرار الاتجاه السائد في الأديان التوحيدية في الغرب"(14).
وهذه الأفكار ليست لأعداد مفردة من دعاة تحرير المرأة، لكنها تشكل عقل قطاع عريض من المنظرات لهذا الفكر.
3- التحرير العقدي للمرأة وإزالة العقبات الشرعية التي تحول دون ذلك:
نصت المادة الثانية عشرة من "إعلان منهاج العمل"(15) الصادر عن مؤتمر بكين؛ على "تمكين المرأة والنهوض، بما في ذلك الحق في حرية الفكر والضمير والدين والمعتقد على نحو يسهم في تلبية الاحتياجات المعنوية والأخلاقية والروحية والفكرية للنساء والرجال، فرادى أو بالاشتراك مع غيرهم، وبذلك تكفل لهم إمكانية إطلاق كامل طاقاتهم في المجتمع برسم مجرى حياتهم وفقا لتطلعاتهم هم أنفسهم"(16).
فالمسألة العقدية عند المرأة كما يقررها المؤتمر هوائية، ورسم مجرى الحياة على المستوى العقدي يكون وفقا لتطلعات المرأة نفسها، فلا سلطان ولا رقيب ولا ضابط لاختياراتها العقدية، فهي حرة فيما تعتقده أو ما تريد أن تعتقده، كما أن لها كامل الحرية في تبديل عقيدتها كلما أرادت ذلك.
وقد أخذت وثيقة بكين في التشديد على التحرير العقدي في أكثر من مادة حيث نصت المادة الثانية والثلاثون على: "مضاعفة الجهود لضمان تمتع جميع النساء والفتيات اللاتي يواجهن عقبات متعددة تحول دون تمكينهن والنهوض بهن بسبب عوامل مثل الأصل العرقي أو السن أو اللغة أو الانتماء الإثني أو الثقافة أو الدين أو الإعاقة أو لكونهن من السكان الأصليين تمتعا كاملا بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية".
وهنا تربط الأمم المتحدة بين "تحرير المرأة" والمعبر عنها ﺑ"التمكين والنهوض"، وبين الدين كعقبة من عقبات هذا التحرر، لذلك نجد الوثيقة تشدد على موقفها من الدين والعقيدة في منهاج العمل المطروح للتطبيق العملي وذلك في المادة الرابعة والعشرين والتي تقول: "للدين والقيم الروحية والعقيدة دور رئيسي في حياة الملايين من النساء والرجال وفي طريقة عيشهم وفي طموحاتهم في المستقبل، والحق في حرية الفكر والعقيدة، والدين حق غير قابل للتصرف ويجب أن يتمتع به الجميع؛ ويشمل هذا الحق حرية الفرد في أن يكون له دين، وحريته في اعتناق الدين أو المعتقد الذي يختاره بمفرده أو بالاشتراك مع آخرين، وبصفة علنية أو في السر وإظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتلقين، ولتحقيق المساواة والتنمية والسلم فإنه من الضروري احترام هذه الحقوق والحريات احتراما كاملا، ويمكن أن يساهم الدين والعقيدة والمعتقد في الوفاء بالاحتياجات المعنوية والأخلاقية والروحية للمرأة والرجل وتحقيق كامل إمكانياتهما في المجتمع. بيد أن من المسلّم به أن أي شكل من أشكال التطرف يمكن أن يؤثر سلبا على المرأة أن يؤدي إلى العنف والتمييز" وهذه المادة تجعل هوى الفرد سلطانا على الدين وليس العكس.
واستخدام الوثيقة لاصطلاح التطرف غير عفوي فهي تعني بالتطرف كل ما يتعارض مع نظرتها العلمانية لتحرير المرأة، وهذا واضح جليّ في المادة السادسة والأربعين من هذه الوثيقة والتي تقول: "يسلم منهاج العمل بأن النساء يواجهن حواجز تحول دون المساواة الكاملة والنهوض، وذلك بسبب عوامل مثل العرق أو السن أو اللغة أو الأصل العرقي أو الثقافة أو الدين أو الإعاقة أو لأنهن من السكان الأصليين".
وعلى ذلك فإن المجتعات مطالبة بتحرير المرأة وإزالة كافة العقبات التي تحول دون حريتها العقدية حتى وإن كانت دينية، وبالتالي فإن الحديث عن الضوابط الشرعية الضابطة للأبعاد العقدية للمرأة يشكل عقبة أمام تحرير المرأة ومن ثم ينبغي تحريرها منها.
4- تحرير المرأة من الضوابط الشرعية المنظمة لحياتها:
الضوابط الشرعية التي تعترض مسار اصطلاح تحريرالمرأة بحسب رؤيته الأممية، تطلق عليها الأمم المتحدة مسمى "الحواجز الدينية" وهي تعتبرها حائلا أمام تحرير المرأة، والمدقق في وثائق منظمة الأمم المتحدة المتعلقة بتحرير المرأة يجد أن ما اعتبرته حواجز دينية يدور حول "الحدود الشرعية المرتبطة بالردة عن الدين الإسلامي، حدود الزنا، الاحكام الشرعية المنظمة للحياة الزوجية ونشوز الزوجة، ختان الإناث، الزواج المبكر، منع الاختلاط، والمسائل المتعلقة بالمواريث".
وكل هذه أمور تعتبرها الأمم المتحدة عنفا ضد المرأة تدينه بشدة ولا تقبل النقاش حول المسوغات الشرعية المصاحبة لتلك الأحكام الربانية.
فنجد المادة (124) من وثيقة بكين الجزئية /أ تقول: "إدانة العنف ضد المرأة، والامتناع عن التذرع بأي عرف أو تقليد أو اعتبار ديني، تجنبا للوفاء بالتزاماتها للقضاء عليه كما هي مبنية في إعلان القضاء على العنف ضد المراة". والموقف من الاعتبارات الدينية- الموصوفة عندها بالقوالب النمطية الجامدة- هذا ثابت وعنيف في وثائق الأمم المتحدة على طول الطريق فقد نادت من قبل بأنه "ينبغي أن تزال إزالة تامة العقبات التي تعترض تحقيق المساواة بالنسبة للمرأة والتي تتسبب فيها القوالب النمطية الجامدة والتصورات والمواقف تجاه المرأة، وتتطلب إزالة هذه الحواجز بالإضافة إلى التشريع، تعليم السكان في مجموعهم من خلال القنوات الرسمية، وغير الرسمية وبما في ذلك وسائط الإعلام، والمنظمات غير الحكومية ومنابر الأحزاب السياسية والعمل التنفيذي"(17).
5- التحرير الجنسي للمرأة وعدم الاكتراث بأية ضوابط شرعية:
الحديث عن الحرية الجنسية وجعلها متلازمة أصلية لمصطلح تحرير المرأة فقد جاء واضحا وجليا في المادة (96) من منهاج عمل بكين والتي تنص على أن "للمرأة حقها في أن تتحكم وأن تبت بحرية ومسؤولية في المسائل المتصلة بحياتها الجنسية دون إكراه أو تمييز أو عنف".
فالمرأة تشبع رغباتها، بأية صورة كانت وفي أي وقت شاءت، دون ضبط أو رقابة أو حساب، وهذا من شأنه إحداث فوضى خُلقية داخل المجتمع تتخلخل فيه الهوية الإسلامية للمرأة.
6- إلزام الحكومات بتطبيق مضامين تحرير المرأة وعدم التذرع بأية موانع شرعية:
لضمان إسقاط مضامين مصطلح تحرير المرأة على أرض الواقع تسنّ الأمم المتحدة بعض المواد الإلزامية، والتي تلزم فيها الحكومات الموقعة على اتفاقيات الأمم المتحدة باتخاذ الإجراءات الضامنة لتطبيق رؤية الأمم المتحدة لتحرير المرأة، تقول المادة الثامنة والثلاثون من منهاج عمل بكين: "إنّنا نحن الحكومات نعتمد ها هنا منهاج العمل التالي، ونلتزم بتنفيذه بما يكفل مراعاة الجنسين في جميع سياستنا وبرامجنا، وإننا نحث منظومة الأمم المتحدة والمؤسسات المالية الإقليمية والدولية وسائر المؤسسات الإقليمية والدولية ذات الصلة، والنساء والرجال كافة وكذلك المنظمات غير الحكومية مع الاحترام التام، لاستقلالها وجميع قطاعات المجتمع المدني بالتعاون مع الحكومات على الالتزام الكامل بمنهاج العمل هذا، والمساهمة في تنفيذه".
صيغة إقرارية تجعل الحكومات وكأنها هي الداعية لكافة الأفكار التحررية التي نادى بها مؤتمر بكين.
الأمر الأكثر إلزامية يتضح في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة(18). والمعروفة اختصارا بالسيداو والتي تقول عنها "كاثرين بالم فورث": "إن التوقيع على اتفاقية السيداو يعني التوقيع على كل المواثيق والمناقشات واللوائح والمذكرات التفسيرية الجانبية المؤسسة على هذه الاتفاقية، وإن التوقيع على الاتفاقية يجعل معارضة الشذوذ الجنسي حتى ولو برسم كاريكاتوري عملا يعرض صاحبه للمساءلة، وبهذه الاتفاقية فإن هناك محاولات لمنع الوعظ الديني المخالف للشذوذ الجنسي لكونه يعارض حقوق الإنسان"(19).
تقول المادة الثانية من هذه الاتفاقية: "تشجب الدول الأطراف جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتتفق على أن تنتهج، بكل الوسائل المناسبة ودون إبطاء، سياسة تستهدف القضاء على التمييز ضد المرأة، وتحقيقا لذلك تتعهد بالقيام بما يلي: اتخاذ جميع التدابير المناسبة، بما في ذلك التشريعي منها، لتغيير أو إبطال القائم من القوانين والأنظمة والأعراف والممارسات التي تشكل تمييزا ضدّ المرأة".
وقد ألحقت هذه الاتفاقية ببرتوكول اختياري يحقّ فيه للنساء المنتميات إلى الدول الموقعة عليه رفع شكواهنّ مباشرة إلى الأمم المتحدة إذا رأين أنهن ضحايا لانتهاك أي من الحقوق الواردة في الاتفاقية على يدي الدولة الطرف في البروتوكول(20).
7- مصطلح تحرير المرأة وقضايا الميراث:
يرى مصطلح تحرير المرأة من خلال الأمم المتحدة أنّ أي تقسيم للمواريث لا يخضع لقاعدة المساواة التامة، والاقتسام المتساوي بين الأشقاء يعد نوعاً من التمييز ضدّ المرأة، وعليه يجب إلغاء أية تشريعات تتعارض مع نظرة الأمم المتحدة لتقسيم المواريث، ففي "الهدف الاستراتيجي ألف" من وثيقة بكين والمتعلق بتنقيح القوانين والممارسات الإدارية، بغية ضمان الحقوق المتساوية للمرأة وسبل وصولها إلى الموارد الاقتصادية وفي الإجراءات التي يتعين اتخاذها قالت المادة (61/ب): "الاضطلاع بإصلاحات تشريعية وإدارية، بغية تمكين المرأة من الحصول على الموارد الاقتصادية، بما في ذلك الحق في الميراث، وفي تملك الأرض وغيرها من الممتلكات، والحصول على الائتمان والموارد الطبيعية والتكنولوجيات الملائمة".
وشدّدت المادة (274/د) من وثيقة بكين على مسألة الميراث واصفة تقسيم المواريث بصفة مخالفة لرؤية محرري المرأة بأنه غبن للمرأة حيث تدعو الفقرة إلى "العمل على إزالة ما تواجهه الطفلة من غبن وعقبات فيما يتعلق بالإرث حتى يتمتع كل الأبناء بحقوقهم دون تمييز".
8- مصطلح تحرير المرأة ومحاربته للزواج المبكر:
في الوقت الذي تنادي فيه الأمم المتحدة بالحرية الجنسية المطلقة للمرأة نجدها تعسّر السبل الشرعية للعفاف وذلك بمحاربتها للزواج المبكر تلك السنة المحمودة التي كادت أن تتلاشى في عالمنا الإسلامي بسبب عوامل معقدة متعددة منها مجهودات المنظمات الدولية ورؤى دعاة تحرير المرأة.
تقول المادة (93) من وثيقة بكين: "إن الأوضاع التي تجبر الفتيات على الزواج والحمل والولادة في وقت مبكر، وتعرضهن للممارسات الضارة مثل عمليات ختان الإناث تشكّل مخاطر صحية جسيمة، كما أنّ الزواج المبكر والأمومة المبكرة للشابات يمكن أن يحدّا بدرجة كبيرة من فرص التعليم والعمل".
ومن قبل طالبت الأمم المتحدة الحكومات برفع سنّ الزواج في بلدانها مع أنها أشارت في نفس الموضع للانحلال الخلقي، إلا أنها ألزمت الحكومات بالتصدي للمنافذ الحلال ولم تتعرض للحرام الذي تراه من الحريات الأصلية للمرأة.
يقول تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: "وتسليما بأن الحمل الذي يحدث للمراهقات سواء المتزوجات منهن أو غير المتزوجات له آثارا ضارة بالنسبة لأمراض الأم والطفل ووفياتهما، لذا يُهاب بالحكومات أن تضع سياسات لتشجيع التأخير في إنجاب الأطفال، وينبغي للحكومات بذل الجهود لرفع سن الزواج في البلدان التي ما زالت فيها هذه السن منخفضة جدا"(21).
ولربط موضوع الزواج المبكر بالتعليم تقول المادة (71): "ولا يزال التمييز في وصول البنات إلى التعليم مستمرا في العديد من المناطق بسبب الأعراف والزواج المبكر والحمل المبكر".
والأمم المتحدة لا تقف في سعيها لتعليم المرأة عند حدود إكساب المرأة المعارف العلمية، لكنها تنظر للتعليم بمنظار أنه وسيلة من وسائل تحديد النسل وخفض مستوى الخصوبة، فنجد مثلا وثيقة الأمم المتحدة الخاصة بتقييم تنفيذ منهاج همل بكين العام 2000 تقول في الجزئية (150): "إن مردودات تعليم الإناث تؤثر على مستوى الخصوبة، لأنها تبطّئ النمو السكاني فالمرأة التي تحصل على سبع سنوات على الأقل من التعليم لديها عدد أطفال أقل ﺑ2،2 من المرأة التي لم تلحق بالمدارس"(22).
والأصل الشرعي أنه لا تعارض بين الزواج والتعليم، بل إن الزواج والعفة والإحصان مقدّم عند الفقهاء على التعليم الذي يمكن تحصيله بعد الزواج والشواهد العملية التي تؤيد ذلك كثيرة وملموسة.
9- مصطلح تحرير المرأة ونشر تعليم الجنس:
في سياق اصطلاح تحرير المرأة طرحت الأمم المتحدة في وثائقها اصطلاح "تعليم الجنس" حيث قامت بمطالبة الحكومات بتضمين مناهج "تعليم الجنس" في المناهج التعليمية لدولها.
و"تعليم الجنس" هي الترجمة الصحيحة للمصطلح الانجليزي الوارد في وثائق الأمم المتحدة النسوية (Education of Sex) وليس "الثقافة الجنسية" كما يتم الترويج لها عندنا والفرق كبير بين المصطلحين، لأنّ ما يطالبون به مطبق عمليا طبقا للأجندة النسوية في بعض الدول الغربية من خلال تعليم المراهقين الجنس وكيفية ممارسة ما أطلقوا عليه "الجنس الآمن"(23) الذي يوفر لهم انحلالهم بعيدا عن الحمل والأمراض التناسلية. وفي ذلك توضح وثيقة بكين في المادة (83) الإجراءات التي يتعين اتخاذها من جانب الحكومات والسلطات التعليمية وسواها من المؤسسات التعليمية والأكاديمية بشأن تعليم الجنس حيث تقول المادة: "وعند الاقتضاء إزالة الحواجز القانونية والتنظيمية والاجتماعية التي تعترض التعليم في مجال الصحة الجنسية والإنجابية في إطار برامج التعليم الرسمي بشأن مسائل الصحة النسائية، والعمل على وضع برامج تعليمية جنسية للبنات والبنين وإيجاد خدمات متكاملة بغية زيادة وعيهم بمسؤولياتهم ومساعدتهم على تحمل هذه المسؤوليات، مع مراعاة أهمية التعليم والخدمات المشار إليها بالنسبة إلى نمو الشخصية واحترام الذات، وكذلك مراعاة الحاجة إلى تفادي الحمل غير المرغوب فيه وتفشي الأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، ولا سيما فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز.
10- انعكاسات مصطلح تحرير المرأة على هوية بعض النساء في العالم الإسلامي:
يتفاوت تعاطي نساء العالم الإسلامي مع الدعوات التحررية لمضامين مصطلح تحرير المرأة وذلك بحسب قربهن أو بعدهن عن الفهم الصحيح للدين الإسلامي، فهناك الرؤى التي ترفض الاصطلاح جملة وتفصيلا وترى أن الإسلام كرّم المرأة بصورة أرقى من نظرة الغرب لتحرير المرأة، وهناك فريق ثاني يستحسن معطيات الإسلام ويستحسن أيضا الرؤية الغربية لتحرير المرأة وإن كان الأصل عنده هو الرؤية الغربية ورؤية الإسلام تابعة لها.
أما الفريق الثالث فهو أشد تطرفا فهو يرفض الإسلام ويحاربه، ويرى أن الخلاص في تنحيته واستبداله بالرؤية الغربية لتحرير المرأة.
وبدورنا سنحاول الاقتراب من الفريق الثالث المتطرف لنتعرف على المدى الإفسادي الذي يمكن أن يحدثه اصطلاح تحرير المرأة في العالم الإسلامي.
وسيكون هذا الاقتراب من خلال أحد مؤتمرات المرأة التي ربطت بصورة مباشرة بين تحرير المرأة والإسلام وخرجت فيه الأبحاث بأقلام عربية. والذي حمل عنوان "الإسلام، العلمانية والمرأة في الشرق الأوسط" وعقد عام 2002 في إحدى قاعات جامعة لندن بواسطة مركز دراسات المرأة في الشرق الأوسط وبالتعاون مع مجلة ميدوسا النسوية الإيرانية وذلك بمناسبة يوم المرأة العالمي المحدد من قبل الأمم المتحدة، وقد اشترك في هذا المؤتمر عدد من الناشطات النسويات في الشرق الأوسط(24).
وقد تناولت أوراق المؤتمر أهمية قيام الدولة العلمانية، ووجوب فصل الدين عن الدولة في الشرق الأوسط، مستشهدين في ذلك بما وصفوه بحجم الانتهاكات التي تتعرض لها النساء تحت أحكام الشرائع الدينية والإسلامية في الدول التي تسودها القوانين الدينية والإسلامية في الشرق الأوسط وانتهى المؤتمر إلى ضرورة تطبيق الاتفاقيات الدولية فيما يتعلق بحقوق النساء وذلك بديلا عن الإسلام.
وقد أوضحت "سهيلة شريفي" في ورقتها أن الإسلام هو العائق الرئيسي أمام حرية المرأة ومساواتها وأنه حتى تنال المرأة حقوقها فإنه يجب مقاتلة الإسلام والقضاء عليه، تقول "سهيلة شريفي": "الإسلام والقوانين الإسلامية هو العائق الرئيسي أمام حرية المرأة ومساواتها وقد تُركنا نحن الناشطات النسويات بدون خيار إلا لمقاتلة الإسلام، كل خطوة نتخذها تتطلب كسر القوانين الإسلامية الني وضعت بمواجهة أي تطلّع نحو المدينة، الإسلام والإسلام السياسي هو في الحقيقة قوة يجب أن تهزم، من أجل المضي قدما من أجل إحداث التغيير في حياة النساء، إن تاريخ الإسلام وعلى الأخص في الثلاثين سنة المنصرمة من الصعود والحكم بشكل جلي بُني على الإرهاب والخوف والتمييز الجنسي وفرض القوانين غير الإنسانية على النساء"(25).
هذا الطرح اتفقت معه "نادية محمود" في كلمتها الافتتاحية بقولها: "إن نضال النساء في الشرق الأوسط قد تواجه مع أكثر أشكال الثقافة رجعية ومعاداة لحقوق المرأة، إنّ هذا ما يميز نضالنا في الشرق الأوسط عن بقية النساء في العالم، إن هذا ما جعل من نضالنا ومهامنا أكثر جسامة.... مرة أخرى أؤكد نضال النساء في الشرق الأوسط سوف يحسم بين قطبين: تيار الحركة النسوية الداعية للمساواة والحركة العلمانية من جهة، والإسلام السياسي ومؤسساته من جهة أخرى"(26)، واتفقت "مريم نمازي" مع جميع المشاركات في المؤتمر بقولها: "لا شيء يخفي حقيقة أن الإسلام شأنه شأن الأديان الأخرى (التي هي المسيحية واليهودية)، هو دين معاد للمرأة وكاره للنساء ومتناقض مع حقوق المرأة واستقلالها الذاتي"(27). [...]
______________
(1)فاليري ساندرز: الموجة النسوية الأولى؛ أبحاث كتاب النسوية، تحرير سارة جامبل، ترجمة: أحمد الشامي، المشروع القومي للترجمة-المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
(2)الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة: إشراف وتخطيط ومراجعة د. مانع بن حماد الجهني، ج1، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، الرياض، ط4، 1420ﮪ، ص 453-457.
(3)مقدمة مترجم كتاب النساء في الفكر السياسي الغربي، مرجع سبق ذكره، ص5.
(4)تؤمن النسوية الراديكالية بأن ما يطلق عليه السلطة الذكورية هي أصل البناء الاجتماعي لفكرة النوع (كون الإنسان رجلا أو امرأة) وترى أن هذا النظام لا يمكن إصلاحه، ولذلك يجب القضاء عليه، لا على المستوى السياسي والقانوني فحسب، ولكن على المستوى الاجتماعي والثقافي أيضا.
(5)سوثورنام: الموجة النسوية الثانية، أبحاث كتاب النسوية وما بعد النسوية، تحرير سارة جامبل، ترجمة: أحمد الشامي، المشروع القومي للترجمة -المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ص 60-63.
(6)كاثرين بالم فورث: ندوة حول اتفاقية السيداو؛ 4 يناير 2000م، على هامش مؤتمر المرأة والعولمة الذي عقد بالخرطوم، في؛ مُثَنَّى أمين الكردستاني: حركات تحرير المرأة من المساواة إلى الجندر دراسة إسلامية نقدية، دار القلم للنشر والتوزيع، القاهرة، 2004، ص 292.
(7)سوزان موللر أوكين: النساء في الفكر السياسي الغربي، ترجمة؛ إمام عبد الفتاح إمام، بالتعاون مع المشروع القومي للترجمة بالمجلس الأعلى للثقافة، مشروع القراءة للجميع، مكتبة الأسرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2005، ص187.
(8)أليسون جابر: النسوية والدين؛ أبحاث كتاب النسوية وما بعد النسوية؛ تحرير سارة جامبل، ترجمة: أحمد الشامي، المشروع القومي للترجمة -المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ص236. يعتبر هذه الكتاب الصادر عن دار روتليدج للنشر بنيويورك قاموسا للنسوية وما بعد النسوية وقد نشر عام 2000.
(9)فريدة بناني: مقاربة للعنف الموجه ضد المرأة/الطفلة ومدى شرعيته وآثاره على الحقوق الصحية والحقوق الإنجابية، سلسلة أبحاث المؤتمرات، مائة عام على تحرير المرأة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة.
(10)يشير مصطلح الأبوي إلى علاقات القوة التي تخضع في إطارها مصالح المرأة لمصالح الرجل أو أي سلطة خارجية أخرى كالقانون أو الدين أو العرف -انظر ستيفاني هودجسون- رايت: بواكير النسوية، أبحاث كتاب النسوية وما بعد النسوية، تحرير سارة جامبل، ترجمة: أحمد الشامي، المشروع القومي للترجمة-المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ص22.
(11)حنان نجمة: العنف ضد المرأة وقوانين العقوبات العربية، سلسلة أبحاث المؤتمرات، مائة عام على تحرير المرأة، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ص34.
(12)تقرير مؤسسة راند: الإسلام الديمقراطي المدني، مصدر سبق ذكره، ص28.
(13)انظر: د.خالد قطب: الفكر النسوي وثنية جديدة: أبحاث كتاب؛ الحركة النسوية وخلخلة المجتمعات الإسلامية -المجتمع المصري أنموذجا، تحرير الهيثم زعفان، كتاب البيان، سلسلة الحركة النسوية في العالم العربي الصادرة عن مجلة البيان(1)، 1427ﮪ.
(14)أليسون جابسر: النسوية والدين، مصدر سبق ذكره، ص236.
(15)منهاج العمل: اعتمده المؤتمر العالمي الرابع بالمرأة في 15 سبتمبر 1995، وتعقد له تقييمات تتبعية كل خمس سنوات، ترفع فيها الحكومات والمنظمات غير الحكومية تقاريرها، توضح فيها حجم تطبيقاتها لهذا المنهاج في مجتمعاتنا.
(16)وثيقة المؤتمر العالمي الرابع ببكين: وثائق الامم اللمتحدة المعنية بالمرأة، الأمم المتحدة، نيويورك، 1995.
(17)تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة، نيروبي، 1985م، الفصل الأول، الفقرة 57، مجموعة وثائق الأمم المتحدة المعنية بالمرأة، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك، 1958.
(18)اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة اعتمدت وعرضت للتوقسع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 34/180 المؤرخ في 18 ديسمبر 1979
- تاريخ بدء النفاذ: سبتمبر 1981، وفقا لأحكام المادة 27 (1)، وهي اتفاقية متطورة من معاهدة حقوق المرأة السياسية لعام 1952 م، مجموعة وثائق الأمم المتحدة المعنية بالمرأة، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك، 1979.
(19)كاثرين بالم فورث: نوة حول اتفاقية السيداو؛ مثنى أمين الكردستاني، مرجع سبق ذكره ص 79، ص 304.
(20)البروتوكوا الاختياري الملحق باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة -اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 4 الدورة الرابعة والخمسون بتاريخ 9 أكتوبر 1999 -تاريخ بدء النفاذ 22 ديسمبر 2000، وفقا لأحكام المادة 16، مجموعة وثائق الأمم المتحدة المعنية بالمرأة، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك، 1999.
(21)تقرير المؤتمر العالمي لاستعراض وتقييم منجزات عقد الأمم المتحدة للمرأة: المساواة والتنمية والسلم 1405ﮪ - 1985م، نيروبي، مصدر سبق ذكره، الفصل الأول/ثانيا-الفقرة 158.
(22)وثيقة استعراض وتقييم تنفيذ منهاج عمل بكين -خمس سنوات على مؤتمر بكين: لجنة مركز المرأة، المجلس الاقتصادي والاجتماعي، مجموعة وثائق الأمم المتحدة المعنية بالمرأة، الأمم المتحدة، منشورات الأمم المتحدة، نيويورك، 2000.
(23)الجنس الآمن "Safe Sex" مصطلح تكرر كثيرا في وثائق الأمم المتحدة وفي كتابات دعاة تحرير المرأة، وهو مصطلح يقوم على حق المرأة في إشباع غريزتها بالصورة التي تقررها هي، لا التي تضبطها لها أية معايير أخرى، ومن ثم فهي تشبع رغبتها بصورة توفر لها الحماية من الوقوع في براثن الأمراض الجنسية أو الحمل غير المرغوب فيه، وحتى يتحقق هذا الأمان الانحلالي لا بد من توافر عنصرين هامين، الأول هو تعليم الجنس وذلك حتى تتعلم المرأة كيف تحصل على المتعة دونما مخاطر، العنصر الثاني هو توفير خدمات ما يطلق عليها الصحة الإنجابية، والمتمثلة في موانع الحمل والواقيات الذكرية والأانثوية، تقول المادة (108/م) من وثيقة بكين: "كفالة توفير حصول الأزواج (والأفراد) على الصعيد العالمي على الخدمات الوقائية المناسبة وبأسعار زهيدة، فيما يتعلق بالأمراض التي تنتقل عن طريق الاتصال الجنسي، بما في ذلك فيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، وذلك من خلال نظام الرعاية الصحيو الأولية، وتوسيع نطاق توفير =المنشورة= وخدمات التشخيص والعلاج الطوعية والسرية للمرأة". ويمتد الامر أحيانا في الأاطروحات العولمية لتحرير المرأة للإشارة إلى أن أفضل مراحل الجنس الآمن لا يتم تحقيقها إلا مع المثلية الأنثوية.
(24)بمناسبة يوم المرأة العالمي عقد مركز دراسات المرأة في الشرق الأوسط، بالتعاون مع مجلة ميدوسا الإيرانية، في لندن مؤتمرا نسويا شرق أوسطيا تحت عنوان: المرأة، الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط بحضور عدد من الناشطات النسويات من الأردن والسودان والكيان الصهيوني وإيران والعراق وكردستان العراق... وذلك في يوم السبت المصادف 9 مارس 2002 من الساعة العاشرة صباحا وحتى الساعة الخامسة عصرا وعلى قاعة UL Malet Street London WCIE 7HY التابعة لجامعة لندن. وقد افتتحت المؤتمر رئيسة المركز العراقية "نادية محمود" ثم قدمت على التوالي كل من عايدة اسماعيل من "إسرائيل" "ممثلة عن منظمة نساء ضد العنف" بحثا بعنوان "قوانين الأحوال الشخصية بين الدولة الأبوية والقوانين" وقدمت سهيلة شريفي مساعدة رئيس مجلة ميدوسا بحثا بعنوان "الإسلام السياسي العائق الرئيسي أمام المساواة والعلمانية" ثم قدمت نادية العلي من جامعة اكسترا بحثا تحت عنوان "صورة المرأة في القرآن" وفي الجلسة الثانية قدمت نادية العلي من جامعة اكسترا بحثا بعنوان "المرأة والعلمانية في مصر" ثم قدمت مريم نمازي مسؤولة الاتحاد العالمي للاجئين الإيرانيين بحثا بعنوان "الإسلام السياسي والمرأة في الشرق الأوسط" وقدمت شيرلي دينت بحثا بعنوان "صورة المرأة في الإعلام البريطاني" واختتم المؤتمر بعرض فيلم وثائقي قدمته سوسن سليم من منظمة كردستان للنساء اللاجئات. ونشرت أوراق المؤتمر في مجلة النساء الصادرة عن مركز دراسات المرأة في الشرق الأوط، العدد الرابع، يوليو 2002.
(25)سهيلة شريفي: "الإسلام السياسي العائق الرئيسي أمام المساواة والعلمانية"، مجموعة أوراق مؤتمر "المرأة، الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط"، مجلة النساء، العدد الرابع، يوليو 2002.
(26)نادية محمود: كلمة افتتاح مؤتمر "المرأة، الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط"،9 مارس 2002.
(27)مريم نمازي: "الإسلام السياسي والمرأة في الشرق الأوسط"، مجموعة أوراق مؤتمر "المرأة، الإسلام والعلمانية في الشرق الأوسط"، مجلة النساء، العدد الرابع، يوليو 2002.
مصدر: كتاب المصطلحات الوافدة وأثرها على الهوية الاسلامية، الهيثم زعفان، مركز الرسالة للدراسات والبحوث الإنسانية، مصر، القاهرة، 2009م.
اترك تعليق