كلمة سماحة الشيخ محمد خاتون في مؤتمر القراءة والنهوض الثقافي: القراءة والتأليف وصناعة الوعي في مواجهة الحرب الثقافية
كلمة سماحة الشيخ محمد خاتون (عضو المجلس المركزي في حزب الله) في مؤتمر القراءة والنهوض الثقافي.
الموضوع: القراءة والتأليف وصناعة الوعي في مواجهة الحرب الثقافية.
المكان: قاعة السيدة الزهراء(ع) في مبنى الجمعيات.
الزمان: 23 نيسان 2015م.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
حقيقة أنا لا أريد أن أتجاوز -باعتبار أن الوقت ثمين حتى لا يداهمنا أيضاً- (..)، فيما يتعلق بهذا الأمر؛ المعرفة والحرب الثقافية، لعلّ الإنسان إذا نظر إلى موضوع الثقافة، وكيف يواجه الحرب الثقافية الملقاة عليه، أي أنّ هناك حرب نحن نواجهها، كيف ينبغي علينا أن نواجه هذه الحرب الثقافية؟
أصلاً قبل أن يكون هناك شيء يسمى حرباً ثقافية، نحن نتعرض بالأساس لحرب شيطانية، وهي حرب الجهل؛ الجهل والتجهيل، يعني الآن يوجد عولمة، يوجد تكفير، ما له علاقة بالفكر الإسلامي، بين الشرق والغرب، بين العرب والعجم، هذه مسألة حادثة، لو لم تكن هذه المسألة الحادثة موجودة، هل يعني ذلك أنه لا ضرورة لأن نواجه الحرب الثقافية أو بالتالي ليس هناك حرب ثقافية؟ لا، منذ أن وُجد الإنسان على وجه الأرض كانت هناك حرب ثقافية تُشنُّ عليه، وهنا من الضروري أن نُعدّل مفهوم كلمة الثقافة وماذا نعني بالثقافة؟
المخزون؛ هذا الوعاء الإنساني وعاء القلب؛ يتحدث أمير المؤمنين عليه السلام مع كميل ويقول له كلمات تمرّ من كميل بن زياد -رحمه الله- إلينا: "يا كميل إن هذه القلوب أوعية، فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: الناس ثلاثة: فعالم رباني ومتعلّم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح" لما؟ لأنهم "لم يستضيئوا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق"، ما بعد ذلك يفصّل أمير المؤمنين عليه السلام هذه الكلمات العظيمة الرائعة لتبني الأجيال فيما بعد.
إذاً حتى ولو لم يكن هناك حرب ثقافية معينة تُشنّ علينا، فإن الحرب موجودة وهي حرب الجهل. الشيطان لا يريد منا أن [نعرف ونتعلم]، لديه قدرات نعم، الشيطان لديه قدرات...
عندما نتأمل قول الله سبحانه وتعالى: «قُلْ هلْ يَستوي الذينَ يعلمونَ والذين لا يعلمُون» (سورة الزمر، الآية: 9) نتساءل هل كان هناك حرب ثقافية في تلك المرحلة؟ إنّ الذي عانته شبه الجزيرة العربية هو الجهل، الجهل المتراكم. فإذاً الحرب الثقافية موجودة شئنا أم أبينا، سواء كان هناك أبواق إعلامية مضادة لنا كمسلمين كعرب، كشرق أو ما شابه ذلك، أو لم يكن ذلك.
إذاً نحن أمام حرب ثقافية بالأصل وهي لا تستهدف فئة معينة، هي تستهدف الإنسان وتستهدف المجتمعات الإنسانية، وهذه الحرب كما أنها شاملة على مستوى الفئات، هي شاملة أيضاً على مستوى مجالاتها، فهذه الحرب استهدفت المبادئ والمعتقدات، واستهدفت في نفس الوقت القضايا الأخلاقية والسلوكية، وعندما يكون الإنسان غير ذي ثقافة أصيلة، ويتعرض لأيّ ريح من الرياح فإنه يتأثر بها، تماماً كالإنسان الذي يذهب إلى بيئة موبوءة ولم يكن قد أخذ ما نسمّيه بالطُعم الذي يحصّنه من الأمراض التي يمكن أن تفتك به.
إنّ طرق المعرفة موجودة عند الإنسان منذ الولادة فبمجرد خروجنا من بطون أمهاتنا "ولا نعلم شيئاً" كما قال الله عزّ وجلّ: «والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمُون شيئاً وجَعَلَ لكم السمعَ والأبصارَ والأفئدة» (سورة النحل، الآية: 78) يعطينا الله هذه الطرق، طرق الحواس، طرق المعرفة، هذه الطرق موجودة عند كل إنسان، وتتطوّر شيئاً فشيئاً.
طبعاً، ذكر الإخوة قبلي في الجلسة الأولى وذلك عندما تحدثوا عن دور المؤسسة ودور الأسرة، في هذه العملية طبعاً هناك التنشئة التي يقوم بها الآخرون، لكني أنا الآن أريد أن أتحدث عن جانب آخر، وهو فيما يتعلق بدخول عوامل جديدة في الحرب علينا [...]، لا أقول أنها هي التي فتحت باباً لإقامة مثل هذا المؤتمر، هذه المؤتمرات ينبغي أن تُعقد في حال وُجدت أفكار هدّامة أم لم توجد لأن الذي نواجهه هو الجهل، وطالما أنه ليس عندنا علم فإذاً هناك جهل نحاربه في داخلنا، كما أنّ هناك تجهيل يقوم به بعض الناس؛ كما هي طريقة "عم علّملكم كامل" ودعونا هنا نترجمها، إنّ هذه المسألة كانت موجودة في يوم من الأيام، يعني أنّ هذا الشخص (كامل) يتعلم بالنيابة عنكم وأنتم ينبغي أن تبقوا هكذا، أو كما هي طريقة زعيم آخر "إنو هودي إذا تعلّمو نحن مين هنّي اللي منقدر نستزلمهم فيما بعد"، هذا أمر (كان) موجود؛ أمثال هذا الزعيم يعتبر أنّه إذا تعلّم الناس فأين الرعاع الذين تحدث عنهم علي بن أبي طالب عليه السلام؟ علي يريد أن يُخرج الرعاع إلى حالة العلم ليكونوا قدوة، وهؤلاء الزعماء يريدون من الناس أن يخرجوا من دائرة الأمة إلى دائرة الرعاع الذين يحتاجون إلى من "يستزلمهم".
والآن يأتي طبعاً عنوان التكفير كشيء يضيف لأهمية العلم والتعليم الكثير. وهنا طبعاً نقول أن هناك وسائل ساهمت في عملية التجهيل في بعض الحالات، طبعاً ما ذُكر من قِبل بعض الأخوات الكريمات، أنّ وسائل التواصل وغيرها ليس لها علاقة، "ما حدا يقول يلعن أبو الواتس اب"، طبعاً نحن استفدنا استفادة خاطئة، يعني لا يقول أحد منّا: "اللهم عطّل إرسالهم وامنع عنهم الواي فاي"، يعني هل تُحلّ المشكلة عندئذٍ؟! لا، هذا أمر مطلوب والتواصل لا بدّ منه، عملية التواصل، لا يشتمنّ أحد التلفاز لأنه من خلال التلفاز عرفنا الإمام الخميني رضوان الله عليه، بالإذاعة عرفناه، من خلال هذه الوسائل عرفناه، المشكلة ليست في الوسيلة المشكلة عند من يستعمل الوسيلة بغير الطريق الصحيح الذي ينبغي أن تستعمل من أجله.
هنا نأتي إلى موضوع القراءة بشكل أو بآخر، فعندما يُقال عادة ليس هناك قارئ عربي –هنا أشير إلى مسألة تحدثت عنها الأخت سوزان- في فترة من الفترات ذهبت إلى ألمانيا، طبعاً ألمانيا فيها فيلسوفان معروفان غوتيه ونيتشه، أمة غوتيه ونيتشه صارت أمة بيكين باور، بيكن باور من هو؟ هو لاعب أسطوري، نعم لاعب أسطوري، لكن ما قيمة اللاعب الأسطوري أمام الفيلسوف الأسطوري؟!
حتى هم –أي الغرب- يشكون من هذا الموضوع، نعم ربّما لم يصلوا إلى الدرجة التي وصلنا إليها نحن. وقد أشارت الأخت منار إلى هذا الموضوع قبل قليل عندما تحدثت عن إحصائية الـ4% لا أعرف كم هي نسبة التصحّر عندهم، ربما الـ40% أو الـ60% قد يسمّونها تصحّر، أما إذا زادت عندنا إلى الـ5% نقول "والله مليح أنو صرنا 5%"، يعني مثل الذي يأخذ عادة علامة صفر على عشرين وعندما يأخذ في إحدى المرات علامة واحد على عشرين، يعتبر عندها أنّ هذا أمر مهم. يا ترى [...] هؤلاء فلاسفة، [..] وبيكن باور هو عبارة عن لاعب فوتبول صار مدرّب أسطوري، الآن لديه نادٍ من
الأندية، هو شخصية صارت معروفة، طبعاً مع التقدير والاحترام للرياضة ولشخصه، ولكن هل يمكن أن يُقاس عطاؤه بعطائهما؟ هنا جوهر الكلام.
هنا أسأل سؤالاً هل يوجد قارئ عربي أو أنه لا يوجد قارئ عربي، طبعاً على نحو المبالغة، طبعاً
يوجد قرّاء لكنّهم قلة، لكني هنا أسأل هل هناك كاتب عربي؟ هل عندنا إبداع في الكتابة حتى يكون هناك إبداع في القراءة؟
قد أقول لشخص "إقرأ لي هذا الكتاب" فيقول "لقد قرأته، وهو مجتزأ من هنا ومن هناك"، قد يقوم شخص بتجميع كتاب من هنا ومن هناك. بعض الناس ألّفوا كتاباً في يوم واحد، هذا "التأليف بيوم"... طبعاً لا أقصد بكلامي أن نرجع إلى الوراء ونسافر بالمراكب بلا مولدات، فتكون مدة السفر إلى الهند سنة ومدة الرجوع سنة ويستغرق في تأليف الكتاب سنة، خاصة أنه سوف ينسخ الكتاب بخط اليد، لا، أقول: إذهب إلى الهند في مدة تستغرق يوما واحدا واحصل على نسخة من الكتاب وارجع في نفس اليوم، لا مانع من هذا، ولكن بشرط أن يكون ما يؤتى به فكرة جديدة، كتابة جديدة، قيمة علمية معرفية جديدة، هنا الإبداع، هذا هو الإبداع.
طبعاً الغرب لديه إبداعاته، حتى أنّ هذه الإبداعات، بالنسبة إلى الغربيين، أَثْرَت لغتهم، هنا أريد أن أشير إلى أمر وهو أننا حينما نتحدث على المنبر؛ كعلماء دين، وعّاظ، أساتذة جامعات... أتحدى أن يقوم أحدنا بإلقاء محاضرة كاملة بدون أن تحتوي على مصطلحات أجنبية، طبعاً هذا الأمر أثرى لغتهم –أي الغربيين-، لكن ما الذي فعله باللغة العربية؟ نحن عندما نستخدم الواتس اب، نقوم بالتخاطب فيما بيننا بـ"لغة الكمبيوتر"، ولم نعد نكتب بشكل صحيح، أو نتحدث بشكل صحيح، وتأثرت لغتنا أيّما تأثر بما وصلنا إليه.
هل نستطيع أن نرفع هذا الأمر، يعني لدينا مشكلة بالنسبة للكتابة؟ نعم لدينا مشكلة بالنسبة للقراءة؟ طبيعي مشكلة "الكتابة" ومشكلة "القراءة"، لكن هنا نقول هل نستطيع أن نُزيل هذا الكابوس عنا؟ نعم.
نحن رفعنا مستوى التحدي القتالي أمام العدو، ومع أن الله عزّ وجلّ يقول: "كُتب عليكم القتالُ وهو كُرهٌ لكم وعسى أنْ تكرهوا شيئاً وهو خيرٌ لكم وعسى أن تُحبوا شيئاً وهو شرٌّ لكم واللهُ يعلمُ وأنتم لا تعلمون" (سورة البقرة، الآية: 216) نحن عندما نقول هذه الكلمات لا نمرّ عليها مرور الكرام، هؤلاء الأبطال الذي جاهدوا «فمنهم من قضى نحبه ومنهم مَنْ ينتظر وما بدلوا تبديلا» (سورة الأحزاب، الآية: 23)، بذلوا أقصى ما يمكن للنفس البشرية أن تبذله وهو الدم، والذي ليس فوقه بِرّ، والتحدي يكمن هنا، الآن توجد بيننا أم الشهداء الحاجة أم عماد، وهي نموذج نفتخر به، ما هو العمل الذي قامت به؟ قدّمت أبناءها، أو يمكن أن يقال هم –أي أبناؤها- قدّموا أنفسهم وهي قدّمتهم، وأبوهم قدّمهم. هذا العطاء كان في أوجه، إنّ الذي يستطيع أن يقدم هذه العطاءات، أن يقدم الولد وأن يقدّم النفس أليس قادراً على أن يقرأ صفحة؟! أليس قادراً على أن يقرأ كتاباً؟! قد يقول شخص الآن أنا أقدر أن أقوم بعملية استشهادية لكن لا تطلب مني أن أقرأ كتاباً، حقيقة هذه مفارقة عجيبة.
طبعاً (..) يجب أن نعرف سبب هذه المسألة؛ في تلك الأيام لم تكن لدينا إلا القراءة [..] نحن في فترة من الفترات، منذ 40 سنة، والتي يمكن أن يكون الدكتور عباس قد عايشها، وبعض الأخوات اللواتي هنّ بسنّ يسمح لهنّ بذلك، كان التحدي أن المثقف المتديّن يفترض عليه أن يفهم كتابي "إقتصادنا" و"فلسفتنا"، هذا المتديّن كان في وقت من الأوقات مهتماّ بالثقافة، ما مقدار هذه الثقافة؟! ثمّ خبت هذه المسألة وبدأنا بالجهاد، طبعاً هو تحدي ونحن رفعنا مستوى التحدي، ماذا لو رفعنا من مستوى التحدي الثقافي، هذا على عُهدة من؟ من الذي يتصدى لهذا الأمر؟ علماء الدين؟ صحيح، ويمكن أن يكون سماحة السيد حسن أول شخص يتحدث في هذا الشأن ويركّز عليه، كل رجل يجب أن يتحمل المسؤولية وكل امرأة يجب أن تتحمل المسؤولية وتلتفت إلى هذا الموضوع، خاصة في موضوع التنشئة الثقافية والمعرفة. أنا أقوم بصلاة وعلي بن أبي طالب يقوم بصلاة، صلاتي وصلاة علي في الظاهر واحدة لكن أين صلاتي من صلاة علي؟! صلاة علي مقرونة بمعرفة علي وصلاتي أنا مقرونة بمعرفتي أنا، وأين معرفتي أنا من معرفة علي الذي قال "لو كُشف لي الغطاء ما ازددت يقينا".
على كل حال أريد أن أختم بهذه المسألة؛ نحن لدينا المطالعة ولدينا التأليف، والبعض ينظر إلى أنّ
المطالعة والمعرفة هي عبارة عن واجب كفائي إذا قام به البعض سقط عن الجميع وهذا خطأ قاتل. ما هو الفرق بين الواجب الكفائي والواجب العيني؟ سأعطي مثلاً: لا نقول الشيخ صلى بالنيابة عني، الشيخ صلى لنفسه وليس عني، أو نقول أبي صلي بالنيابة عنا نحن!
نعم أستطيع أن أسأل أحدهم، اثنان، ثلاثة هل دفنتموه؟ يكفي أن يُدفن، هذا ما يسمونه أموراً تَوَصُّليّه، وليس عبادية.
كل إنسان يجب عليه أن يقوم بهذه العبادات، فمثلاً الصلاة واجب عيني وليست واجب كفائي بحيث أنه لو قام بها أحد المكلفين سقطت عن الآخرين بل هي واجبة حتى على جميع المكلفين. وكذلك المطالعة، باعتبار أنها سبيل إلى المعرفة، والمعرفة واجبة، ولأن مقدمة الواجب واجبة، تصبح المطالعة أمراً واجباً، ولا نقول أنّ الشيخ يطالع بالنيابة عنا، والأستاذ يطالع بالنيابة عنّا، و..، باعتبار أن هذه المعرفة هي معرفة خاصة بهؤلاء المتعلمين.
نعم، التأليف يمكن أن يكون موهبة عند البعض، ويُوكل إلى هذا البعض هذا الأمر، «وَمَا كانَ المؤمنونَ لينفروا كافة فلولا نَفَرَ من كلِّ فرقةٍ منهم طائفةٌ ليتفقهوا في الدين» (سورة التوبة، الآية: 122).
أسأل الله التوفيق والحمد لله رب العالمين.
اترك تعليق