مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر الأمن الأسري في 7 نيسان 2016

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر الأمن الأسري في 7 نيسان 2016

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر الأمن الأسري في 7 نيسان 2016

بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.
بداية، أرحب براعي مؤتمرنا سعادة وزير التربية الأستاذ الياس أبو صعب، وبضيوفنا الأعزاء وبالعلماء الأفاضل والأساتذة المحترمين المشاركين في فعاليات هذا المؤتمر، وبسائر من شرّفنا بالحضور وخصوصاً الفعاليات النسائية الاجتماعية والثقافية والاعلامية والتربوية النشطة في مجتمعنا... من سائر المناطق والطوائف والمؤسسات. أرحب بكم جميعاً وأهلاً وسهلاً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
"الأمن الأسري"، هو الموضوع الذي اخترنا هذا العام، كجمعية أهلية، أن نجعله عنواناً لمؤتمرنا، ليس فقط بهدف البحث والنقاش، وإنما للمساهمة بما يتوجب علينا لجهة رفع مستوى اهتمام المعنيين في مجتمعنا، بل وطننا ككل في هذا الشأن. فالأمن الأسري يعد مطلباً أساسياً بالغ الأهمية على كافة الصعد، إضافة إلى كونه من أهم وأسبق المفاهيم المشابهة، من مثل -الأمن الفكري والأمن الوطني والأمن العام- إذ جميعها تبنى وترتكز عليه، نظراً لما تمثله الأسرة من نواة أساسية ووحدة بنائية صغرى لقيام المجتمعات التي تترابط وتتشابك مصالح أسرها، بحيث يصبح أمنها أمناً للوطن، وعدم استقرارها يعدّ مساساً بأمن الوطن العام.
وإنّه من هنا يتقدم الأمن الأسري على سائر الهموم ليكون في مقام الأولوية الأولى والمصلحة العليا على صعيد الوطن أو الدولة أو أي بلد ينشد الاستقرار والأمن بحق، باعتبار أنه من غير الممكن أن يستقيم مجتمع أو يتقدم وطن أو يطمئن فرد، دون ترسيخ وتوطيد دعائم الأمن الأسري، الذي أولته الشرائع السماوية وأولاه الإسلام كرسالة خاتمة تحديداً عناية كبيرة لكونه يمثل المحور الأشد تأثيراً في حياة الأفراد والجماعات، وعليه يقوم الدور الأساسي والرئيسي لعملية بناء واستقرار المجتمعات وتحصينها ودعم سلوك أفرادها وفق منظومة التعاليم الإلهية الجامعة التي تجعل من الأسر حصوناً منيعة في مواجهة العابثين.
قال تعالى على لسان نبي الله إبراهيم عليه السلام «ربِّ اجعَلْ هذا بلَداً آمناً» (البقرة 126)، أي معتصماً بالأمن والاطمئنان وطمأنينة النفس وزوال الخوف. أشير إلى أنّ مادة أمن ومشتقاتها وردت في القرآن الكريم أكثر من ثمانمائة مرة.
فالأسرة، في المنظور الديني، هي أحد أهم الأنظمة الاجتماعية التي ظهرت مع خلق الله تعالى للإنسان، وعليها اعتمدت كل المجتمعات، من قديم الزمن وإلى أيامنا هذه، في رعاية أفرادها منذ قدومهم إلى الحياة، لجهة توجيههم وتربيتهم وتلقيهم ثقافة المجتمع وتقاليده وأعرافه وآدابه، وصولاً إلى تهيئتهم لتحمل مسؤولياتهم الاجتماعية.
وإنّه بهذه المسؤوليات اكتسبت الأسرة أهميتها ومكانتها عبر المسار التاريخي الطويل، ولا شك أن هذا الدور الأسري العظيم الذي ابتدعته الرحمة الإلهية وأعطته هذا البعد، لا تتحقق فعاليته إلا في ظل أُسرٍ  واعية ومستقرة، تحقق لأبنائها كل ما أقرته لهم الشرائع السماوية من الأمن الاجتماعي والجسدي والغذائي والاقتصادي والبيئي والصحّي، بما يشبع حاجاتهم النفسية والروحية ويلبي تطلعاتهم إلى الاستقرار والطمأنينة، بحيث تشمل مروحة الأمن التي ترعاها مظلة الدولة كل الجوانب التي يحتاجها الفرد في مجتمعه، ابتداء من أمنه على نفسه من الأخطار المحدقة به، إلى أمنه على ماله وغذائه، وأمنه على عائلته وأبنائه من الثقافات المستوردة والمعلّبة بأشكال مغرية، وصولاً إلى تحقيق حال من التكامل بين سائر المقومات الأساسية الضرورية والتي منها تحقيق الأمن الاقتصادي، أي بضمان الحد الأدنى من المدخول الذي يغطي مصاريف العائلة واحتياجاتها، وتحقيق الأمن الصحّي بضمان الحد الأدنى من الطبابة والرعاية لكل فرد في العائلة، إضافة إلى المقومات الأساسية التي تمكن الأسرة من النهوض بدورها، كجناح آخر رديف للدولة.
فالتحديات الكبيرة التي تواجهها مجتمعاتنا تستوجب تضافر الجهود الرسمية والأهلية، باعتبار أن من مصلحة الدولة ومؤسساتها تفعيل دور المجتمع والسعي لتحقيق التنمية البشرية فيه، بهدف اشراك الجميع في تحمّل المسؤولية الوطنية وتخفيف الأعباء.
فالأمن الأسري هو في جانب استراتيجيات وخطط تنمية وبرامج اجتماعية وثقافية تستهدف توفير الأمن الشامل الذي يحيط بالأسرة، إضافة إلى تفجير الطاقات المخبئة داخلها للحصول على أكبر قدر من الناتج الذي ينعكس بدوره على رفاهية المجتمع واستقراره ككل، لأنه متى انعدم وجود أي نوع من أنواع المخاوف حينها تصبح الأسرة بل المجتمع كله آمناً وقادراً على أداء مسؤولياته التي خُلق من أجلها كما قال تعالى في سورة قريش: «فليَعبُدُوا ربَّ هَذا البَيتِ * الذي أطعَمَهُم مِنْ جُوعٍ وآمَنَهُم مِنْ خَوْفٍ» (قريش 3-4)
ويبقى أن مجتمعنا اللبناني بات بحاجة ماسة إلى تفعيل الدور الأهلي، واستنهاض قدراته من أجل المساهمة في حماية الأمن الأسري ومواجهة زحف الفساد المخيف الذي لا يقف عند حدود.
وذلك أنّ أمن الإنسان لا يعني الحفاظ على حياته فقط، وإنما الحياة بكرامة من خلال الدراسة والتخطيط ونظم أمور هذه المسؤوليات. الأمن الأسري في بلدنا بحاجة ماسة إلى استراتيجية شاملة تهتم بالأسرة في كل مكان من الوطن، بحاجة إلى قيام هيئة عليا تتحمل مسؤولية التخطيط لأمن اجتماعي وفكري وتربوي وبيئي.. هيئة تضم ممثلين عن الأجهزة الرسمية المعنية وعن منظمات المجتمع المدني ومدراء المدارس والدوائر المعنية وأساتذة جامعيين في علم الاجتماع والتربية؛ بحيث يتم تحديد السبل الآيلة لتحقيق الأمن الأسري الشامل لمجموع الأسر على أرض الوطن.
فواقع الحياة من حولنا ينبّئ وبوضوح بأن احتفاظ أي مجتمع وطني بكيانه إنما يرتبط بأمرين لا بد منهما:
- الاستقرار الداخلي الذي يقوم على صلاح الأسر ونظم أمرها.
- والاستقرار الخارجي الذي يقوم على احتفاظ الوطن بشخصيته الجامعة وبالاستعداد الكامل من كافة أبنائه لمقاومة أي عدو طامع يتربص به.
وإنّه لتحقيق هذا وذاك فإنه لا بديل عن التوجه نحو تحقيق الأمن الأسري الذي به تتحقق العزّة والقوة والمنعة.
 

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التاريخ 14-2-2016

 


 

التعليقات (0)

اترك تعليق