مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر "الحجاب الإسلامي والتحديات المعاصرة"

كلمة الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر "الحجاب الإسلامي والتحديات المعاصرة"
المكان: مبنى الجمعيّات- قاعة السيدة الزهراء(ع)
الزمان: الخميس في 1 أيلول 2016م
  
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين، محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين.. 
بداية أرحب براعي مؤتمرنا سماحة نائب رئيس المجلس التنفيذي الشيخ نبيل قاووق حفظه المولى، وبضيفتينا الكريمتين الدكتورة الفاضلة مريم مجتهد زاده رئيسة منظمة النساء في الدفاع المقدس، والأستاذة الفاضلة السيدة سارة ترابي رشيد أستاذة مادة الفلسفة في الجامعة والحوزة في طهران، وبالدكتورة السيدة رباب الصدر شرف الدين، وبسائر الأخوة والأخوات المحترمين والعلماء الأفاضل المشاركين في فعاليات هذا المؤتمر، وبسائر من شرفنا بالحضور وخصوصاً الفعاليات النسائية الاجتماعية والثقافية والإعلامية والتربوية النشطة في مجتمعنا من سائر المناطق والطوائف والمؤسسات، أرحب بكم جميعاً وأهلاً وسهلاً بكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. 
 الحجاب الإسلامي والتحديات المعاصرة، هو الموضوع الذي اخترنا هذا العام كوحدة مركزية للهيئات النسائية في حزب الله.. أن نجعله عنواناً لمؤتمرنا باعتباره يمثل مسألة من أهم المسائل التي أثارت الجدل على المستوى الاجتماعي العام -محلياً وعالمياً- لما له من أثر كبير على صعيد تحديد الهوية، ودور أساسي في توجّه ومسلكية المجتمع بنسائه ورجاله.  
هذا الدور الأساسي الذي يؤديه الحجاب كفريضة من الفرائض التي يتوجب على المرأة المسلمة الالتزام بها مهما تغير الزمان والمكان، تتسع فعاليته لتغطي مروحةً واسعة من الأهداف والتي منها:  
• تحصين المجتمع ووقايته من الانحرافات الأخلاقية وعوامل الفساد والانحراف. 
• تعزيز الارتباط بتشريعات الإسلام وضمان تحرّك النساء في المجتمع بحرّية مشروعة وضمن أجواء مثقلة بالطهر الروحي والأخلاقي. 
• الحد من مساوئ ومتاعب الاختلاط بما يوفره الحجاب من ضمان قانوني يصون حركة المرأة ويعزز من فاعلية حضورها -الذي أكد عليه الإسلام- في مختلف الساحات العلمية والتربوية والثقافية والسياسية وغيرها. 
• الحفاظ على قيم ثابتة في حياة الأسر والمجتمعات، تشكل حاجة وضرورة لا تتغير بتغير الزمان والمكان. 
هذا الواقع الحيوي والفعال للحجاب، هو ما دفع بقوى الاستكبار منذ وطأت أقدامهم بلاد المسلمين، إلى اتخاذ قرارات صارمة بمواجهته، وذلك بعد أن صدموا بعقبتين أساسيتين: 
• الحضور المعنوي الكبير والراسخ للقرآن -كتاب الله العزيز- في بيوت المسلمين وعلى امتداد ساحاتهم..  
• وظاهرة الحجاب عند كافة النساء كفريضة دينية جامعة وذات أبعاد خطيرة على صعيد تعزيز الهوية وبث روح الانتماء والارتباط العملي بتشريعات الإسلام، وخصوصاً داخل الأسر..
وكان أن أقلقت هاتين العقبتين قادة تلك القوى الباحثة عن التسلط والهيمنة، بحيث أن رئيس وزراء بريطانيا "وليم جلادستون" وقف يومذاك في العام 1894م ليقول في مجلس العموم باستياء شديد "إن الأوضاع لن تكون جيدة في الشرق حتى نزيل الحجاب عن النساء لنغطي به القرآن". 
وتابع في قول آخر: "ما دام هذا الكتاب موجوداً فلن تستطيع أوروبا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان" وهكذا بدأت عملية فك الارتباط بين الأمة وقرآنها، وبين المسلمة وحجابها. 
وعليه كان أن مرّت الأمة الإسلامية بأزمنة صعبة وبالغة الشدة؛ إذ بدأت شيئاً فشيئاً تفقد توازنها وانضباطها وهويتها الإسلامية الغالية.  
وإنه خلال انقلاب تلك الأوضاع لا ندري كيف تطابقت الأمور زمنياً وعلى سبيل المثال لسحق ظاهرة الحجاب في مراكز الإسلام الثلاثة -مصر وتركيا وإيران- وذلك عبر مواجهات صريحة وعلنية وقاسية. 
ففي مصر بلد العروبة والإسلام والدولة التي أريد لها أن تكون من أوائل الدول التي يرتفع فيها الصوت بعدم وجوب الحجاب، وبالدعوة الصريحة للتخلي عنه وإسقاطه كقيمة دينية أصيلة، بحيث وقفت أبرز رائدات النهضة النسائية -هدى شعراوي- يومذاك لتلقي بحجابها وتدوسه بأقدامها فور وصولها من مؤتمر النساء الدولي الذي عقد في روما صيف عام 1923م داعية نساء مصر لخلعه والتحرر منه... وطبعاً لا يخفى ما لتأثير هذا الدور في المجتمعات العربية باعتبار أن مصر تحتل مقام الريادة لدى الجميع.
وإنه بعد ذلك بفترة وجيزة قام أتاتورك عام 1925 بإجبار تركيا بأجمعها على هجر الإسلام، وأصدر قانوناً بمنع دخول المحجبات إلى الجامعات أو العمل في المؤسسات الحكومية، فتمّ نزع حجاب المرأة التركية بالإرهاب والقوة وتعرضت للإهانة في الطرقات. 
أما في إيران فإنه عندما نصّبت بريطانيا مؤسس الأسرة البهلوية- الشاه رضا خان عام 1926م قام من فوره بإصدار قانون بمنع الحجاب وأمر الشرطة بالتعرض لكل امرأة محجبة، ونزع حجابها بالقوة وحظر على الفتيات والمعلمات دخول مدارسهنّ بالحجاب، ومنع أياً من ضباط الجيش من الظهور من الأماكن العامة برفقة امرأة محجبة مهما كانت صلتها وقرابتها. 
وهكذا راحت البلدان العربية والإسلامية عبر العملاء من حكامها المتخاذلين تتسابق لدعوة شعوبها بالتخلي عن الحجاب إلى أن تنفست هذه الشعوب المقهورة الصعداء مع قيام ثورة حفيد رسول الله(ص) الإمام الخميني العظيم(رض) الذي غيّر وجه التاريخ وقلب المعادلات في المنطقة والعالم وأعاد المرأة إلى حجابها وموقعها ودورها، وترك العالم من حوله يراقب مدهوشاً مكانة ووضع المرأة في ظل حكم الإسلام، ترك الجميع يتأملون مدى الاحترام الذي حازته المرأة المحجبة والدور البارز الذي تقوم به في إدارة البلد وتربية المجتمع.
وإنه من هنا قال الإمام الخامنئي دام ظله أن "المرأة الإيرانية المسلمة فتحت تاريخاً جديداً أمام أعين نساء العالم وأثبتت أنه يمكن للمرأة أن تكون امرأة عفيفة ومحجبة وشريفة وتمارس في الوقت ذاته دورها في مركز الأحداث وأصلها. وتحقق الكثير من الفتوحات والانجازات الكبرى" (6-3-2013). 
وفي الواقع أثبتت ثورة الإمام المقدس(رض) -من خلال فعاليات هذه الثورة التي هزّت قلوب الملايين من المسلمين وغير المسلمين في أنحاء العالم حباً لها وإعجابا بها- بأن تشريعات الإسلام التي حملتها التعاليم الإلهية ليست إلا الصياغة القانونية لقواعد الحياة والطبيعة الإنسانية. 
وأثبتت أيضاً أن من أكبر المشاكل التي تعاني منها المجتمعات البشرية هي فقدان البوصلة المعنوية المتمثلة بكل ما حملته الشرائع السماوية من الطهارة والمحبة والإخلاص والعفة والصدق وصولاً إلى حجاب المرأة والذي هو جزءٌ من هذه المنظومة المترابطة الشاملة؛ وبالتالي هو رمز للتشريعات الإلهية التي تمثل في مضمونها نظرة الإسلام الرفيعة للمرأة.
وهنا تبرز أهمية تنبيه الفتيات في مجتمعاتنا من حجاب الموضة الذي يفرّغ الحجاب الأصيل من مضمونه ويسلب عنه شروطه الشرعية، أو ارتداء الألبسة الضيقة والمفتوحة وغيرها من الملابس المصممة خصيصاً من أجل الإيقاع بمجتمعاتنا وتغييب الحجاب الصحيح فيها. 
أوليس من المشين -على سبيل المثال- أن نسمع رئيس أمريكا السابق"كلينتون" وهو يروج لأنموذجه بالقول "إن أمريكا مؤمنة بأن قيمها صالحة لكل الجنس البشري، وأننا نشعر أن علينا التزاماً مقدساً بتحويل العالم إلى صورتنا". 
إنهم يريدون تحويل العالم كله إلى صورتهم. هذا ما يقولونه يومياً ويعملون له على مختلف الأصعدة، وتحت مسميات وأساليب متنوعة لا حصر لها، ولعل أخطرها بعد إفلاسهم هو المنع القسري من جديد.  
معركة الحجاب هذه ليست بالبسيطة لأنها معركة قيم ومبادئ وهوية، وبالتالي هي معركة بين أنموذجين: 
أنموذج الغربي المتهتك والذي تتزعمه أمريكا وتسوّق له عملياً وبقوة، وأنموذج الإسلام الأصيل الذي كرّسته الرسالة الإلهية الخاتمة والذي تمثله سيدة نساء العالمين الزهراء(س) كما يتمثل بالأنموذج الذي كرّسته السيدة  مريم(س) والذي ما زال يجلل صورها المنتشرة في أنحاء العالم حتى اليوم والذي بات بمثابة القاسم المشترك بيننا وبين من يحترمنه ويؤمنون به كما حدثتني بذلك بروفسيرة إيطالية ممن يحترمن الحجاب.  
أخيراً: يبقى السؤال أو التساؤل عن وظيفة ودور كل منا في مواجهة هذا التحدي الكبير الذي يطرحه الحجاب، سائلين المولى سبحانه أن نوفق في مؤتمرنا هذا من توفير الرد الشافي الذي ينطلق من أبعاد قوله تبارك وتعالى «وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ» والتي منها لا شك قوة البيان والبحث الدقيق وكل ما يمكن من خوض معركة تعميم وتقديم القدوة النسائية العالمية للإنموذج الإسلامي الأصيل.. 
 
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته... 
عفاف الحكيم  
12-8-2016  

التعليقات (0)

اترك تعليق