مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

نايٌّ منهك

نايٌّ منهك

نفذ الصّبحُ من جُعب الشّمس فاستبشرت أحقاد الظلام خيراً. لم يطل اللّيل وأيدي المقاومين تنثر زيت الدّم في قناديل الفجر.

يومٌ مظلمٌ وليلةٌ أطبقت وزرها الثّقيل على قلب مهدي. سكنت الأصوات وخشعت المناجاة في حضرة الحبّ الأجمل. أغمض التّعب جفون المجاهدين المرابطين، لكنّ دمع شوق اللّحاق بالقافلة تمرّد على سيده؛ فعلا ضجيج  العبد الفقير يطلبُ الشّهادة.

ساعاتٌ طوال قضاها مهدي بالتّوسل والدّعاء، يتقلّب بين يدي الرّحمان يُخبره الحنين، ثمّ يتوسّل بمحمدٍ وآل محمد (عليهم السّلام). يا من اسمهُ دواء، داوني بعشقك الأقدس وأخرج الدّنيا من قلبي علّه يبرأ. همسَ كلماته هذه، وأتبعها نحيباً وبكاءً حتى استفاق رفاقه.

"- عزيزي مهدي ما يُبكيك؟

-رح يطلع النهار وأنا بعد ما استشهدت!"

ختم حواره مع صديقه وعاد ليُكمل مناجاته، ثمّ مسح الدّمع بالرّجاء وأخذ الهاتف ليتّصل بوالدته. غدا كنايٍ منهكٍ يعزفُ حزناً كربلائياً؛ كالحسين(ع) "وأيتمت العيال لكي أراك..". ووصيته لأمه تشبه وصية سيد الشّهداء لزينب(ع) أن "احفظي ليَ العيالَ والأطفال.."
"يميّ الحرب صعبة، إذا صار عليّ شي ديري بالك عالولاد" ارتجف قلبها عندما أيقنت أنّ ابنها قد عزم على العروج، لكنّ الصّبر ملاذ آلامها والاحتساب مصدر قوتها.

أشرقت الشّمس ومهدي ،مسؤول المجموعة، مازال مستيقظاً؛ يُقيمُ صلاته ودعاءه تارةً، ويُتابع عمله الجهادي واستعداده للمواجهة تارةً أُخرى. حتّى علم أنّ العدوّ أدخل 400 عنصراً إلى حاريص واحتلّوا قصر أحد السّكان. فما كان منه إلّا أن تصدى وإخوانه للعدوان وأجبروهم على الانسحاب تاركين وراءهم القتلى والجرحى.

قبل انتهاء الحرب بساعتين، غفت عينا مهدي وما غفا ورده من الوجود. أبصر الحقّ والحقيقة، فبذل نفسه في سبيل الله. وعندما نزع من قلبه الدّنيا وزخارفها ومن سكنها، غادرها بنفسٍ مطمئنة.


 
الشّهيد مهدي محمد دقيق

 


المصدر: موقع شهيد.
بقلم فاطمة الحاج

التعليقات (0)

اترك تعليق