مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة المهندس حسن حجازي (مسؤول وحدة المهن الحرة في حزب الله)

كلمة المهندس حسن حجازي: القيم الإسلامية في التصميم المعماري: الأسرة والمسكن الشرعي الإسلامي

كلمة المهندس حسن حجازي (مسؤول وحدة المهن الحرة في حزب الله):
القيم الإسلامية في التصميم المعماري: الأسرة والمسكن الشرعي الإسلامي:

بسم الله الرحمان الرحيم

إنطلاقاً من أن الإسلام دين شامل لكل جوانب الحياة، وقد ترك بصماته واضحة وجلية ومؤثرة في مختلف هذه الجوانب.
وحيث أن العمارة مرتبطة بشكل جذري بثقافة المجتمع وقيمه، والتي تجسدها في شكل هندسي يأخذ أبعاده من تراث الأمة الثقافي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
نجد أن من البديهي الحديث عن وجود عمارة إسلامية راسخة ترجمت هذه القيم إلى أشكال وعناصر غنية ومتعددة. ومن هنا يمكننا القول أن العمارة الإسلامية لها شقان:
الأول المضمون، الثاني الشكل.
المضمون في العمارة الإسلامية يستند إلى التعاليم والقيم الإسلامية سواء ما ورد في القرآن الكريم أو السنة الشريفة أو اجتهاد المجتهدين، وقد تكون هذه القيم موجودة بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وحتى يمكننا القول أن القيم التي يضعها الإسلام لبناء الإنسان يمكن تطبيقها لبناء المنزل من حيث التشديد على الوسطية، التواضع، الخصوصية، الجمال، السكينة، الاهتمام بالداخل، والاهتمام بالجار وغيرها من القيم الهامة في بناء الإنسان المسلم.
وحيث أن المضمون الإسلامي ثابت لا يتغير في الزمان والمكان فهذا يعطي طابعاً إسلامياً ثابتاً للعمارة، أما الشكل فهو المتغير بتغير الزمان والمكان، فالشكل يتأثر بالبيئة ومواد البناء سواء تقليدية أو حديثة ويتأثر بالمناخ وبالتراث الموجود سابقاً..
إذن الشكل يتغير أما المضمون فهو ثابت، والمضمون هو الذي يعطي العمارة طابعها الإسلامي، لذلك هناك اتجاه جديد في النظر إلى العمارة الإسلامية برز لدى بعض المعماريين المعاصرين وهو إذا ما وجدنا مبنى معاصراً يلتزم بالمضمون ويطبق أحدث إنجازات العصر في صناعة البناء فهو يعتبر عمارة إسلامية، وهذا ما يؤكد صلاحية الفكر الإسلامي لكل زمان ومكان ولا يتجمد بمادة البناء في عصر من العصور لأن الدين غير متجمد، والغرب هو الذي وضعنا في هذا القالب، وهو ما أخذه عنه المسلمون والعرب في كل العالم، حيث حددوا العمارة الإسلامية بأنها العمارة التي ظهرت في عصور إسلامية محددة زمنياً ومكانياً، وهذا يخالف الفكر الحضاري للإسلام.
والعمارة في العالم ينظر إليها بمنظورين وهما العمارة في الدول الاشتراكية وهي عمارة المجتمع وليس للفرد فيها أي دور، والعمارة في الغرب هي عمارة الفرد، أما في المنهج الإسلامي فهو ليس بالمفهوم الجماعي ولا الفردي، ولكنها بين هذه وتلك، أي بمعنى الوسطية، فهناك قيم وتعاليم تشكل الإطار العام للعمارة التي يتحرك على ضوئها الفرد والمجتمع، فالمبنى من الخارج هو ملك المجتمع، وفي الداخل ملك الفرد فما يطلبه المجتمع في خارج المبنى يخضع لاتفاق الجماعة أما في الداخل فهو من خصوصيات الفرد.
من هنا، من الطبيعي أن نفتش عن أبرز القيم الإسلامية التي أثّرت في العمارة، وكيفتها لتنسجم مع الأسرة التي اختصها الإسلام برعاية خاصة كونها النواة الأساسية في تكوين المجتمع الإسلامي، وعند صلاحها وقوتها وراحتها يكون المجتمع قوياً وثابتاً وراسخاً.

وأبرز هذه القيم:
1- التطلع والانفتاح نحو السماء:
من البديهيات القول أن الارتباط بالسماء هي السمة الأساس لكل مسلم، ولقد تجسد هذا الارتباط معمارياً من خلال الحوش أو الفناء الداخلي المفتوح من أعلى، ولهذا الفناء قيمة إيمانية وجمالية ومناخية واجتماعية.
والمنزل هنا بأبسط صوره هو عبارة عن فناء وسطي مفتوح وغرف متعددة تحيط به ومطلة عليه، ويتوسع المنزل ليكون هناك أروقة بين الفناء والغرف أو طابق إضافي لمن يمتلك إمكانات أكبر وهكذا.
فالفناء موجود في العديد من عمارات الحضارات الأخرى، ووجوده هناك ارتبط فقط بظروف مناخية أو جمالية، ولكن في الحضارة الإسلامية يمثّل فناء المنزل مركز التكوين ومحور البناء فيجذب كل العناصر المحيطة به، وهو أيضاً الحلقة الرابطة لكل العمائر الدينية، فالفناء رمز الحياة في حياة المسلم اليومية، هو قلب المبنى وبمثابة القلب للجسم الإنساني.
ولهذا طوّر المعماري المسلم الفناء إلى أن تحول إلى حديقة غنّاء تتوسطها المياه الجارية، فشيّد لها النافورات المرصعة بالزخارف والنقوش البديعة.
وهذا التوجيه نحو الفناء الداخلي يؤمّن السكينة والراحة والبعد عن الضوضاء وتوتّر الشارع وتلوثه، ويؤمن وحدة العائلة وتآلفها وتعاونها وحضورها الموحد حول هذا الفناء.
وهناك قول للمفكر الفرنسي جوزيف ميوزيل، قال سنة 1979 منتقداً العمارة الغربية المقفلة: "يجب أن تَعطى السماء حصتها كما الريح، يبنون أجسام صلبة دون فتحات فلن تبحر مراكبهم". 
هنا شبه البناء بشراع المركب، الذي إذا لم يكن فيه فتحات يتمزق بالرياح ولا يسير المركب ولا يبحر إلى أي مكان. 

2- توفير ورعاية الخصوصية:
للبيت في الإسلام حرمته وخصوصيته، فلا يتطلع أحد إلى ما فيه أو من فيه، وقد شرع الله حرمات المسكن ونهى عن التعدي عليه، وهذه الرعاية والاهتمام ليس لما هو عليه من بناء بل لمن هم فيه.
فالمسكن في المنظور الإسلامي يُّعد وحدة اجتماعية لا ينفصل فيها البناء عن الأسرة التي تقيم فيه، بل أن المضمون لمتطلبات الأسرة المسلمة هو الذي يحدد تصميمه.
فقد كان يبتنى من الداخل للخارج وليس العكس، كانت الأسرة تحدد متطلباتها السكنية مع البنّاء في حدود إمكانياتها المادية ويعني ذلك وجود مشاركة فعلية بين صاحب المسكن والمعماري.
هذه الخصوصية والاهتمام والرعاية واضحة في آيات القرآن الكريم: 
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ سورة النور الآية 27.
فقد شرَّع الله سبحانه وتعالى الاستئناس قبل دخول بيت الغير.
وفي الحديث الشريف، في المجمع عن أبي أيوب الأنصاري قال: "قلنا يا رسول الله ما الاستئناس، قال: يتكلم الرجل بالتسبيحة والتحميدة والتكبيرة ويتنحنح على أهل البيت".
- وتكمل الآية ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ سورة النور الأية 28.
- ثم يتوسع بالاهتمام:
﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَىٰ أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ سورة النور الأية 61
المراد فسلموا على من كان فيها من أهلها وقد يستدل من قوله "على أنفسكم"  للدلالة على أن بعضهم من بعض فإن الجميع بشر وقد خلقكم الله الواحد.
- والخصوصية تتأكد من خلال الحث والأمر على غض البصر والنهي عن النظر إلى حرمات الآخر. ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ سورة النور، الآيات 30-31
ولذلك كان على الباب مطرقة ليدق بها الزائر الباب: وعادة ما كان يطرقها ثلاث مرات فإن لم يؤذن له بالدخول يرجع من حيث أتى، واليوم استبدلت المطرقة بالجرس أو أمور أخرى.
وفي تصميم المدخل: أُعتمد المدخل المنكسر بهدف حماية الفراغ الداخلي عن أعين المارة حين فتح باب المدخل.
كراهة النوم في بيت ليس له باب ولا ستر: عن أبي عبد الله(ع) أنه كره أن ينام في بيت ليس عليه باب أو ستر، وعنه قال: "نهى رسول الله(ص) أن يبات على سطح غير محجر (تصوينة ساترة)"، وعنه(ع): "يجزيه أن يكون مقدار ارتفاع الحائط ذراعين".
هذا من الخارج، كذلك هناك استئذان في داخل البيت ذاته في دخول غرفه: وذلك عند وجود الأم والأخت.
فقد روي أن رجلاً قال للنبي(ص): "أستأذن على أمي؟ فقال النبي(ص): نعم".
وكذلك الفصل بين الأبناء، عن ابن عمر قال: "قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فرقوا بين أولادكم في المضاجع إذا بلغوا سبع سنين". وروي أنه يفرق بين الصبيان في المضاجع لست سنين.

3- التواضع والمساواة:
العمارة الإسلامية متواضعة جداً من الخارج وبسيطة ومتشابهة بشكل عام ويغلب على جدرانها اللون الأبيض (اللون له علاقة بالبيئة وله علاقة بالنقاء والطهارة والنظافة). والواجهة الخارجية هي الحجاب الذي يحمي سكان البيت عن أعين الغرباء.
وغالباً ما تكون العمارة من الخارج حوائط بسيطة دون تشكيل وزخارف، وحتى غالباً بلا فتحات سوى فتحات صغيرة ومن أعلى لعدم كشف المنزل إلى الخارج، إلا في قاعة أو غرفة استقبال الضيوف فإنه يمكن أن يكون لها فتحات للخارج.    
وهذا التواضع والمساواة من الخارج هو تحقيق لمبدأ ديني قائم على التمتع بالنعمة دون الكبر، وعدم إيذاء مشاعر الآخرين بل التواضع والتساوي مع الآخرين (الناس سواسية كأسنان المشط).
وهذا ما تؤكد عليه الآيات 33-35 من سورة الزخرف. ﴿وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَٰنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِن كُلُّ ذَٰلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ سورة الزخرف الآيات 33-34-35 

4- التركيز على الداخل:
مقابل بساطة الخارج وتواضعه هناك تركيز على الداخل: وهنا يبدو التفاوت في السعة والغنى وإبراز القدرات الفنية والجمالية.
لذلك غالباً ما تجد البيوت من الداخل غنية ومزينة بالنقوش والرخاميات أو الجص والخشبيات بتشكيلاتها المختلفة حسب الوضع المادي والمكانة الاجتماعية لصاحب البيت.
وهذا ما يشبه المطلوب من الإنسان: البساطة والتواضع في الشكل والعلاقة مع الخارج مقابل غنى النفس والداخل.

5- السعة:
عن رسول الله(ص): "من سعادة المرء المسلم المسكن الواسع".
وعن أبي عبد الله عن آبائه عن علي عليهم السلام قال: "إن للدار شرفاً وشرفها الساحة الواسعة، والخلطاء الصالحون وإن لها بركة وبركتها جودة موضعها وسعة ساحتها وحسن جوار جيرانها".
في الرواية أن الإمام علي عليه السلام سأل العلاء بن زياد لما رأى سعة داره: ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ وبلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري بها الضيف وتصل فيها الرحم وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.

6- الثبات والمتانة في البنية الإنشائية:
العمارة الإسلامية صلبة تنبت من الأرض، تحملها جدران سميكة وقوية وفتحاتها صغيرة، في هذه العمارة وفي بنيتها الإنشائية الكثير من الثبات والاستقرار والصلابة.
وفي هذه دلالة على أهمية الأسرة الساكنة فيها وثباتها وصلابتها واستقرارها كأساس في المجتمع.

7- الطهارة والنظافة:
يتميز بيت المسلم في كل مكان بالنظافة والطهارة التي هي شعار المسلم حيثما وجد (النظافة من الإيمان) وذلك لأن الصلاة هي عمل يومي يستلزم طهارة الجسم والثياب والمكان. 
في الحديث النبوي الشريف: "إنّ الله طيّب يحبّ الطيّب، نظيف يحبّ النظافة".
وعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "تنظّفوا بكلّ ما استطعتم، فإنّ الله تعالى بنى الإسلام على النظافة، ولن يدخل الجنّة إلا كلّ نظيف".
ووجود واستعمال الماء هو عنصر أساسي في بيت المسلم، لذلك التمديدات والمجاري المائية والبرك الصغيرة والنافورات كانت تزين وسط الدار في الفناء أو الحوش. ولهذه الأمور أبعاد إيمانية لها علاقة بالطهارة والنظافة والوضوء وأبعاد بيئية لها علاقة بترطيب وتلطيف الجو والهواء وتبريده.
والجدير بالذكر فإن تقنيات جر المياه والأقنية قد أدخلها المسلمون إلى الأندلس.

8- الجمال والراحة والسكينة:
إن الدعوة إلى الاقتصاد وعدم الإسراف وعدم التطاول في البنيان لا تعني أن الدين الإسلامي يدعو إلى التقشف أو القبح في بناء المساكن، بل على العكس يدعو ليكون المسكن جميلا باعثاً على البهجة والسرور مما ينعكس إيجاباً على حياة الأسرة وراحتها وسكينتها وبالتالي التعاطي إيجاباً بين أفراد الأسرة ومع الخارج.
عن أبي عبد الله(ع): "إن الله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر النعمة على عبده".
الجمال المنطلق من الله سبحانه وتعالى والمتجلي في كل مخلوقاته في الأرض والسماء من الطبيعي أن يكون منعكساً في كل عمارة البيت الذي يسكنه الإنسان المرتبط بالخالق ومخلوقاته الجميلة.
وقال الصادق عليه السلام: "إن الله تعالى يحب الجمال والتجمل، ويكره البؤس والتباؤس، فان الله عز وجل إذا أنعم على عبد نعمة أحب أن يرى عليه أثرها قيل: وكيف ذلك: قال: ينظف ثوبه ويطيب ريحه، ويحسن داره، ويكنس أفنيته، حتى أن السراج قبل مغيب الشمس ينفي الفقر، ويزيد في الرزق".
عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ثلاثة للمؤمن فيهن راحة: دار واسعة... وإلى آخر الحديث.

9- مراعاة واحترام الجار:
عن رسول الله(ص): "أنه نهى أن يطّلع الرجل في بيت جاره" البحار جزء 76
وعنه(ص): حين سأله أحدهم أين يشتري داراً، قال: "الجار قبل الدار".
وعن الصادق(ع): "عليكم بحسن الجوار فإن الله أمر بذلك".
وعنه(ص): "من اطلع في بيت جاره فنظر إلى عورة رجل أو شعر امرأة أو شيء من جسدها، كان حقاً على الله أن يدخله النار مع المنافقين الذين كانوا يتبعون عورات الناس في الدنيا، ولا يخرج من الدنيا حتى يفضحه الله ويبدي عورته للناس في الآخرة".
وعن لقمان(ع) في وصيته لابنه: "يا بني حملت الحجارة والحديد، فلم أرَ شيئاً أثقل من جار السوء".

يتضح من هذه الأحاديث وغيرها الكثير مسألتان:
1. مراعاة خصوصية الجار وحرمة منزله وأسرته.
2. حسن اختيار الجار في اختيار المسكن أو في بنائه.

10- النسيج المتضام (أي المتلاصق):
هذا النسيج وجد بفعل الضرورات المناخية، حيث التلاصق يمنع وصول الشمس إلى كل الجدران. 
والتضام يعني النسيج الاجتماعي المتضام والمتلاصق وهذه صفة أساسية في العمارة الإسلامية، وفي داخل المنزل: حيث الغرف متلاصقة ومتضامة حول فناء مفتوح إلى السماء.
وبين المنزل والمنازل الأخرى كدليل على التضام الاجتماعي والذي هو أكثر من تضامن: هم نسيج واحد بل جسد واحد.
عن رسول الله(ص) "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد".

11- المنازل المتضامة والتي تشكل المدينة تعبر عن حضارة الشعب بأكمله:
وهي ليست حضارة الفرد أو حضارة فردية بل هي بعيدة عن مفهوم الفردية وتشعر عندما تنظر إلى مدينة إسلامية قديمة (دمشق القديمة– حلب القديمة– فاس– مراكش- الرباط في المغرب) تشعر أن النسيج المديني هو نسيج مترابط يعبّر عن حضارة الشعب بأكمله.

12- هناك توجهات عديدة وردت في الأحاديث ومنها:
أ‌- أعدم ارتفاع البناء أو السقف لأكثر من سبعة أذرع أو ثمانية.
ب‌- بمن المستحسن توجيه غرف المسكن بإتجاه القبلة.
ت‌- تعدم استقبال القبلة في دورات المياه.
ث‌- الفصل بين أماكن الوضوء والمراحيض.

خاتمة، استنتاج وتساؤل:
 إذن كل هذه القيم والخصائص والتي تعطي العمارة الإسلامية ميزاتها الهامة وأسلوبها الخاص بها تدفع بشكل مباشر وغير مباشر بالنص والإيحاء والتشجيع إلى:
اعتبار البيت والذي هو مسكن الأسرة والأساس في تكوين المجتمع وبالتالي المدينة والحضارة له خصوصياته وحرمته وجماليته وثباته ونظافته وتواضعه تجاه الآخر وغناه الداخلي وتضامه مع بعضه وهذا إنما يعبر عن أنّ الأسرة هي:
 الأساس الثابت التي لها خصوصيتها وحرمتها وتضامها وتواضعها من الخارج وغناها من الداخل.
وهنا يبرز السؤال أين نحن اليوم من هذه العمارة ومن هذه القيم وتجسيدها في العمارة.
فلنصارحكم القول إنها أصبحت تراثاً نتغنى به وبعظمته التاريخية كقطعة تراثية محفوظة في المتاحف ولم تعد هذه القيم هي الحاكمة على حركة العمارة والبناء وتشييد المساكن فضلاً عن المدن، وهذا كله بفعل الاستعمار والتبعية للأجنبي.
لقد بقي هذا النمط الإسلامي سائداً حتى بداية القرن العشرين، حيث أتى الاستعمار إلى بلادنا واحتلها بالقوة، وفرض قطعاً مع هذا الميراث، وأحلّ مكانه نمطه الغربي في البناء، وهو ما نراه اليوم في العمارة التي نسكن فيها، أنها عمارة غربية نحاول أن نُدخل عليها بعض التحسينات البسيطة لتتكيف ولو بالقليل مع قيمنا الأساسية، كمثل إحداث الفاصل داخل المساكن التي نسكن فيها سواء كان باباً إضافياً أو ساتراً عند الموزع الذي كان مفتوحاً إلى غرف المعيشة أو المنامة في المساكن، وأمور أخرى دون أن ترقى إلى مستوى الفعل الحضاري المطلوب، وهل انتهى الأمر، هي حرب ناعمة في مجال العمارة كما في المجال الثقافي  والاجتماعي والسياسي والإعلامي.
وكما لم نيأس وقاومنا وحققنا انتصارات باهرة عسكرياً علينا أن نولي هذا الجانب المعماري أهمية بالغة، وأن نعلن مقاومة في هذا المجال كما أعلناها في المجال العسكري وغير العسكري، وكما نحن نقاوم الحرب الناعمة في مختلف الصعد الثقافية والاقتصادية والسياسية والإعلامية والتي هي ساحات نتقدم فيها بالمقاومة بأشواط عن الجانب المعماري الذي ما زالت المقاومة فيه أضعف أنواع المقاومة.
لكن أن نمتلك الإرادة للتغيير يعني أننا نستطيع والله سبحانه وتعالى يؤكد على أن سنن التغيير تبدأ بالذات.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ سورة الرعد الآية 11
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ سورة محمد الآية 7.
من هنا أود أن أدعو نفسي وكل المعنيين للانخراط في هذا الجهد الكبير..

وكمقدمة لذلك أتقدم ببعض المقترحات والتوصيات:
1. تطبيق القوانين كمرحلة أولى وإيقاف كل أنواع المخالفات والفوضى القائمة، ففي مناطق الضاحية مثلاً الاستثمار السطحي هو 40% والاستثمار العام أربع إلى ست طبقات أو أزيد بحسب المنطقة، وهذا وينعكس مسافة معقولة من الأبنية المجاورة، ولكن المخالفات تضخم حجم الأبنية وتضيق المسافات بينها وبالتالي تصبح أقل شرعية وأسوأ بيئياً.
2. السعي مع مجموعة من المهندسين المختصين والمهتمين لإيجاد مجموعة من الأفكار والرؤى التي يمكن أن تترجم نصوص قانونية تساعد في حضور أفعل للقيم الإسلامية في العمارة الحالية.
3. حيث أن المضمون القيمي هو الذي يعطي عمارة ما هويتها، بشكل أساسي فينبغي العمل على نشر القيم الإسلامية في العمارة من خلال دورات وندوات ومحاضرات تقام للمهندسين والفنيين والإداريين والبلديات وحتى عموم المواطنين الذين هم من يشترون ويدفعون ثمن هذه العمارة.
4. الاهتمام بالجانب البيئي من حيث حسن اختيار مواد البناء مع التركيز على المساحات الخضراء والأشجار.
5. تشجيع البلديات على القيام بدور أكبر في مراقبة تطبيق القوانين، وهي مقصرة في ذلك، بل عليها أن تحدث نقلة نوعية وفاعلة في ممارسة سلطتها، والتدخل في شكل البناء والدفع ما أمكن ليكون أكثر ملائمة للبيئة والقيم التي ينطلق منها المجتمع.
وبما أن فكرة الفناء الداخلي غير موجودة حالياً في تصميم المنازل وخاصة في المدن المكتظة، لا بد من التعويض على المستوى العام من خلال وجود حدائق عامة تؤمن الراحة النفسية للمواطنين وهذا مطلب أساسي على البلديات تأمينه.
6. التعاون مع شخصيات وخبرات ومؤسسات لها أهداف مشتركة على مستوى الوطن والعالم العربي والإسلامي.

والحمدلله رب العالمين

التعليقات (0)

اترك تعليق