مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الدكتور طلال عتريسي (مدير المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية)

كلمة الدكتور طلال عتريسي: إدخال منظور الجندر والصحة الجنسية في المناهج التعليمية ونتائجه على الأمن التربوي والثقافي

كلمة الدكتور طلال عتريسي (مدير المعهد العالي للدكتوراه في الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية):
إدخال منظور الجندر والصحة الجنسية في المناهج التعليمية ونتائجه على الأمن التربوي والثقافي:

بسم الله الرحمان الرحيم
الجندر هو خلاصة مجموعة من التطورات والتحولات في تناول قضية المرأة:
 فهو أولاً: نتاج ما مرّت به الحركة النسوية عبر التاريخ من تحولات ومن "نضالات" لتأكيد وجود قضية منفصلة عن كل قضايا المجتمع ومشكلاته، هي قضية المرأة. والعمل من أجل تشكيل وعي نسوي بهذه القضية في مرحلة أولى، ثم المطالبة في مراحل لاحقة  بتحصيل هذه الحقوق وبتغيير القوانين المتعلقة بهذه القضية.
وهو ثانياً: نتاج قرارات الأمم المتحدة التي تبنت بدورها قضية المرأة، التي تحولت إلى حقوق، مثلها مثل حقوق الإنسان. فإذا كانت حقوق الإنسان هي قضية دولية يتوافق عليها كل أعضاء الأمم المتحدة فإن المرأة هي أيضا" قضية يجب أن يتوافق على حقوقها هؤلاء الأعضاء، وبحيث يصبح أي تراجع عن هذه الحقوق مثابة تراجع عن مواثيق هذه المؤسسة الدولية.
وهو ثالثاً: نتاج المؤتمرات الدولية التي لم تتوقف عن العمل منذ عقود، (مثل مؤتمر بكين الشهير في منتصف التسعينيات)، وما نتج عن هذه المؤتمرات من اتفاقيات مثل اتفاقية سيداو، أو الدعوات إلى إلغاء كافة أشكال العنف ضدّ المرأة... ففي وثيقة بكين الشهيرة عن المرأة عام 1995 ذكر مفهوم الجندر 233 مرة (فقط)!! وكشفت وثائق مؤتمر روما حول إنشاء المحكمة الجنائية الدولية 1998 عن محاولة لتجريم القوانين التي تعاقب الشذوذ الجنسي حيث أوردت الدول الغربية: "إن كل تفرقة على أساس الجندر يشمل جريمة ضد الإنسانية".
وهو رابعاً: نتاج هيمنة الثقافة الغربية على المؤسسات الدولية، وعلى مناهج التعليم الجامعية في معظم البلدان العربية والإسلامية، بحيث تصبح تلك الثقافة مرجعية في القرارات الدولية ذات الطبيعة الثقافية، وفي العلوم الأكاديمية التي تتناول قضايا الأسرة والمرأة والحقوق والطفل والسلطة والتربية وسواها...
تقوم فكرة الجندر الأساسية على رفض التمييز على أساس الجنس. ورفض التمييز بالنسبة إلى الجندر لا يقتصر على مجال محدد، بل يشمل المجالات كافة؛ لأن التمييز في المهن أو الوظائف أو الأدوار (الأسرية والمهنية والجسدية...) هو تمييز اجتماعي لا علاقة له بطبيعة كل من الرجل والمرأة. وهو نتاج التربية والعادات والتقاليد التي ينتجها المجتمع والتي تجعل لكل من الذكور والإناث أدواراً مختلفة ومتفاوتة.
يطرح الجندر على نفسه مواجهة كل هذا التصور الاجتماعي للأدوار بين الجنسين ويهدف إلى إلغائه. وينطلق من فكرة جوهرية هي أن التمييز على أساس الجنس غير مقبول؛ فنحن أمام نوعين يمكن أن يقوما بكل الأدوار والوظائف المطلوبة من أيّ منهما.
بهذا المعنى من غير المقبول بالنسبة إلى الجندر أن  يرى الطفل في كتاب القراءة العربية صورة للأم وهي تحتضن طفلها، أو تطبخ لأولادها... فهذه صور نمطية تعكس الأدوار التقليدية بين الرجل والمرأة. ولذا يجب أن تلغى مثل هذه الصور أو أن يضاف إليها صورة للرجل وهو يقوم بالأمور نفسها في البيت. كذلك الأمر بالنسبة لصورة الرجل "التقليدية" في مكان العمل أو في نوع العمل. الجندر لا يقبل الصورة النمطية التي تميز بين عمل للرجل وعمل للمرأة.

لنقرأ ماذا تقول اتفاقية سيداو بهذا الصدد:
إن الدول الأطراف الموقّعة على هذه الإتفاقية، تدرك أنّ تحقيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة يتطلب:
- إحداث تغيير في الدور التقليدي للرجل وكذلك في دور المرأة في المجتمع والأسرة.
- تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.
- القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة في جميع مراحل التعليم بجميع أشكاله، عن طريق تشجيع التعليم المختلط، وغيره من أنواع التعليم التي تساعد في تحقيق هذا الهدف، ولا سيما عن طريق تنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية وتكييف أساليب التعليم.
إذاً بحسب هذه الإتفاقية يجب الإنتقال إلى التعليم المختلط، وإلغاء أي مفهوم نمطي عن دور الرجل ودور المرأة في جميع مراحل التعليم... (أي بغض النظر عن المجتمع والعادات، وعن أي جوانب أخرى شرعية أو ثقافية...).

إنّ ما يتعلق بالجندر (فلسفة النوع الاجتماعي) يندرج تحت النماذج التالية:
اهتمام المرأة بشؤون المنزل نوع من أنواع التهميش لها.  
من الظلم أن تُعتبر مُهمّة تربية الأولاد ورعايتهم مهمّة المرأة الأساسية.
لدى المرأة القدرة على القيام بكل أدوار الرجل٬ ويمكن للرجل كذلك أن يقوم بأدوار المرأة.
الأسرة هي إطار تقليدي ليس من الضروري الإلتزام به.
من حق الإنسان أن يغيّر هويته الجنسيّة وأدواره المترتبة عليها.
تلعب الملابس دوراً هاماً في التنشئة الاجتماعيّة الخاطئة.
إذاً لا تمييز، لا فروقات، لا صور نمطية... لا سلطة أبوية، الأدوار بين الرجل والمرأة ليست نهائية، أو متعلقة بتكوينهما البيولوجي؛ هذه هي التربية على الجندر.

إن التحول الذي حصل عبر العقود الماضية في الأفكار المتعلقة بقضية المرأة في الغرب، كان على الشكل التالي:
- إنقطاع كل صلة للعلاقات الأسرية بالدين وبالعادات والتقاليد. وقد كانت الثورة على الكنيسة (الدين) هي بداية المسار في هذا التوجه.
- تعاملت الأفكار ومن ثم المجتمع مع أفراد الأسرة وخصوصاً مع المرأة، على أساس هذا الاستقلال عن الدين وعن العادات والتقاليد.
- باتت المرأة بحسب هذه التحولات مثل الرجل من حيث الحريات والحركة والتنقل. أي لم يعد للنساء أماكن خاصة، كما كان الأمر في عصور سابقة في أوروبا، ولم يعد لهنّ أزياء خاصة بهنّ، ولم يعد لحركة جسدهن خصوصية معينة، بل باتت حرية الجسد في الحركة والتواجد في أي مكان، ملازمة للتصرف بهذا الجسد بحسب الحرية الفردية والشخصية.
لقد التقط بعض المفكرين والمثقفين من الرجال والنساء في الدول العربية (نوال السعداوي، وفاطمة المرنيسي)، وفي تركيا (ياسمين أرات، وفريدة أكار، ونيلو فرغول)، وفي إيران (مجلة زنان أسستها شهلا شركت عام 1992) هذه الأفكار والاتجاهات الغربية في تناول قضية المرأة، ومعها قضايا الأسرة والحريات الفردية... وأصدروا المجلات والمؤلفات التي تنتقد العادات وتنتقد التفسير الديني لقضية المرأة، وتدعو إلى المساواة التامة بين الجنسين (فهمي جدعان "خارج السرب: بحث في النسوية الإسلامية الرافضة وإغراءات الحرية" الشبكة العربية للابحاث والنشر، بيروت، 2010).
كما انتقدت هذه الاتجاهات قضية السلطة الأسرية باعتبارها قضية ذكورية وأبوية، وهذه الأفكار هي نفسها التي ستتبلور لاحقاً مع ما سنعرفه باسم "الجندر" الذي يفترض أن يتحول إلى مادة دراسية في الصفوف الثانوية.
من المهم الإشارة هنا إلى أن كلّ النقد الذي وجه إلى السلطة الأبوية العائلية والطريقة التي تم بها من حيث التركيز على التمييز والقمع والهيمنة، (كما فعل من سبقت الإشارة اليهم وخصوصاً هشام شرابي) تعمد، أو تجاهل التمييز بين السلطة التي هي ضرورة وحاجة وبين التسلط كسلوك عنفي وعدواني غير مقبول، لم يقره إسلام ولا عقل ولا شرع.. لا في الأسرة ولا في المجتمع.
ويرى أنصار الجندر (النوع الاجتماعي) أنه يعّبر عن اجتياز آخر الحواجز على طريق تحقيق العدالة بين الرجال والنساء. ومن المعلوم أنّ المجتمعات تختلف من حيث مرجعيتها الثقافية والدينية في تحديد طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة: بين الدعوة إلى العدالة أو المساواة، أو الدعوة إلى تكامل الأدوار وليس إلى تبادلها (كما هي في المنظور الإسلامي على سبيل المثال).
في هذا الإطار من الدعوة إلى إلغاء الفروقات والسلطة والتمييز في مناهج التعليم، تطرح قضية التربية على الصحة الجنسية. والسؤال هنا ما هو المقصود بالصحة الجنسية؟
هل هي التربية الجنسية؟
أم هي طبيعة العلاقات بين الجنسين والأمراض التي يمكن أن تترتب على هذه العلاقات؟
أم هي القواعد الشرعية للحلال والحرام في هذه العلاقات؟
وهل هي التعرف على الجسد ووظائفه الجنسية؟ 
-  أما المستوى الآخر لهذه الأسئلة فهو التالي:
لماذا هذه التربية؟ ما هي المشكلات التي يعاني منها المجتمع وتحتاج إلى تربية جنسية؟ 
ثم من سيقوم بهذه التربية؟
الطبيب؟ أم أستاذ علم الاجتماع؟ أم عالم الدين؟
كيف سيقدم هذا التعليم للفتيان والفتيات مفهوم الجندر الذي يقول: "ينبغي النظر إلى الرجل والمرأة من منطلق كونهما إنسان بغض النظر عن جنس كل منهما
والذي يقول أيضاً: "إن المثلية ليست شذوذاً" بل هي "حق في الاختلاف".!!
وإن الأسرة ليس لها شكل واحد بل أشكال متعددة (أسر من جنس واحد على سبيل المثال..).
ماذا لو قرر أحد المدرسين أو المدرسات على سبيل المثال أن الصحة الجنسية (بحسب بعض النظريات التحليلية النفسية التي تدرس في جامعاتنا) تتحقق من خلال الإشباع الجنسي، بغض النظر عن أي جوانب شرعية أو أخلاقية؟ علماً بأن هذه النظريات أصلاً لا تعير أي اهتمام لمثل هذه الجوانب.
وماذا لو اعتبر هذا المدرس أن الصحة الجنسية تتحقق من خلال حرية العلاقة بغض النظر عن نوع الجنس الأخر!!! (المثلية).
أو أنّ هذه الصحة هي كما يراها بعض مؤيدي الجندر "حرية التصرف بالجسد" من دون تدخل القوانين والشرائع، التي تعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان..!!!
ليس هناك إجابات واضحة ومحددة عن أسئلة من هذا النوع تتعلق بمضمون هذا التعليم وكيفيته وبمن سيقوم به، وبالتأثيرات المحتملة على التلاميذ والتلميذات الذين سيتلقونه. وليس من الأمان أن يقر مثل هذا الأمر قبل دراسة واقع الحال والحاجات التي تدفع اليه والطرق والأساليب التي ستعتمد في تدريسه. وإلا فمن المرجح أن يكون للأمر مفاعيل عكسية سلوكية ونفسية واجتماعية خلاف المفترض من تدريس هذه المادة.

والحمدلله رب العالمين

التعليقات (0)

اترك تعليق