مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الدكتورة رقية رستم پور ملكي (مديرة الدراسات العليا في جامعة الزهراء(ع)- طهران)

كلمة الدكتورة رقية رستم پور ملكي: فكر الحركات الأنثوية وتأثيره على الأمن الأسري والاجتماعي:

كلمة الدكتورة رقية رستم پور ملكي (مديرة الدراسات العليا في جامعة الزهراء(ع)- طهران):
فكر الحركات الأنثوية وتأثيره على الأمن الأسري والاجتماعي:

بسم الله الرحمان الرحيم
مقدمة
الأسرة هي النواة الأولی للمجتمع، وتمثل الأساس الاجتماعي في تشکیل وبناء شخصیات  المجتمع حیث تضفي علی أبنائها خصائصها ووظیفتها. وبذلك تعد الأسرة عنوان قوة تماسك المجتمع أو ضعفه لأنها مأخوذة من الأسر وهو القوة والشدة فهي تمثل الدرع الحصین لأفرادها، باعتبار أن کلاًّ من الزوجین یعتبر درعا للآخر.
إنّ المهام المنوطة بالأسرة منذ نشأتها عدیدة، منها ما هو تربوي أو اجتماعي أو اقتصادي أو سیاسي. وقد أکدت مجریات الأحداث التي تشهدها المجتمعات البشریة دور الأم الکبیر في عملیة استتاب الأمن وبسط الطمأنینة التي تنعکس آثارها علی الأفراد والمجتمعات. وهذا ما یؤکد الحقیقة التي تقول إن قوة الأسرة فی قوة المجتمع وضعفها ضعفه.
إن الأمن والأسرة یکمل أحدهم الآخر ویوجد بینهما الترابط الوثیق وأنه لا حیاة للأسرة إلا باستتاب الأمن، ولا یمکن للأمن أن یتحقق إلاّ فی بنیة أسریة مترابطة وجو اجتماعي، نظیف یسوده التعاطف والتعامل والعمل علی حب الخیر بین أفراده، کل ذلك ضمن عقیدة إیمانیة راسخة واتباع منهج نبوي سدید. هذا الإیمان هو الکفیل بتحقیق الأمن الشامل والدائم الذي یحمي المجتمع من المخاوف ویبعده عن الانحراف وارتکاب الجرائم
- إن مفاهیم الأمن الاجتماعي وأبعاده تعددت في ضوء التحولات التي یشهدها العالم مع بروز أخطار جدیدة وتغیرات ترکت آثارها علی جمیع الأنساق الحیاتیة سواء ما یتعلق بحیاة الفرد أو الجماعة وتجاوزت الأطر التقلیدیة لمفهوم الأمن المتعلق بحمایة الانسان من التهدیدات المباشرة لحیاته.
- إن مفهوم الأمن یدور حول توفیر حالة من الاستقرار والطمأنینة في المجتمع وهو رکیزة أساسیة لبناء المجتمعات وسبب رئیس في حمایة منجزاتها والسبیل إلی رقیها لأنه یوفر بیئة آمنة للعمل والحیاة.
- إن معیار الأمن منوط بقدرة المؤسسات الحکومیة وكذلك الأهلیة في حمایة الأفراد والجماعات من خلال فرض التعلّم، وسیادة القانون بواسطة الأجهزة القضائیة والتنفیذیة لتحقیق الأمن، والشعور بالعدالة التي تعزز الإنتماء للدولة بصفتها الحامي والأمني لحیاة الناس.
الأمن الأسري:
إذا ما أردنا أن نقدم تعریفا عن الأمن الأسري فهو استقرار الأسرة وأداؤها لحقوقها في إطار من 
الثقة والطمأنینة وهو مهم لتسییر أمور الحیاة واطمئنان الناس علی دینهم وأعراضهم وأموالهم وشعورهم بالثقة والسکینة والمودة والعطف.
للأمن الأسري أنواع، منها الأمن الفکري والثقافي والأمن الاقتصادي والأمن الصحي والأمن البیئي والأمن النفسي و...
تتنوع معاني الأمن الفکري الذي یعرف بأنه الاطمئنان إلی سلامة الفکر من الإنحراف الذي یشکل تهدیدا لأمن المجتمع أو أحد مقوماته الفکریة والعقائدیة والثقافیة والأخلاقیة والأمنیة. والأمن الفکري الأسري أحد أهم روافد الأمن الأسري وبفقدانه یختل معه نظام وفائدة الأنواع الأخری.
إن اختلاف موازین التربیة الأسریة وفقدان هیبة الأبوین یؤدي إلی نتائج عکسیة للأبناء من الجنسین. فما یلاحظ من تفکك أسري فی المجتمع أصبح وشیکا أن یکون کالوباء یفتك بتماسك الأسرة التي هي إحدی روابط المحافظة علی المجتمعات من الإنحلال الأخلاقي الذي ظهر علی الشباب وعدم المبالاة بآداب الاسلام ولا حتی أدبیات وأخلاقیات المجتمع.
إذن تحصین الأسرة ضد الأخلاق الدخیلة والسیئة وضد الغلو والتطرف الذي یقود لأسوء العواقب وذلك ببناء شخصیة کل فرد في الأسرة بناءا صحیحا یقوم علی الفکر والحریة والحوار والقناعة والذاتیة وصحة التنعشة، کل هذا یدخل ضمن الأمن الفکري الثقافي.
الأمن الثقافي هو مفهوم إیجابي وتفاعلي لتأسیس رؤیة جدیدة للأمن حین یترادف مع الثقافة ویتم استخدامه بالشکل المطلوب لتوفیر احتیاجات المجتمع ویکفل حریة الرأي والرأي الآخر ویحفظ حقوق الدول والأفراد علی حد سواء فیما یمتلکون من ثقافات وآثار وفنون وأعمال فنیة. هو إرساء لمفهوم مختلف من التفاعل الإنساني والعلاقات المستمرة والمتبادلة بین أنواع مختلفة من البشر ومفهوم جدید للتعامل الحضاري الناضج القائم علی الإحترام والتقدیر بین الأمم وبعضها فهو عنصر هام من عناصر النهضة المجتمعیة ومظهر من مظاهر القدرة علی التحرر واسترداد هویتنا البشریة والإنسانیة المفقودة.
الأمن الثقافي هو البیئة الصالحة والحاضنة للتعایش السلمي والقضاء علی الإرهاب والجریمة بکل أشکالها.
فأهمیة الأمن الثقافي تکمن فی الحفاظ علی الهویة والإنتماء والوصول إلی الأمن والاستقرار في جمیع نواحي الحیاة سواء داخل الوطن الواحد أو بین الدول المتباینة المصالح والمختلفة التوجهات.
مهددات الأمن الأسري:
أما ما یهدد الأمن الأسري هو ما نقصد به کل ما یمکنه أن یؤثر علی الترابط الأسري سواء  من ناحیة الحوار أو التواصل أو.... أو من ناحية أي تقارب للأفکار.
وأکثر هذه العوامل تهدیداً لقوة الترابط الأسري هي :
1- الفضائیات والهواتف النقالة والإنترنت.
2- الخیانة الزوجیة والطلاق.
3- الإلتزام الدیني والبعد عن القرآن الکریم وتعالیم أهل البیت(ع).
4- الأنانیة وعدم تضحیة أي من أطراف الأسرة.
الأمن الأسري من أهم عوامل تنمیة الفرد في أي مجتمع ناجح، والدین الإسلامي یرکز علی هذا الأمر بصورة واضحة من خلال تعالیم وثوابت ترتقي بالإنسان المسلم في حالة اتباعها المراکز في الأمن الأسري.
یحق للمرأة المسلمة أن تعیش وفقا لمعتقداتها الدینیة وأسلوب حیاتها والتزامها الدیني. لذلك فمن الضروري الإهتمام بمکانة المرأة المسلمة ودورها الأساسي والحقیقي في تربیة الأجیال القادمة وإعطاء المزید من الغهتمام للقیم الإسلامیة ومن بینها الحجاب والتربیة للمرأة.
إن المرأة المسلمة علی قناعة تامة بأن الإهتمام بالقیم الإسلامیة لا یحول دون حضورها الفاعل في المیادین السیاسیة والاجتماعیة بل إنّ ذلك یمهد الأرضیة لتقدمها وتنمیة مواهبها.
إن الوثائق والإتفاقیات الدولیة في مجال المرأة وحقوقها بحاجات إلی إعادة النظر فیها لأن معظمها لا یتفق والتعالیم الدینیة والثقافیة والخصائص الإقلیمیة والمحلیة التي تعیشها النساء في البلدان المختلفة، إن إعادة النظر في هذه الوثائق الدولیة وتقدیم مقترحات بنّاءة من قبل النساء المسلمات تشکل خطوة مهمة في إصلاح وتعدیل تلك الوثائق والإتفاقیات.
الحرکة الأنثویة الحدیثة:
الحرکة النسویة هي حرکة غربیة عرفت سابقاً بحرکة تحریر المرأة، ثم انتقلت إلی عالمنا الإسلامي من خلال الغزو العسکري والثقافي فشقیت بها الأمة منذ عقود من الزمن، وما زالت هذه الأفکار تستورد اتباعا کلما حصل تطورات فکریة لهذه الحرکة في موطنها الأصلي.
وتعریفها باختصار عند أتباعها، هي: الفلسفة الرافضة لربط الخبرة الإنسانیة بخبرة الرجل وإعطاء فلسفة وتصور عن الأشیاء من خلال وجهة نظر المرأة.
والمتخصِّصون یفرّقون بین النسویة والنسائیة، فالنسائیة هي الفعالیات التي تقوم بها النساء دون اعتبار للبعد الفکري والفلسفي، وإنّما بمجرد أنها فعالیات تقوم بها المرأة بینما النسویة تعبر عن مضمون فلسفي وفکري مقصود حسب التعریف السابق.
أحد موجبات وجود هذه الحرکة في الغرب هي صورة المرأة في المصادر الثقافیة الدینیة الغربیة أي في التراث الیهودي والمسیحي باعتبار أنّ الحرکة هي نتاج المجتمع الغربي وثقافته ولیست نتاج المجتمعات الأخری، سواء کانت إسلامیة أو غیر إسلامیة فقد نشأت فیه وانبعثت منه، فالمرأة في هذا التراث هي أصل الخطیئة؛ لأنّها هي التي أغرت آدم بالخطیئة عندما أکلت من الشجرة کما هو منصوص علیه في کتبهم الدینیة المحرّفة، فالربّ عندما فعلت هذا الفعل حکم بسیادة الرجل علیها نهائیا، وقد ترتب علی هذا الموقف -فیما بعد– أحکام وأوصاف أخری للمرأة في هذا التراث فهي شیطانة وهي ملعونة، وأن لیس لها روح تستحق من خلال هذه الروح أن تدخل الجنة، بل الأغلب أنها تدخل النار ولا توجد امرأة لدیها فضیلة یمکن أن تدخلها إلی الجنة؛ هذا أحد موجبات وجود هذه الحرکة وأسباب انتشار هذه الأفکار التي تجمع علیها هذه الحرکة.
الموجب الآخر لهذه الحرکة المتطرفة هو موقف العدید من المفکرین والفلاسفة الغربیین تجاه المرأة من (أفلاطون) الفیلسوف الیوناني المشهور الذي یصنف المرأة في عدد من کتبه ومحاوراته مع العبید والأشرار ومع المخبولین والمرضی، إلی الفلاسفة المتأخرین مثل (دیکارت) من خلال فلسفة الثنائیة التي تقوم علی العقل والمادة: فیربط العقل بالذکر ویربط المادة بالمرأة.
والفیلسوف (کانط)، أحد آباء الفلسفة الغربیة یصف المرأة بأنها ضعیفة في کافة الإتجاهات بالذات في قدراتها العقلیة، کذلك فیلسوف الثورة الفرنسیة (جان جاك روسو) یقول: "إنّ المرأة وُجدت من أجل الجنس ومن أجل الإنجاب فقط"، (إلی فروید) الیهودي رائد مدرسة التحلیل النفسي وموقفه المعروف من المرأة الذي یتضمن أن المرأة جنس ناقص لا یمکن أن یصل إلی الرجل أو أن تکون قریبة منه.
هذا الموقف التراثي الدیني المنبعث من التحریف الموجود في العهدین القدیم والجدید مع موقف هولاء المفکرین والفلاسفة هما الموجبان الرئیسان لهذه الحرکة النسویة.
فدعاة النسویة یتخذون من هذه الأفکار منطلقاً لنشر الثقافة المضادة عن المرأة التي شکلت مفاهیم وقیم ومبادئ الحرکة النسویة الغربیة ثم هم یهدفون أن تکون حرکة نسویة عالمیة.
إن دعاة حرکة النسویة (فیمینیسم) أو التمرکز حول الأنثی یتأرجحون وبعنف بین رؤیة مواطن الاختلاف بین الرجل والمرأة باعتبارها هوة سحیقة لا یمکن عبورها من جهة، وبین إنکار وجود أي اختلاف من جهة أخری.
المحاور الرئیسة للحرکة الأنثویة الحدیثة:
لعل فکر الحرکات الأنثویة الحدیثة یرکز علی ما یلي:
- الإهتمام بدور المرأة العاملة مع إهمال دور المرأة الأم. 
- الإهتمام بالانتاجیة علی حساب القیم الأخلاقیة والاجتماعیة الأساسیة وعلى تماسك الأسرة وضرورة توفیر الطمأنینة للأطفال.
- إقتحام الدولة ووسائل الإعلام وقطاع اللذة لمجال الحیاة الخاصة.
- إسقاط أهمیة الإحساس بالأمن النفسي الداخلي.
- إسقاط أهمیة فکرة المعنی باعتبارها فکرة لیست کمیة أو مادیة.
وقد لاحظ أحد علماء الغربیین (کریستو فرلاش) أنّه منذ أواخر الستینات أصبح من المستحیل علی الأسرة الأمریکیة أن تعیش علی دخل واحد؛ أي أنّه لتحقیق البقاء المادي أصبح من اللازم علی المرأة أن تصبح یداً عاملة وطاقة إنتاجیة ومادة طبیعیة، وأصبح من الضروري أن تتخلی عن وظائفها الإنسانیة التقلیدیة مثل الأمومة، إلاّ أنّه تم القضاء علی آخر معقل ومأوی للإنسان وآخر مؤسسة وسیطة تقف بین الإنسان ورقعة الحیاة العامة التي تدیرها الدولة وتیسرها المؤسسات الاقتصادیة ویوجّهها قطاع اللذة.
لذا فهم یرفضون فکرة توزیع الأدوار وتقسیم العمل ویؤکدون استحالة اللقاء بین الرجل والمرأة، ولا یکترثون بفکرة العدل ویحاولون إمّا توسیع الهوة بین الرجال والإناث أو تسویقهم بعضهم ببعض، فیطالبون بأن يكون الذکور آباء وأمهات فی الوقت نفسه وأن تصبح الإناث بدورهنّ أمهات وآباء.
لعل الهندسة الوراثیة ستحُلُّ کثیراً من هذه المشاکل، وستفتح باب التجریب اللامتناهی علی مصراعیه بحیث یصبح بإمکان الرجل أن «یحمل» طفلاً (ولیس مجرد بطن بلاستیك)، ویمکن تجاوز مشقات الحمل نفسها من خلال عملیات الاستنساخ المریحة.
کما أن تعدیل القوانین في الغرب سیتکفل بکل ما قد یتبقی من مشاکل شکلیة قد تضع حدوداً علی عملیة التجریب، إذ بإمکان الأنثی أن تتزوج من أنثی أو من رجل حسب ما یسمونه «التفضیل الجنسي “sexual preference.
بل إنّ الأمر یمتدّ لیشمل الأحاسیس الداخلیة ذاتها. فالمرأة الحقیقیة یجب ألاّ تختلف مشاعرها عن مشاعر الرجل، والرجل الحقیقي یجب ألا تختلف مشاعره عن مشاعر الأنثی.
تؤکد حرکة التمرکز حول الأنثی (النسویة) فی إحدی جوانبها الفوارق العمیقة بین الرجل والمرأة وکأنه لا توجد إنسانیة جوهریة مشترکة تجمع بینها. لذا فدور المرأة کأم لیس أمراً مهما، ومؤسسة الأسرة تعدّ عبثا لا یطاق.
إنّ الحرکة النسویة الحدیثة تصدر عن مفهوم صراعي للعالم حیث تتمرکز الأنثی علی ذاتها ویتمرکز الذکر هو الآخر علی ذاته ویصبح تاریخ الحضارة البشریة هو تاریخ الصراع بین الرجل والمرأة، وهیمنة الذکر علی الأنثی ومحاولتها التحریر من هذه الهیمنة.
یضرب تیري ایجلتون مثلا علی التحلیل التفکیکي ذي الاتجاه المتمرکز حول الأنثی الذي یؤکد فکرة الصراع هذه، وکیف أن أحد قطبي الصراع لا بدّ أن یهیمن علی الآخر، فلا حب ولا تراحم ولا إنسانیة مشترکة، بل صراع شرس لا یختلف إلا من ناحیة التفاصیل عن الصراع بین الطبقات عند مارکس، أو الصراع بین الأنواع والأجناس عند داروین، أو الصراع بین الجنس الأبیض والأجناس المختلفة الأخری حسب التصور العنصري الأمبریالي الغربي. 
نقد الحرکة الأنثویة:
تنکر الحرکة النسویة/ الأنثویة الإنسانیة المشترکة، لذا لا یمکن أن ینضم لها الرجال، فالرجل باعتباره رجلاً لا یمکنه أن یشعر بمشاعر المرأة کما أنه بذلك یحمل وزر التاریخ الذکوري الأبوي، رغم أنه لیس من صنعه، کما تنکر الإختلاف ومن ثم لا مجال للتنوع ولا مجال لوجود الإنسانیة کما نعرفها.
لکل هذا لا یوجد برنامج للإصلاح في الحرکة المتمرکزة حول الأنثی ولا توجد محاولة جادة لتحقیق المساواة بین الرجل والمرأة أو إلی تغییر القوانین أو السیاق الاجتماعي للحفاظ علی إنسانیة المرأة باعتبارها أماً وزوجة وابنة وعضوا في الأسرة والمجتمع، إذ لا توجد إنسانیة مشترکة. والبرنامج الإصلاحي الذي تریده هذه الحرکة هو برنامج یهدف إلی تغییر الطبیعة البشریة ومسار التاریخ والرموز واللغات.
وإذا کانت الأسرة هي اللبنة الأساسیة في المجتمع، فإنّ الأم هي اللبنة الأساسیة في الأسرة ومن هنا ترکیز النظام العالمي الجدید علی قضایا الأنثی، فالخطاب المتمرکز حول الأنثی هو خطاب تفکیکي یعلن حتمیة الصراع بین الذکر والأنثی وضرورة وضع نهایة التاریخ الذکوري الأبوي، وهو خطاب یهدف إلی تولید القلق والضیق والملل وهدم الطمأنینة في نفس المرأة عن طریق إعادة تعریفها بحیث لا یمکن أن تتحقق هویتها إلا خارج إطار الأسرة. وإذا انسحبت المرأة من الأسرة تآکلت الأسرة وتهاوی معها أهمّ الحصون ضد التغلغل الإستعماري والهیمنة الغربیة وأهم المؤسسات التي یحتفظ الإنسان من خلالها بذاکرته التاریخیة وهویته الدینیة ومنظومته القیمیة.
وثمة دراسات تشیر إلی أن قلق المرأة بخصوص هویتها وذاتها قد تتزاید مع فقدانها وظیفتها ومکانتها کأم وزوجة. وأن هذا القلق له مردود سلبي للغایة علی صحتها النفسیة وعلی محاولتها تحقیق ذاتها وأنه هو الذي یؤدي إلی محاولة المرأة التشبه الشرس بالرجل...
ویساند عملیة حوسلة المرأة (أي تحویلها إلی وسیلة) وتوسیع نطاق الإمبریالیة النفسیة صناعة الإعلانات التي تستخدم المرأة لتصعید الرغبات الإستهلاکیة عند کل من الرجل والمرأة وتفید إنتاج صورة المرأة باعتبارها جسداً مادیاً محضاً موضوعاً للرغبة المادیة المباشرة.
ثم تأتي أخیراً صناعة السینما في الولایات المتحدة (هولیوود) التي تغیر صیاغة صورة المرأة؛ فهي تنزع عن المرأة کل قداسة وتحریها لأمن ملابسها وحسب وإنما من إنسانیتها وکینونتها الضاربة والاجتماعیة وخصوصیتها الثقافیة، بحیث تصبح الإنسان المقترح من قبل النظام العالمي الجدید؛ إنسان بدون ذاکرة ولا وعي، إنسان عصر ما بعد الحداثة والعالم الذي لا مرکز له.
کیفیة تحقیق الأمن الأسري:
وإذا أردنا تحقیق الأمن في المجتمع والأسرة لا بدّ من أن نتخذ الأسرة نقطة بدء وبدلاً من الحدیث عن حقوق الإنسان لا بدّ أن یحل محله الحدیث عن تحقیق الذات داخل إطار الأسرة.
وبدلاً من الحدیث عن تحریر المرأة کي تحقق ذاتها ولذتها ومتعتها، قد یکون من المفید أن ندرس ما حولنا لنکشف أن أزمة المرأة هي في واقع الأمر جزء من أزمة الانسان في العصر الحدیث والتي تتبع هذه الحرکیة الهائلة المرتبطة بتزاید معدلات الاستهلاك.
... بما أن هذه الحرکة الاستهلاکیة المتطرفة هي أحد أسباب أزمة الانسان الحدیث، قد یکون من الأکثر رشدا وعقلانیة ألا نطالب بتحریر المرأة وألا نحاول أن نقذف بها هي الأخری في عالم السوق والاستهلاک، وأن نطالب بدلاً من ذلك بتقیید الرجل أو وضع قلیل من الحدود علیه وعلی حرکیته.
ولعلّه قد یکون من المفید ألا نتحدث عن حق المرأة في العمل، أي العمل المنتج مادیاً ونعید صیاغة رؤیة الناس بحیث یعاد تعریف العمل فیصبح العمل الإنساني أي العمل المنتج إنسانیا. فهنا تصبح الأمومة أهم الأعمال المنتجة، ومن ثم یقل إحساس المرأة العاملة في المنزل بالغربة وعدم الجدوی ویزداد احترام الرجل لها.
"البعض یظنّ أن اقتصار عمل المرأة علی الأعمال المنزلیة إهانة لها، لا البیت ليس إهانة بل إنّ أهم عمل یقع لی عاتق المرأة هو أن تهتم بإدارة الحیاة داخل المنزل" السید القائد الإمام الخامنئي 29/5/2002
ولكن كيف يتحقّق الأمن الأسري في ظلّ كل المؤثرات التي تعصف بالأسرة من كل جانب وفي كل حين؟ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر فساد القنوات الفضائية، إنشغال الوالدين فضلاً عن جهل العديد من الوالدين بمهارات التربية والعلاقات الأسرية، بل وانغماس الوالدين أو أحدهما في متاهات الحياة وغرائزها؛ ويعد هذا المؤثر أهم المؤثرات الاجتماعية التي تزعزع أمن الأسرة.
مما يؤثر على الأمن الأسري كذلك؛ الفهم الخاطئ لبعض المفاهيم الشرعية، وعدم فهم أو تطبيق مفاهيم أخرى مثل: (التدين وبالتالي التطرف الديني، النشوز، القوامة، طاعة الزوج، تصفّح الإنترنت من غير ضوابط أو رقيب).
لتحقيق الأمن الأسري في مجتمعاتنا يجب علينا إحياء مبادئ أساسية تخلى عنها أرباب الأسر حيث تنكروا لأدوارهم، وبالتالي لم يعد الإبن مثلا يقوم بالتعاون وتقديم كل ما بوسعه في سبيل إسعاد الأسرة، لذا يجب أن يتفاعل كل عضو من أعضاء الأسرة في تقديم كل جديد لها، بل نجد أنه مهما كان هناك دخلاء يندسون وسط هذه الأسرة لتفكيكها فستجد أن الأبناء قبل الوالدين هم الذين يدافعون وبكل قوة عن هذا الكيان، وهذا ما نريده من كل فرد ينتمي إلى أسرته ومتى ما تحقق ذلك المفهوم العظيم تحقق الأمن الأسري.
وهنا نورد المبادئ التي ينبغي على الأسر السير على نهجها والمحافظة عليها لنيل أمنها واستمرار حياتها بكرامة: 
أولاً: بناء العقيدة الإسلامية الصحيحة في قلوب وعقول أفراد الأسرة.
ثانیاً: المحافظة على الأخلاق والقيم النبيلة.
ثالثاً: توضيح الأدوار لكل عضو وفرد من الأسرة.
رابعاً: تلبية حاجات أفراد الأسرة.
وهذه من أهم الطرق في تحقيق الأمن الأسري، فإن عدم توفر متطلبات العيش الهانئ، والحياة الأسرية الكريمة يجعل كل فرد من أفراد هذه الأسرة يبحث عنها عند الغير، فالذي يحتاج إلى الرصيد العاطفي كالحب والرحمة فإنه يبحث عنها عند الآخرين، وهنا تكمن المشكلة الكبرى؛ وهي البحث عن المخزون العاطفي لدى الغير؛ لأنها بداية انحراف أخلاقي حتمي وكثير من الآباء والأمهات لا يعون هذه المسألة جيداً؛ من توفير كلمات الحب العفيف النابع من قلب الرحمة والشفقة تجاه أفراد الأسرة، حتى يسود جو الأسرة المزيد من الترابط والقوة.
خامساً: فهم المجتمع ومؤسسات الدولة لحاجات الأسرة.
لن تتمكن الأسرة لوحدها من حماية هذا الكيان وتحقيق المبادئ السابقة ما لم يكن هنالك تكاتف من المجتمع ومؤسسات الدولة، وخاصة من حيث خلق مؤسسات ومراكز تهتم بالأمن الأسري.

التعليقات (0)

اترك تعليق