كلمة فضيلة الشيخ خضر نور الدين: دور الإعلام في دعم الأسرة وتحقيق الأمن التربوي
كلمة فضيلة الشيخ خضر نور الدين (مسؤول جمعية أمان للإرشاد السلوكي والاجتماعي)
دور الإعلام في دعم الأسرة وتحقيق الأمن التربوي
بسم الله الرحمان الرحيم
صحيح أن الإعلام بالأصل أمر ضروري لما فيه من فوائد للمجتمع الإنساني، لكن اليوم يستفاد منه بشكل سلبي. حيث بات سلاحاً فعالاً بيد القوى الكبرى المهيمنة التي تمتلك إمكانات غير عادية توظفها في الإعلام من خلال رسائله المختلفة لتحقيق غاياته وأهدافه.
وبما أن الهجمة الشرسة على المجتمعات الضعيفة من قبل القوية واضحة لكل متابع، ارتأيت أن أركز أكثر على الآثار السلبية للإعلام على الأسرة والأمن التربوي لنلتفت لما فيه تحصين مجتمعنا. وسيتضح دور الإعلام في دعم هذين الأمرين.
وأبدأ بقول لمدير المكتب الأبيض للإتصالات توكراسيكو: "نحن نخوض حرباً مع الأفكار بالقدر نفسه الذي نخوض فيه الحرب على الإرهاب. لذلك وجهة نظري ترى أن تخفيف الملابس عبر الإعلام هو أفضل وسيلة للإختراق".
وسأشير في هذه الكلمة إلى الأمور التالية:
1- تعريف الأسرة والحقوق فيها.
2- تعريف الإعلام ووظائفه.
3- آثار الإعلام على الأسرة.
4- كيف نعمل من خلال الإعلام لدعم الأسرة.
5- تعريف الأمن التربوي.
6- الآثار السلبية لوسائل الإعلام على العملية التربوية.
7- كيف يمكن دعم العملية التربوية من خلال الوسائل الإعلامية.
في البداية كان لا بد من توقف عند تعريف الأسرة ومفهومها في علم الاجتماع حيث تعتبر الخلية الأساسية في المجتمع وأهم جماعاته الأولى. وتتكون من أفراد تربطهم صلة القرابة والرحم وتساهم في النشاط الاجتماعي من كل جوانبه المادية والروحية والقانونية والاقتصادية. لذلك يعطي المجتمع الحريصين على استقراره حقوقا منها حق الصحة والتعلم، حق السكن، حق الأمن وبكل أشكاله. وعليهم واجبات منها نقل التراث واللغة والتكامل مع بعضهم لتشكيل المجتمع القوي والمحصّن والإشتراك مع الآخرين في كل ما يؤدي إلى التكامل والنمو والدفاع عن مقومات البقاء للعيش بعزة وكرامة.
وقبل الحديث عن أثر الإعلام على الأسرة، كان لا بد من الحديث عن وسائل الإعلام ووظائفها الحالية:
تعريف الإعلام:
الإعلام هو عبارة عن الإتصال بين المرسل والجمهور عن طريق وسيلة اعلامية تنقل من خلالها الرسالة الإعلامية من طرف لآخر، وهو نشر الأفكار والأخبار والآراء بين الناس بواسطة وسائل الإعلام الجماهيرية المعروفة (الصحافة، التلفزيون، السينما، الإذاعة، الإنترنت، وسائل التواصل الاجتماعي). استعمل هذا المصطلح لأول مرة عام 1958 مقابل المصطلح في اللغة الإنكليزية Information. والغاية من الإعلام هو توجيه الجماهير وتزويدهم بالمعلومات والحقائق والأخبار لتكوين رأي عام محدد بمعزل عن كونه إيجابياً أو سلبياً. ويقال أيضاً أنه الإقناع عن طريق المعلومات والحقائق والأرقام.
ويهتم الجمهور عادة بالإعلام باعتباره مصدراً أساسياً لتحصيل المعلومات التي يعتقد بضرورتها.
لذا كان للإعلام دوراً بارزاً في الحياة العامة بشكل عام بحيث سمّي بالسلطة الرابعة، لكن أصحاب الطموحات والنفوذ والأفكار الإستعمارية استغلوا هذا الموضع لتحقيق آمالهم وطموحاتهم فعمدوا إلى الإهتمام بالإعلام وطوّروه خصوصاً بعد التقدم التكنولوجي ليصبح السلطة الأولى لما له من تأثير على توجيه الشعوب سواءً داخل مجتمعاتهم لما له من تأثير على الرأي العام أو على الشعوب الأخرى لما له من تأثير على حياتهم العامة، من خلال اللعب على المفاهيم والمقاصد والمصطلحات. وهكذا يستفاد من الإعلام كوسيلة بدل أن تكون لإفادة المجتمعات، وسيلة هدّامة وخطرة.
وبات اليوم من الحقائق التي لا نقاش فيها أن تأثير وسائل الإعلام سواءً في الأفراد أو المجتمعات بات أمر غير عادي، حتى يمكن القول أن هناك معادلة منطقية مفادها أن ما نراه من سلوك بشري سببه الأساس وسائل الإعلام على قاعدة السببية.
وهذه الآثار لوسائل الإعلام قد تكون قصيرة الأمد وقد تكون طويلة، وقد تبدو ظاهرة أو تكون مستترة قد تظهر بعد فترة، وقد تكون دينية، نفسية، اجتماعية، سياسية، اقتصادية... وهذه الآثار بالعموم قد تكون إيجابية وقد تكون سلبية.
وقد ركّزت الأبحاث التي عملت على تأثير رسائل الإعلام على مجالات عديدة أهمها:
- التغيير المعرفي.
- التغيير القيمي.
- التغيير السلوكي.
- تغيير الموقف والإتجاه.
1- التغيير المعرفي: باعتبار أن المعرفة تشمل الإعتقادات الدينية والإجتماعية وغيرها. ولهذه الأمور تأثير مباشر على المواقف والسلوك عند الأفراد والجماعات. وتعتبر من أخطر المسائل التي تعتمدها وسائل الإعلام لو أرادت ذلك، لأن جذور التغيير المعرفي عميقة وإزالتها ليست بالأمر السهل، لأنها قد تنقل المجتمع من مكان إلى آخر لا يتناسب معه. وبالتالي عودته إلى ما كان عليه تصبح صعبة، والبقاء حيث وصلت أمر غير ممكن.
2- التغيير القيمي: تعتبر القيم والمعارف والعقائد من مرتكزات الهوية الثقافية والحضارية لأي مجتمع. وهذه المسائل كانت في السابق في عهدة المدارس والبيوت. أما اليوم أصبحت من مهام وسائل الإعلام التي تؤثر أكثر من غيرها في عملية البناء أو الهدم وفي عملية الإعمار أو التخريب، واليوم من خلال الوسائل الإعلامية المختلفة ومع كون العالم بمثابة قرية واحدة بفعل العولمة، فإن هدم القيم الموجودة وبناء قيم جديدة في مجتمع ما (خصوصاً إن كان ضعيفاً لا مقومات له) أمر سهل من خلال الأفلام والمسلسلات وبرامج الكرتون للأطفال وقد تمر عبر مسائل فكاهية عابرة لا يلتفت إليها الناس وتترك أثراً على النفوس.
وهكذا تصبح عملية التنشأة الإجتماعية اليوم بيد الوسائل الإعلامية ويضعف دور الأهل والمدرسة والبيئة الداخلية.
3- التغيير السلوكي: إن تغيير السلوك لا يعتمد على عامل واحد وانما على عوامل متعددة. فقد يكون نتيجة تغيير معرفي، أو نتيجة تنشئة اجتماعية طويلة الأمد، أو تغيير في الموقف والإتجاه، أو نتيجة تأثير زمني محدد كالتأثر بالإعلانات في السلوك الشرائي واتباع الموديلات المختلفة والمتغيرة في زمن قصير. ووسائل الإعلام هي من العوامل التي تعمل على تغيير السلوك، من خلال الترويج والجذب. كأن تكون الشخصيات الفنية أو الرياضية أو الإجتماعية، مثالاً للشباب اليوم أو للرجال والنساء.
4- التغيير الموقفي: يمكن القول أنه الأساس في عملية التغيير لأنه يقصد تغيير رؤية الإنسان لقضية ما، أو لشخص ما أو لدين ما، أو لقيمة ما، أو لسلوك ما بحيث يتم اللعب على المشاعر والأحاسيس. فيتعاطف الإنسان مع ما يريده المسيّر للوسائل الإعلامية سياسياً وتربوياً واجتماعياً واقتصادياً... فيغيّر العدو والخصم من خلال التحريك الغرائزي وطمسه حقائق كان لها دوراً أساسياً في مواقف الناس.
وباختصار يمكن القول أن لوسائل الإعلام تأثير كبير على فهمنا للقضايا، ومواقفنا منها وحكمنا على الأشياء. بالإضافة إلى الإستثارة العاطفية من خلال استثارة مشاعر السخط، والتمرد والكراهية والولاء، من خلال التركيز على مشاهد العنف، وإثارة الغرائز كما انها تعمل على تكريس واقع ما، من خلال تزكية وتمجيد أوضاع قائمة أو أفكار سائدة أو نماذج وشخصيات معينة.
آثار وسائل الإعلام على الأسرة:
كما أشرنا، لوسائل الإعلام آثار إيجابية (فيما لو كانت الجهات المشغّلة لها تقصد بناء الأسرة المتينة) ولها آثار سلبية (فيما لو كانت تريد العكس). وهنا سأشير إلى شكلي الأسرة: الأسرة النواة والأسرة الممتدة.
أما فيما يعني الأسرة النواة أشير إلى أمرين:
الأول: العلاقة بين الزوجين:
إن الإستغراق غير العادي بمتابعة وسائل الإعلام المختلفة، يؤدي إلى انشغال كل من الزوج والزوجة بالبرامج التي يتابعونها، على القنوات المختلفة وهذا يؤدي إلى برودة العلاقة بينهما والإبتعاد عن مناقشة الأمور الملحّة المطلوبة، والتفكير والتخطيط لصالح الأسرة.
متابعة الأفلام والمسلسلات الغربية المختلفة تؤدي إلى استسهال الكثير من الأمور التي كانت تعتبر عيباً وحراماً، كاستسهال الخيانة الزوجية والوقوع في المحرمات أو المحاسبة بناءً على ما يرونه من برامج ومعروف الفرق الكبير بين القيم الغربية وقيمنا.
بات واضحاً أن الإكثار من الجلوس على وسائط التواصل الاجتماعي، والحديث مع أناس غرباء، عبر الشبكة العنكبوتية قد يؤدي إلى إقامة علاقة عبرها وبالتالي قد يرى الرجل من المتواصل معها، ما لا يراه في الزوجة. وكذلك الزوجة وهذا يؤدي إلى البرودة في العلاقة الزوجية إن لم تصل إلى المشاكل.
التواصل عبر الواتساب من قبل الزوجين مع غرباء، قد يؤدي إلى إقامة علاقات مباشرة بعد أن تبدأ عبر الهاتف وهذا ما حصل عند بعض الأزواج مما أدى إلى الطلاق.
الإنشغال بوسائل الإعلام يبعد الأهل عن الإهتمام بالأولاد, وهذا ما يدفعهم للتمرد باعتبار أن الوالدين لا يهتمون بهم ولا يتابعون قضاياهم. ومع وجود هذه الوسائل لديهم قد يتفلتون من مراقبة الأهل وهذا ما قد يؤدي إلى خراب ودمار العلاقة مع الأولاد.
الثاني: العلاقة بين الأبناء والاهل:
إن متابعة وسائل الإعلام من قبل الأبناء بعيداً عن أي رقابة، قد يؤدي إلى تغيير في القيم العائلية، التي كانت سائدة في مجتمعنا، وبالتالي قد يذهب الأولاد إلى العقوق.
إن ابتعاد الأهل عن مراقبة الأبناء قد يؤدي إلى تواصل الأولاد مع جهات موجودة على الشبكة العنكبوتية، فيتورطون في مشاكل جنسية. خصوصاً الفتيات الصغار، كما يحصل مع بعض الإناث خصوصاً في المرحلتين الإعدادية والثانوية. وهذا ما يجلب المشاكل للأهل.
الأسرة الممتدة:
من الواضح أن الإنشغال بمتابعة وسائل الإعلام، إذا ما أضيف إلى الإنشغال بتأمين متطلبات الحياة، يزيد من التباعد بين الأقارب من الجد والجدة، أو العم والعمات والخال والخالات وأبناءهم. وذلك بحجة الانشغال وعدم وجود الوقت الكافي لذلك. وهذا يؤدي إلى قطع الرحم. بالاضافة إلى ضعف العلاقات مع الاخرين. وكمثل عام ما يجري في اليمن من حرب غير متكافئة وضروس، ما كان الشعب اليمني، ليصمد لولا اهتمامه القبلي، الذي يعتبر من أوسع أشكال الأسرة الممتدة.
الأمور المطلوبة للإستفادة من وسائل الإعلام إيجاباً:
على المعنيين بالمجتمع أن يلتفتوا إلى أن الدول المتجبرة تعتمد على إضعاف المجتمع ليسقط ومن ثم ليمسكوا به. كوسيلة احتلال جديدة، بعد زوال الإستعمار المباشر. وإحدى طرق الوصول إلى ذلك إضعاف الأسرة. لما من ذلك من تأثير على ضعف المجتع لسهولة الإمساك به.
لذلك كان لا بد من الالتفات إلى كل ما نحتاجه لذلك. ومن هذه الأمور:
1- دفع طلاب الدراسات العليا والمتخصصين لدراسة آثار هذه الوسائل على الأسرة. لأن هذا يساعد في اظهار نقاط الضعف ونقاط القوة. وبعدها يعمل على نقاط القوة، والتخفيف من نقاط الضعف.
2- العمل على بث الوعي حول أهمية ترابط الأسرة، من خلال العمل على برامج مفيدة وجذابة في هذا الموضوع. وإلفات النظر إلى أن سلامة المجتمع للعيش براحة، لا يمكن تحقيقها إلا بحفظ الأسرة.
3- إلتفات الأهل إلى مراقبة ما يظهر على هذه الوسائل خصوصاً التلفزيون والشبكة العنكبوتية. وإلى أن ما يشاهدونه من برامج لا يمكن تطبيقه في مجتمعنا المحافظ والمتدين. وعدم السماح للأولاد بالبقاء لمشاهدة البرامج التي لا تتناسب مع أعمارهم.
4- إيجاد صفحات إيجابية جاذبة عن أهمية الأسرة على الشبكة العنكبوتية.
5- إطلاق حملة لتحصيل الأحكام الشرعية حول أشكال التعاطي مع بعضهم، ومع أبنائهم.
6- القيام بكل ما يساعد على تحصين الأسرة بعد تبيان مخاطر تفككها.
7- الإكثار من حسابات التواصل الاجتماعي المهتمة بالإرشاد الأسري. التي تدار من قبل أناس مختصين وأهل للثقة.
8- الإكثار من البرامج التلفزيونية والإذاعية المعنية بالأسرة، وإنتاج الأفلام والمسلسلات الكوميدية وغيرها التي تؤدي إلى جذب المشاهدين إلى القنوات التي تدار من خلال جهات مأمونة خصوصاً القنوات التابعة لنا.
9- العمل على إيجاد وسائل ترفيه للكبار والصغار خصوصاً في ميدان الرياضة، والمسابقات الأدبية والاجتماعية الهادفة.
10- الإكثار من الندوات والمؤتمرات حول الأسرة، وأهمية ترابطها.
دور الإعلام في تحقيق الأمن التربوي:
في البداية من الجيد الإشارة إلى مفهوم الأمن بشكل عام، باعتبار أنّ هذا المصطلح يشير عند العامة من الناس إلى العيش بسلام، بعيداً عن الأعمال العسكرية أو الأمنية أو الإجرامية، واليوم أصبح مفهوماً أعم من ذلك. لأنّه يشمل الأمن الفكري، الأمن التربوي، الأمن الاجتماعي، والأمن الأخلاقي...
معنى كلمة أمن هو السلام وطرد الخوف، والعمل على أمن المجتمع بشكل عام، يعني تحصينه من كل ما يشكل ضرراً أو خطراً على المجتمع البشري لتأمين الاستقرار المعيشي. وقد استعمل هذا المصطلح (الأمن التربوي) لأول مرّة عام 1977 بحسب تقارير الأونسكو، بعد أن دخلت وسائل الإعلام إلى البيوت والمقاهي والمكاتب وغيرها...
وعملية التربية هي عملية شاملة، وغير عادية باعتبار أنّ طبيعة الإنسان المركبة من طموحات وآمال وشهوات ورغبات، تميل أكثر إلى التفلّت من القيود، وهي بالأساس تؤكد على التزام الإنسان من صغره، بكل ما يحفظ إنسانيته وفطرته وتسمى بالتهذيب والتزكية، بالإضافة إلى تحصيل المعارف المطلوبة لتنمية ...وهي عملية نقل المعارف من جيل إلى جيل، وقد كانت في السابق في عهدة الأهل والمدرسة والمسجد، ثمّ تشكلت جمعيات ونوادي.
واليوم وبعد انتشار وسائل الإعلام المتعددة بعد التطور التكنولوجي الهائل، أصبحت هذه الوسائل تلعب دوراً أساسياً في هذه العملية بحيث باتت السلطة الأولى بعد أن كانت السلطة الرابعة، لأنها بالعموم تؤثر على المجتمعات في كل الميادين السياسية والاقتصادية والتربوية والثقافية وغيرها. وأصبحت السلاح الأساس في الحرب الناعمة التي تستهدف المجتمعات بشكل عام وخصوصاً المجتمعات النامية والضعيفة وغير المحصّنة.
أسباب تقدم وسائل الإعلام على غيرها في العملية التربوية:
اعتمادها على أسلوب الجذب الذي يتماشى مع الرغبات والغرائز الموجودة عند الإنسان.
استسهال الإستفادة منها باعتبارها مصدراً سهلا، يؤمن معظم ما يبحث عنه الإنسان وخصوصاً الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي.
التفلّت من رقابة الأهل والمدرسة وغيرها من المؤسسات التربوية بحيث يستفيد من هذه الوسائل دون محاسبة وبعيداً عن الرقابة.
كثرة المواد الترفيهية الموجودة فيها والتي تتماشى مع حب الإنسان للترفيه، وتمضية الوقت بأمور مسلية من ألعاب الكترونية وغيرها.
باعتبار أن الإعلام عابر للحدود، والمتابع يشعر أنه يتواصل مع كل المجتمعات بشكل سهل. مما يتيح له تحصيل ما يريد من معارف وتحقيق ما يريد من رغبات بشكل أفضل.
أثر التلفزيون على التربية للناشئة:
الخبير الإعلامي هالوران يقول: "إن احدى الدراسات الميدانية توصلت إلى نتيجة مرعبة تتمثل في أن 87% من الأطفال في سن الحادية عشرة يثقون بالتلفزيون أكثر من أي مصدر آخر". وجواباً على سؤال إذا سمعتم قصة عن المدرسة أو التلفزيون أو الأهل فأي رواية تصدقون، أجاب "45% التلفزيون". ويقول عالم بريطاني (عالم اجتماع) اسمه غيدنز في أشكال الإعلام في التأثير على الجماعة أن "طبيعة الوسيلة الإعلامية المستخدمة في المجتمع تؤثر في بنية المجتمع أكثر مما يتركه المضمون والمحتوى أو الرسالة التي تنقلها وسائل الإعلام". ويضيف أن "وسائل الإتصال في العالم العربي مع استثناءات قليلة هي بنت السلطة أو ربيبتها. وهي الأدوات الأساسية للتعبئة السياسية أو الشحن العاطفي النفسي".
وباعتبار أن الإعلام المرئي، يجمع بين الدور التثقيفي والتربوي والترفيهي ويخاطب حاستي السمع والبصر، عند المتلقي. كان له الأثر الفاعل في جذب الإنتباه. ومعلوم أن هذا الأسلوب، يعد من أهم الوسائل التعليمية المتميزة، بسبب قدرته على إشباع الإحتياجات الإنسانية لمرحلة الطفولة، خاصة حاجات النمو العقلي، مثل الحاجة إلى الحب والحاجة إلى حب المعرفة وحب الإستطلاع.
ويساعد على تنمية خيال الطفل وتغذية قدراته المعرفية. وباعتبار أن معظم البرامج الموجودة على التلفزيونات والشبكة العنكبوتية، هي أجنبية وغربية وتحمل قيم الغرب، التي لا تمت بالعموم إلى قيمنا بصلة، بدءاً من الأفلام الكرتونية والمسلسلات المكسيكية والأميركية والتركية إلى غيرها.
ولهذه المسائل آثار سلبية على الدين أيضاً والنظرة إلى الله عز وجل بحيث أنها تدفع إلى التذمر من كثير من المسائل المتعارفة عندنا كالعادات والتقاليد والعقلية.
بالإضافة إلى تعليم الولد الشطارة بحيث لا يحسب حساب للآخرين وهكذا...
وبهذا تتزعزع روح الإنتماء للطفل والشاب لأمته ولبيئته، بحيث تجذبه شعارات وطموحات كاذبة تطرحها البرامج الغربية، على رأسها تعميم مفهوم "الغاية تبرر الوسيلة". ومعلوم معارضة هذا المفهوم للقيم الدينية عندنا.
وبعد اطلاعي على دراسات عدّة متنوعة ذكرت أنّ أطفال ما قبل المدرسة يقضون ما بين ثلث إلى نصف أوقاتهم على مشاهدة التلفزيون، وبعد دخولهم المدرسة تكون مدّة مشاهدتهم مساوية لمدّة وجودهم في المدرسة. وفي أيام العطل الغلبة لمشاهدة التلفزيون، بحيث ذكرت مجلة المعرفة السعودية حول قضاء الوقت للطلاب في إجازاتهم الصيفية إذ أن 30% منهم يضعون الأولوية للتلفزيون، و11% للقراءة.
كما أشير هنا إلى أنّ دراسة تفصيلية عن برامج الأطفال خصوصاً الكرتونية، تنمي العنف والكراهية بشكل مريع، حيث تحتل 42% من شخصيات سلاحف النينجا و 40% من توم وجيري، و24% من جراندايزر.
ولقد تنوّعت أشكال العنف الذي مارسته الشخصيات الكرتونية: 35% مشاجرات، 33% مقالب، 14% معارك، 5% تعذيب، 5% تهديد، والأطفال يميلون إلى تقليد ما يشاهدونه بنسبة 80% من الذكور، و 35% من الإناث.
وهنا يقول الناقد الإعلامي جورج غوير أنّ الذين يشاهدون التلفزيون بكثرة يرون العالم أكثر عنفاً مما هو عليه، وهم أكثر شكاً من الذين لا يشاهدونه.
وإذا ما أردنا مدى التأثير على مستقبل الأطفال، نذكر دراسة بريطانية أجريت على 927 طفلاً بريطانياً لأطفال تتراوح أعمارهم بين العاشرة والرابعة عشر: "إنّ الأطفال الذين لا يشاهدون التلفزيون يفوقون الأطفال المشاهدين للتلفزيون في مستوى الأداء المدرسي".
وأزيد ما خَلُصت إليه الباحثة ماريد بينب نتيجة مراقبة مجدية أنّ الأطفال في المرحلة الأولى من نموهم أي في المرحلة الحسية لا يتعلمون من التلفزيون شيئاً يذكر في الجانب اللغوي، بل تظهر في العمر ما بين ثلاث سنوات وأربع سنوات، حيث ثبت أن الطفل يستوعب 20% من مسار الأحداث الواردة في البرامج، ويستطيع أن يتابع عشرين فعلاً أو حركة كاملة متلاحقة.
في حين أنه لا يستطيع أن يستوعب في الذاكرة أو يستفيد بواسطتها أكثر من ست أفعال أو حركات كاملة.
وقد أثبتت هذه الدراسات والتجارب التربوية إلى أنه من الخطأ الإكثار من مشاهدة برامج التلفزيون، فهي تؤدي إلى التعطيل الكلّي لفاعلية الدماغ بل لا بدّ من تأثير نسبي محدود.
وهذا لا يعني أن بعض نواحي النمو الدماغي قد لا يصاب بالخلل نتيجة أسباب قد تحدث في مراكز معينة في المخ، وقد تؤدي إلى تأخر في النطق أو فقدانه أحياناً.
لذلك يمكن القول أنّ المشاهدة المكثفة من قبل الطفل للتلفزيون قد تؤدي إلى عاملين سلبيين:
1- الاكتفاء بالاستماع من جهة واحدة، وهذا يؤدي إلى أنّ الطفل لن يفهم منه إلا نسبة ضئيلة ولن يحتفظ في ذاكرته إلا بنسبة ضئيلة منه.
2- إن الانشغال عن تحريك النطق والحوار الكلامي والمنطقي أثناء المشاهدة التلفزيونية المكثّفة يؤدي إلى ضعف في مركز استقبال الكلام، وهذا يعني حدوث اضطرابات في عملية النطق، ويمكن أن تتأخر عن الحدّ الطبيعي، الذي يفترض أن يكون في مرحلة معينة من مراحل الطفولة التي يستقبل فيهاالطفل أو يشاهد البرامج التلفزيونية المخصصة له.
آثار وسائل الإعلام على فئة الشباب:
كما هو الحال عند الصغار، كذلك لوسائل الإعلام الأثر الكبير على فئة الشباب إن لم نقل أنها تشكل خطراً أكبر. والسبب أن هذه الفئة تدخل على الشبكة العنكبوتية خصوصاً مع وجود التلفون في أيدي النسبة الأعظم منهم، فتكون المواد المعروضة أمامهم على صفحاتها. والأهم هو عدم الوعي لما هو موجه وما هو غير موجه. ومع كثرة المريدين لتخريب المجتمعات الإنسانية الضعيفة لسهولة الإستيلاء عليها واستيعابها باحتلال جديد من خلال زيادة نقاط الضعف وغيرها.
بالإضافة إلى أن فئة الشباب يصبح عندهم موضوع التواصل مع الجنس الآخر أمراً مطلوباً. لذا فإنه كما وضح عندنا في الدراسة التي أقمناها أن معظم المستفيدين من الشبكة العنكبوتية لا يتصفحونها للدراسات أو لتلقي العلم بل للتواصل مع الآخرين عبر وسائل التواصل الاجتماعي والدخول إلى صفحات تنشر الرذيلة والخلاعة وما شابه ذلك.
كيف نحصّن الأبناء من السلبيات الموجودة:
1- العمل على إقناع الأبناء منذ الصغر للعمل على الإهتمام بالمطلوب والتناسب مع إدراكهم وحاجاتهم. وأن الوعي يحصل بالتدريج مع مرور الأيام. ولكل مرحلة متطلباتها ولا ضرورة للعجلة.
2- على الأهل الإلتفات إلى خطورة ترك الأولاد وخصوصاً. وهنا أشير إلى أن الرقابة اللصيقة غير ممكنة، فضلاً عن أنها تؤدي إلى الشجار دون طائل، وذلك من خلال الحوار والنقاش والمتابعة غير المباشرة لأبنائهم.
3- إصدار أحكام شرعية لإلفات النظر إلى ما يجوز وما لا يجوز.
4- عدم السماح للصغار باستعمال الهواتف الذكية والشبكة العنكبوتية.
5- الإهتمام من قبل المؤسسات التربوية في مجال التوعية من مخاطر الدخول إلى الشبكة العنكبوتية في الأمور غير الضرورية.
6- في ما يعني الوسائل المرئية، عليها أن تعمل على انتاج البرامج سواءً للصغار أو الكبار بحيث تسد الفراغ وتكون بديلاً عن الموجود في الوسائل الأخرى.
7- جذب فئة الشباب من خلال صفحات على الشبكة العنكبوتية جديدة ومراقبة، ومتابعة من قبل مختصين، بالإضافة إلى جذبهم إلى وسائل اجتماعية معروفة إن كان الهدف منها ملئ الفراغ أو التعارف والحوار مع الآخرين.
8- التأكيد على الأهل بضرورة متابعة أولادهم الصغار باختيار البرامج والأقنية التي يشاهدونها، وإذا ما أضفنا وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر، فايسبوك وغيرها... يصبح الشاب أكثر انشداداً لهذه الوسائل خصوصاً مع سهولتهاعبر أجهزة التلفون الذكية. حيث لا حسيب ولا رقيب. وهكذا تصبح مسألة التربية للأجيال مسألة خطرة ومهمة، وهنا أشير إلى خطورة المواجهة التي نعيشها في ظل الحرب الناعمة، التي تعتمد بشكل أساسي وسائل الإعلام العابرة للقارات والحدود كأسلحة تفتك بالأجيال القادمة.
والحمدلله رب العالمين
اترك تعليق