مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة الدكتورة زينب خليل (أستاذة محاضرة في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية)

كلمة الدكتورة زينب خليل: دور وسائل الإعلام في تعزيز المطالعة

كلمة الدكتورة زينب خليل (أستاذة محاضرة في كلية الإعلام والتوثيق في الجامعة اللبنانية):
دور وسائل الإعلام في تعزيز المطالعة:

إن السؤال عن دور وسائل الإعلام في تعزيز القراءة يعيد ضمنا طرح السؤال الإشكالي عن العلاقة بين وسائل الإعلام والثقافة على اعتبار أن القراءة تعتبر شكلا من أشكال الممارسات الثقافية. إن البحث في هذه العلاقة يصل إلى حد التناقض بين المتمسكين بثقافة نخبوية والداعين إلى ثقافة جماهيرية إعلامية أي تلك التي تساهم وسائل الإعلام في نشرها: هناك رأي يعتبر أن وسائل الإعلام والاتصال تسهم في دمقرطة الثقافة بحيث أصبح الإنتاج الثقافي في متناول الجميع ولم يعد الوصول إليه حكرا على النخبة. أما الرأي الآخر فيعتبر أن وسائل الإعلام قد أفرغت الثقافة من مضمونها حينما أخضعت الإنتاج الثقافي لمعايير السوق وحولت مضمونه إلى سلعة تجارية. 
سأضع جانبا هذا النقاش وأحاول اليوم في ورقتي هذه الإجابة عن السؤال الذي طرحه القيّمون على هذا المؤتمر والمتعلق بدور وسائل الإعلام في تعزيز المطالعة، إن كان لهذه الوسائل فعلا من دور يمكنها أن تقوم به. 
لكن قبل أن نذهب بعيدا في الكلام لا بد لنا أن نحدد بداية عن أي وسائل إعلام نتحدث؟ هنا اسمحوا لي أن أفرق بين وسائل الإعلام التقليدية وأعني بها: الصحافة المكتوبة، الراديو والتلفزيون، وبين وسائل الإعلام الجديد أو الإعلام الإلكتروني، وسأحاول سريعا البحث في الدور المفترض لكل وسيلة من تلك الوسائل.

الصحافة المكتوبة
تعاني الصحافة المكتوبة من تراجع حاد في نسبة القراء وهنا قد يطرح بعضنا هذا السؤال بمرارة: أي دور يمكن أن تقوم به الصحيفة في الترويج للمطالعة وهي التي تبحث أصلا عن قرّاء؟ وكيف يصل ما تقدمه عن كتاب ما لقرّاء، هي تعلم أنّ عددهم يتضاءل يوما بعد يوم؟ 
إن هذا التراجع في أعداد القرّاء قد ألقى بتداعياته على مستقبل المجلات والصحف الورقية حيث باتت استمرارية بعضها على المحك، إذ لا يمكن للصحف أن تتكل في تمويلها على القرّاء، وبالتالي عليها أن تبحث عن مصادر أخرى للتمويل. هذا التحدي أجبر العديد من الصحف على التقليل من مصاريفها وقد تجلى ذلك في توقف العديد من الملاحق الثقافية الأسبوعية كما توقف عدد من الدوريات الثقافية عن الصدور. لكن رغم هذه الصورة القاتمة إلا أنه لا يجوز أن نغفل عن الموقع المتقدم للصحافة المكتوبة في الحث على المطالعة، وهنا يمكننا أن نتوقف عند الدور الذي تؤديه الصفحات الثقافية في الترويج للكتب حينما تغنينا بقراءات نقدية لإصدارات جديدة، ناهيك عن متابعتها لمعارض وتواقيع الكتب تغطية ومناقشة.
إن الحديث عن علاقة الصحف بالقراءة لا يمكن أن يمر دون أن نذكر بعض التجارب الثقافية القيمة ومنها مشروع "كتاب في جريدة" وهو الكتاب الذي يوزع مجانا مع الصحيفة وتتشارك فيه العديد من الصحف العربية. هنا نذكر مثالا وليس حصرا صحيفة السفير وملحقها المجاني "الكتاب للجميع" الذي يشكل تجربة ثقافية رائدة لدفع القراء نحو المطالعة ولنشر الثقافة. 
 هذه التجارب على أهميتها وأيضا على قلتها هل أسهمت في رفع نسب القرّاء والقراءة؟ وهل زادت أيضا من معدل شراء الجريدة مثلا؟ أم أن هذا الكتاب المجاني لن يصل إلا إلى المهتم أصلا بالقراءة، وهو القارئ الذي يواظب على شراء الجريدة الورقية (وليس القارئ الإلكتروني) سواء وزع الكتاب معها أم لم يوزع؟ وهل يعني توزيع الكتاب المجاني أنه سيقرأ بالفعل أو أنه سيركن على الرف؟  
بالطبع إن الإجابة عن كل تلك الأسئلة تحتاج إلى تحقيق ميداني وإلى مراقبة تمتد على فترات  زمنية متباعدة حتى نتمكن من رصد التحولات في السلوك الثقافي للجمهور. 

الإعلام المرئي والمسموع 
لا يحتاج المتابع  للقنوات التلفزيونية اللبنانية إلى الكثير من الجهد حتى يكتشف أن البرامج الثقافية تكاد تغيب بشكل كامل عن معظم الشاشات مع استثناءات قليلة. ورغم أن قانون المرئي والمسموع يلزم في مواده القنوات الحاصلة على تراخيص على إدراج عدد ساعات محدد من البرامج الثقافية إلا أننا نلاحظ  أن برامج الترفيه والتسلية تشكل العمود الفقري لشبكات برامج المحطات اللبنانية. ومع غياب تلفزيون لبنان الرسمي عن خارطة المنافسة والمشاهدة تبقى عين الجمهور اللبناني على القنوات التلفزيونية الخاصة، فهذه الأخيرة الساعية للربح ولرفع حصتها من السوق الإعلاني ليس من أولوياتها البرامج الثقافية فكيف بالترويج للمطالعة أو باستضافة كتاب وشعراء ومثقفين؟
أما وضع الإذاعات ليس أفضل حالا. إذا ما استثنينا بعض إذاعات الفئة الأولى التي تقدم للمستمعين برامج بمضمون ثقافي جيد فإن باقي الإذاعات لا يتسع هواؤها إلا للأغاني التجارية ولبرامج الاتصال المباشر وللثرثرة الفارغة من أي مضمون ذي قيمة.
إن حال القنوات اللبنانية هو حال القنوات الخاصة في معظم الدول التي خاضت تجربة الإعلام الخاص. هنا اسمحوا لي أن أجري هذه المقارنة السريعة مع فرنسا. على سبيل المثال في فرنسا كان ينظر إلى التلفزيون العام TV publique على أنه "يُعلِم ويثقف ويسلي". كانت هذه هي مهمة التلفزيون العام في فرنسا التي قام بها خلال سنوات الـ 50 و 60 حيث قدم برامج ثقافية عالية المستوى على سبيل المثال إنتاج الأعمال الأدبية لبلزاكوموليار (كما ينقل الباحث الفرنسي ريمي ريفال في كتابه "سوسيولوجيا وسائل الإعلام").
لكن مع صعود القنوات التجارية والتنافس فيما بينها انتقلت جدولة البرامج الثقافية إلى ساعات متأخرة من السهرة أو تم إلغاؤها بالكامل. هذا الانحراف التجاري دفع المثقفين لمطالبة الدولة بإنشاء قناة ثقافية؛ تترجم هذا الطلب لاحقا بإنشاء قناة آرتARTE الثقافية (القناة اليوم هي قناة مشتركة فرنسية- ألمانية)، هذه القناة تتيح للجمهور العريض الوصول إلى الأعمال الأدبية والموسيقية والأفلام الوثائقية القيمة وهو ما يرى فيه البعض إغناء لذوق المشاهد في حين على 
العكس من ذلك وصف بعض الباحثين هذا النوع من القنوات بالغيتو الثقافي وأنها تساهم في تعزيز العزل الاجتماعي. 
إذا ما عدنا إلى لبنان وفي ظل تقهقر المؤسسات الثقافية العامة فإني أستبعد أن تمارس القنوات اللبنانية المحكومة بالعقلية التجارية أي دور لها في تعزيز ونشر الثقافة.

الاتصال الرقمي
مع تطور تقنيات الإعلام والاتصال بتنا أمام مشهد جديد تبدلت معه آليات نشر وتلقي واستهلاك الأعمال الثقافية. صار بإمكان كل فرد منا اليوم عبر هاتفه المحمول أو حاسوبه الشخصي أن يقرأ كتابا أو يستمع إلى عمل موسيقي أو يشاهد فيلما.. إلخ. إن الحصول على المعلومة لدى الجزء الأكبر من فئة الشباب يتم من خلال الشاشة وكما يقول الباحث الفرنسي أوليفه دونا "كل شيء مشاهَد ويمكن النفاذ إليه عبر الأنترنت". 
عندما أطلب بحثا ما من طلابي، قلة هم الذين يرتادون المكتبة لجمع المعلومات من الكتب أو من الأبحاث المطبوعة بل إن الشبكة الإلكترونية تشكل المصدر الأول بالنسبة إليهم. أما إذا سألت عن مقال ما نشر في صحيفة أو عن خبر، فالعبارة هي نفسها "قرأت عن ذلك على الأنترنت أو أرسل لي أحدهم الخبر عبر الواتس اب". 
أعرض هذه الأمثلة ولن أذهب بعيدا في الحكم على مدى مهنية تلك الممارسات لجهة التأكد من مصداقية المعلومة أو لجهة تفشي ظاهرة النسخ والنقل الحرفي من دون بذل أي جهد فكري أو بحثي. إن جيل اليوم يعيش في ظل "ثقافة الشاشة". في الماضي كانت الشاشة مرتبطة فقط بصورة التلفزيون أما اليوم فهي مرتبطة بالصورة الرقمية ذلك أن هذا الجيل قد ولد ونشأ وكبر في ظل تطور تقنيات الاتصال الحديث.
إن كنا اليوم نسعى لتفعيل المطالعة فحري بنا أن نبدأ من هنا. علينا أن نقر أن الكتاب الورقي لم يعد وحده وعاء المعرفة بل أصبحت القراءة عبر الشاشة واحدة من الممارسات الثقافية التي تميز عصرنا. تأسيسا على ذلك، بات من الضروري البحث عن قوالب جديدة لتقديم المعرفة تماشي روح العصر وتواكب سلوك الجيل الشاب.     

التعليقات (0)

اترك تعليق