كلمة سماحة الشيخ الدكتور حسان عبدالله: الأسرة وفعل القراءة المشاكل والدور وسبل المعالجة
كلمة سماحة الشيخ الدكتور حسان عبدالله (رئيس الهيئة الإدارية في تجمع العلماء المسلمين):
الأسرة وفعل القراءة المشاكل والدور وسبل المعالجة:
منزلة القراءة في الإسلام
لعل فكرة انطلاق الرسالة الإسلامية في أول كلمة توجه الله بها لرسوله وهي إقرأ دليل على أهمية ما نحن بصدده فليس عبثا أن يتوجه الله عز وجل في بداية كلامه للإمر بالقراءة لولا أهمية القراءة أولا في بناء النفس الإنسانية باعتبارها مصدرا مهما من مصادر تكوين المعارف
الإنسانية وثانيا للتأكيد للأمة الإسلامية ان القراءة هي باب وصولكم للمعالي وقيادتكم للأمم وبذلك كنتم خير أمة أخرجت للناس.
إن وصف أمتنا الإسلامية بانها أمة إقرا هو وصف دقيق لأنك لا تجد مجالا إلا وحث فيه الإسلام على التعلم والقراءة هذه القراء ليست تلك القراءة السطحية بل هي القراءة المتأنية المتفهمة المتدبرة فنرى أن الله عز وجل يأمرنا بقراءة القرآن الكريم فيقول:
"فاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ.. فَاقْرَءُواْ مَا تَيَسّرَ مِنْهُ"(1)
ولكن في نفس الوقت يأمرنا بالتدبر بمعاني القرآن الكريم وهو أسلوب يريد الله عز وجل من خلاله أن يعلمنا على القراءة المتدبرة ليس في القرآن فحسب بل في كل العلوم التي نقرأها فيقول عز وجل: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا"(2)
أهمية القراءة وفوائدها
تعتبر القراءة الباب الذي يلج منه الإنسان إلى المعارف بشرط التدبر كما قلنا وكل العلوم التي بين أيدينا لم تكن لتصل إلى ما وصلت إليه لو لم يقرأ الخلف عن السلف فيبني على ما وصل إليه ويطوره ولأجل ذلك فرض الإسلام طلب العلم على كل مسلم ومسلمة ومن المعروف أن أهم أسباب طلب العلم يتأتى من خلال القراءة فورد عن رسول الله أنه قال: ولأهمية القراءة وطلب العلم أخبر أنّ: "طلب العلم فريضة على كل مسلم"(3)
وللقراءة فوائد كثيرة لا نستطيع حصرها ولكن يمكن أن نلخص منها ما يلي:
1- أنها توسع من آفاقنا وتأخذنا إلى عالم نجهله فتعرفنا عليه.
2- أنها من أقوى الأسباب لمعرفة الله سبحانه وتعالى وعبادته وطاعته وطاعة رسوله والائمة عليهم السلام.
3- أنها الطريق الذي نطور فيه مجتمعاتنا ونكتسب العلوم المفيدة لأوطاننا وشعوبنا.
4- من خلالها نتعرف على الأمم السالفة ونتعرف على تجاربهم ونستفيد منها في التعامل مع واقعنا.
5- أنها سبب لاكتساب الأخلاق الحميدة والصفات العالية والسلوك المستقيم.
6- من خلالها ننال الأجر العظيم إذا كان ما نقرأه من العلم النافع الذي حث الإسلام على تعلمه.
7- هي السبيل لنيل الدرجات العليا في الدنيا والآخرة. يقول الله عز وجل: «يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ»(4).
8- من خلالها نتعرف على مكائد الأعداء وخططهم وهنا نتذكر ما حصل مع موشي ديان عندما قيل له أن خطتك لحرب العام 1967 كتبتها بشكل علني فقال وهل العرب يقرأون.
9- طريق للتنفيس عن التعب والإرهاق وتحصيل أنس النفس وكما قال الشاعر وخير جليس في الأنام كتاب.
مسؤولية الأهل في تربية أولادهم:
من الأهداف الواضحة التي حددها الإسلام للأهل هي وجوب قيامهم بتربية أولادهم والعناية بهم وعدم تركهم لأنفسهم والقدر بل يجب أن يكونوا في كل أمور حياتهم مواكبين لهم مطلعين
على خياراتهم وقراراتهم ومصوبين لها وموجهين لهم فيما هو في صالحهم في دنياهم وآخرتهم.
ففي الصحيفة السجادية: وأعنِّي على تربيتهم وتأديبهم وبرهم.
وفي رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام: وأما حق ولدك فتعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره وأنك مسؤول عما وليته من حسن الأدب والدلالةعلى ربه والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه فمثاب على ذلك ومعاقب على الإساءة إليه فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذر إلى ربه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه والآخذ له منه ولا قوة إلا بالله.(5)
أهداف التربية:
كما في كل عمل إنساني، وخاصة إذا كان عملاً رسالياً لا بد من أن يكون لهذا العمل هدفاً واضحاً، لا أن يكون عبثياً بلا غاية يُسعى إليها، وقد يقول قائل: هل يُتصور أن أحداً يمكن أن يقوم بالتعامل في موضوع تربية أولاده بلا هدف؟ والحقيقة إننا رأينا في المشاكل التي عُرضت علينا نماذج كثيرة لأهالي لا هدف لهم من تربيتهم لأبنائهم، فهم إما كانوا يربون أولادهم من دون خطة ولا منهج، فلا تراهم يسيرون معهم على نسق واحد منطلق من فكرة وهدف واحد، أو أنهم لم يمارسوا أي دور في تربية أولادهم، بل تركوهم للبيئة والمجتمع والشارع، وإذا سألتهم لماذا تفعلون ذلك؟ تراهم يبادرون إلى إعطاء المثل الشعبي من دون فهم حقيقي له فيقولون:
"لا تُعلِم ولدك الدهر يعلمه".
وهذا القول صحيح ولكن استعمالهم له خاطئ، فإن المقصود أن هناك أموراً كثيرة يكتسبها الإنسان من تجربته ومعاشرته للآخرين، ولا يعني هذا المثل أن يَترك الأهل أداء دورهم بتربية أولادهم، بل هو ينظر إلى جهة أخرى. وأيضاً ترى أن كثيراً من الآباء والأمهات يمارسون عملية التربية من دون وضع هدف أو أهداف لها ما يجعل هذه العملية تسير خبط عشواء فتصل إلى حيث لا يرغبون ولا يريدون.
والأخطر من كل هذا هم الأهل الذين يربون أولادهم تربية فاسدة من أول الأمر، فهم يربونهم على الكذب والسرقة والاحتيال وهؤلاء الأهل هم أخطر على المجتمع من المجرمين الذين يمارسون الجريمة مباشرة، لأن هكذا أهل يقومون بإنتاج مجرمين يعيثون في المجتمع فساداً، ومن المعروف أن مجرماً واحداً من الممكن تَحَمُل خطره أما أن تتحول الأسرة إلى خلية تنتج مجرمين فهذا هو الخطر الحقيقي والأكبر على المجتمع سواء القريب والمباشر، أو الأوسع الذي هو الوطن والأمة.
لذلك لا بد في البداية من وضع هدف لتربية أولادنا نسعى للوصول إليه، وإذا وضعنا الهدف فإننا سنصل إلى الغاية المنشودة التي نسعى إليها إذا ما وفقنا الله سبحانه وتعالى إلى صلاح النية، وفي نفس الوقت كان ولدنا قابلاً للتجاوب معنا ولم تؤثر عليه بيئته أكثر من تأثيرنا عليه.
فما هي هذه الأهداف:
1- تربية على الإسلام والأخلاق:
يجب أن يكون هدفنا الأساسي من تربيتنا لأولادنا أن نعلمهم الإسلام بكل أحكامه ومفاهيمه وعقائده كي نُنجي أهلنا من النار لأن هذا هو تكليفنا الذي كلفنا به الله سبحانه وتعالى، وإذا لم
نقم به نكون مأثومين وسيحاسبنا الله سبحانه وتعالى على ذلك، ودليلنا على ذلك ما قاله الله عز وجل في كتابه الكريم:
«يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ».(6) ويتضح من الآية الكريمة وكما قلنا سابقا إن الله سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نمارس عملية تربية
لأولادنا يكون هدفها أن نمنع أولادنا من السير في طريق جهنم التي أعدها الله سبحانه وتعالى للكافرين والمنافقين والعصاة الفاسدين، وندفعهم نحو الجنة التي أعدها الله سبحانه وتعالى للمؤمنين المتقين.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام أنه لما نزلت هذه الآية قال الناس: "كيف نقي أنفسنا وأهلينا؟ قال الإمام الصادق عليه السلام:
"اعملوا الخير وذَكِروا به أهليكم وأدبوهم على طاعة الله".(7)
فالمطلوب أولاً أن نعمل نحن بالخير ثم نأمر أهلنا به فنرشدهم إلى طاعة الله سبحانه وتعالى مما يؤدي إلى حمايتهم من النار التي وقودها الناس والحجارة. ونكون سبباً لدخولهم الجنة كما ورد في الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال:
"لا يزال المؤمن يُوَرَث أهل بيته العلم والأدب الصالح، حتى يُدخلهم الجنة (جميعاً) حتى لا يُفقد فيها منهم صغيراً، ولا كبيراً، ولا خادماً، ولا جاراً، ولا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السيئ حتى يدخلهم النار جميعاً، حتى لا يُفقد فيها منهم صغيراً، ولا كبيراً، ولا خادماً، ولا جاراً".(8)
وهذا الحديث يدل على عمق أثر التربية على كامل أفراد الأسرة، فقد تكون سبباً لدخولهم جميعاً الجنة، كما قد تكون سبباً لدخولهم جميعاً النار، لذا لا بد من أن يضع الإنسان المؤمن نُصْبَ عينيه أن يؤدب أولاده بأدب الإسلام وأخلاقه، ويعلمهم مفاهيمه وأحكامه، ويرشدهم إلى عقيدته الصائبة الحقة، ويُحَصِنهم من الانحراف والتأثر بما قد يواجهونه في مجتمعهم.
2- المهم أن يكون عبداً صالحاً:
من المشاكل الكبيرة التي تحصل في عملية التربية، مشكلة عدم تمييز الهدف الصحيح من وراء التربية الإسلامية، فإن غالبية الأهل تراهم يسعون من خلال عملية التربية إلى أن يكون ولدهم البارزين في المجتمع في كثير من المستويات لا يدخل في ضمنها أن يكون ابنهم متدينا، مؤمناً، أو عبداً صالحاً، فإذا سألتهم ماذا تريدون لأبنكم مستقبلا؟ تراهم يجيبونك أنهم يرغبون في أن يكون أبنهم طبيباً، أو مهندساً، أو دكتوراً في الجامعة، ولا يلتفتون أو يهتمون إلى أنهم يرغبون أن يكون أبنهم متديناً، وإذا عرض البعض لذلك تراه يعرض له على أساس إنه هدف ثانوي لا هدفاً أساسياً، فالسعي لأن يكون ابنهم طبيباً مثلاً هو الأساس وهو الذي يدفعهم إلى إرسال ابنهم إلى مدارس قد لا تكون من المدارس التي تُربي تربية دينية سليمة، بل قد تكون من المدارس التي تُربي على غير ديننا، أو على أساس لا ديني كما في المدارس العلمانية، فإذا قلت لهم: إن ذلك يُشكل خطراً على دين الولد أجابوك إن المدرسة الإسلامية لا تعطي الدراسة كما تعطيها هذه المدارس، ومسألة الدين يمكن تعويضها من خلال البيت وأيام العطل، ولكن الذي يحصل أنه بعد فترة من الدراسة يبدأ الولد بالانحراف عن الدين والتطبع بطباع رفاقه، أو مدرسته ويُشكل ذلك خطراً على عقيدته، فصحيح إنه ربح مستوىً علمياً كبيراً ولكنه خسر دينه واتجه إما إلى دين آخر، أو إلى العلمانية واللادين، وسبب ذلك يعود أساساً إلى أن هدف الأهل كان الحصول على العلم من دون التفات إلى الدين، أو أن يكون الدين أمراً ثانوياً بالنسبة لأهلهم.
نحن لا ندعو هنا لأن نترك العلم، أو أن لا يكون من ضمن أهدافنا أن يكون أولادنا من أفضل النوعيات في المجتمع، وأن يصبحوا من العناصر المفيدة لمجتمعهم من خلال علمهم، بل إننا ندعو إلى التعلم والتفوق في ذلك، غير إن ما ندعو إليه هنا هو أن لا يكون التفوق علمياً هو
الهدف الأول والأخير، بحيث إنه في حال التعارض بينه وبين الدين أن تكون الأولوية للعلم حتى لو أدى إلى خسارة الدين، بل إننا نقول إن مستوى مقبول من العلم مع المحافظة على الدين أفضل بكثير من مستوى عالٍ من العلم من دون دين.
لذلك فإننا نقول إننا نرغب في أن يكون هدف أسرنا أن يسعوا إلى أن يكون أولادهم عباداً صالحين، ثم بعد ذلك إن وفقوا لأن يكونوا علماء متفوقين فهذا أمر ممتاز.
هذا من جهة ومن جهة أخرى ليست مدارسنا الإسلامية بهذا المستوى الضعيف ولكن انبهارنا بالمدارس الإرسالية، أو التي لا تُراعي الدين يجعلنا نزحف نحوها تاركين التجربة الإسلامية المتألقة الساعية لبناء مدارس مهمة تصل إلى مصاف المدارس الأخرى إن لم يكن أفضل منها. المهم إن الإسلام دعانا أولاً وفي الأساس للسعي إلى أن نُقدم للمجتمع أبناءً صالحين مؤمنين متدينين، وقد ورد في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله:
"الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنة".(9)
ولكي يصبح الولد عبداً صالحاً لا بد من اعتماد أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معه، وتكليفه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يعتبر تكليفاً شرعياً لكل مسلم ومسلمة لا يجوز لهم أن يتركوه، وإذا تركوه فإن الله سبحانه وتعالى حذرنا من إن ذلك سيؤثر على مجتمعنا ويوجهه نحو الانحراف والضياع. ومن ضمنها تعويده على القراءة المفيدة مع تحديد المواضيع والكتب التي يقرأ.
3- تعليمهم العقيدة الصحيحة:
من الأهداف التي يجب أن نعمل لها في تربيتنا لأولادنا مسألة أن نعلمهم العقيدة الصحيحة،
ونرشدهم إلى مذهب الحق، ونلقنهم مبادئ الدين والمذهب منذ نعومة أظفارهم، على أن نتدرج في ذلك بما يناسب المرحلة العمرية التي يكونون فيها، فإننا مسئولون عن ذلك من الله سبحانه وتعالى، وإننا إن لم نقم بذلك وأجلنا الموضوع إلى وقت آخر فقد يؤدي هذا التأخير إلى أن يقعوا في حبائل أهل البدع والضلالة، إن لم يقعوا في حبائل أهل الكفر وأتباع الشيطان.
وقد وقع كثير ممن تركوا إرشاد أولادهم إلى المبادئ الحقة في مشكلة انحراف أولادهم عن النهج القويم والصراط المستقيم، كل ذلك لأنهم اعتبروا إن أولادهم لن ينحرفوا طالما أنهم يعيشون في بيت متدين وبيئة كذلك. وهم لا يدرون أن المجتمع المدرسي، أو خلطاء وزملاء الشارع الذي يلعب فيه أولادهم، فضلاً عن وسائل الإعلام المنحرفة، كل هذه الوسائل قد تحرفهم عن خط أهلهم الذين تركوا القيام بواجبهم.
وقد حذر أئمتنا عليهم السلام من ذلك في روايات متعددة، منها ما ورد عن الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "بادروا أولادكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة".(10)
فكأن الإمام الصادق عليه السلام يرشدنا إلى أن علينا أن نُبادر أولادنا ونتوجه إليهم للحديث عن أمور دينهم وعقيدتهم ونوضح لهم الملتبس من ذلك كي لا يقعوا فريسة أهل الضلالة فينحرفوا ويضيع الهدف الأسمى الذي يجب علينا العمل له. ومن هنا يجب أن ننتبه إلى ما يقرأون ونلتفت إلى إبعادهم عن كتب الضلال وإذا ما وقع هكذا كتاب في أيديهم أن نوضح لهم بطلان الأفكار الواردة فيه لا أن نقول لهم أن هذا كتاب ضلال وكفى فالولد سيعتبر ان حجتنا ضعيفة وقد يتبنى الآراء الواردة فيه على قاعدة كل ممنوع مرغوب.
4- تدريب على الاستقلالية:
ونقصد من الاستقلالية هنا ليس ترك الولد لأهله وعدم الارتباط بهم بعد البلوغ كما يحصل في المجتمعات الغربية، فهذا أمر لا يقره الإسلام وهو غير صحيح لأن الإسلام يدعو إلى تعميق الرابطة الأسرية. بل الذي ندعو إليه هو تدريب أولادنا على القدرة على مواجهة مشاكلهم لوحدهم من دون الاتكال على أهلهم إذ إن الأهل لن يكونوا دائماً معهم في المستقبل، والذي يتربى على الاتكال بأن يحل له أهله كل مشاكله لن يكون قادراً على مواجهة مشاكل أخرى في المستقبل، لذا يجب أن يُدَرَب الولد ومنذ نعومة أظفاره على الاعتماد على نفسه في مواجهة مشاكله التي تحصل معه الآن، كي يكون قادراً على مواجهة مشاكله في المستقبل من دون الحاجة لوجود أهله معه.
إن قيام الأهل بحل جميع مشاكل أبنائهم من دون جعلهم يواجهونها ويعملون على حلها بأنفسهم سيجعلهم مستقبلاً أولاداً اتكاليين غير قادرين على مواجهة الحياة ومشاكلها في المستقبل.
لا بد للأهل من أن يربوا أولادهم على امتلاك الضوابط الذاتية لعدم الوقوع في الأخطاء، وذلك من خلال تأهيلهم لامتلاك القدرة على ردع أنفسهم عن الوقوع في الأخطاء وهذا لا يتم بسهولة وبوقت قصير، بل يتم من خلال عملية تدريب طويلة بصبر وأناة.
5- أمور حث الشارع المقدس على تعلمها:
كثيرة هي الأحاديث التي حثت على تعليم الأولاد أموراً كثيرة الجامع المشترك بينها تعليمهم أصول الدين وفروعه، ومن هنا نعرف نوعية الكتب التي علينا اختيارها لأولادنا وحثهم على قراءتها. ونحن هنا نريد إعطاء نموذج عما يجب تعليمه لأولادنا والذي يجب أن يكون هدفاً من أهداف التربية عندنا وهذه الأمور هي على الشكل التالي:
أ- تعليم القرآن الكريم:
يعتبر القرآن الكريم دستور المسلمين الذي يحتوي كل أمور الشريعة وأحكامها، وقد حث الشرع الحنيف على تعليمه لأولادنا، ومن هذه الأحاديث ما رواه الإمام الصادق عليه السلام حيث قال: "الغلام يلعب سبع سنين، ويتعلم الكتاب سبع سنين ويتعلم الحلال والحرام سبع سنين".(11)
وهذا الحديث الشريف يحدد بشكل واضح أنه بعد السنة السابعة من عمر الولد لا بد من تعليمه القرآن الكريم.
ب- تعليم الحلال والحرام:
من الحديث الشريف السابق يظهر أنه بعد السنة الرابعة عشر يجب البدء بتعليم الولد أحكام الشريعة الإسلامية من الحلال والحرام فيعرف ما هي أحكامه، وذلك لأن الولد بعد هذا العمر يصبح مكلفاً من الناحية الشرعية ويجب أن يكون مدركاً لأحكامه الشرعية كي لا يقع في الحرام، أو يترك ما وجب عليه شرعاً، أو لا يؤديه على وجهه الصحيح شرعاً.
ج- تعليم الصلاة:
ورد حث خاص في كثير من الأحاديث الشريفة على تعليم الأولاد الصلاة وعدم تركهم إلى المرحلة التي يبلغون فيها سن التكليف الشرعي، بل مبادرتهم بالتعليم قبل هذا السن كي ينشئوا على القيام بها وأدائها فتصبح بعد أن يبلغوا جزءاً مما تعود عليه الولد، فلا يتعب الأهل من إلزامهم بالصلاة بعد بلوغهم سن التكليف الشرعي، وقد ورد في ذلك عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام قوله: "علموا أولادكم الصلاة لسبع، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم".(12)
والمقصود من هذا الحديث الشريف أعم من الصلاة، بل هو دلالة على تعليم وتدريب الأولاد على كل الأمور التي يجب على الأولاد القيام بها بعد بلوغهم سن التكليف، ومنها تدريبهم على
الصوم وما شابه، والمشكلة التي تحصل في هذه الأيام أن الأهل يفشلون في جعل أولادهم من الملتزمين ويعود سبب ذلك كله إلى أنهم أجلوا التعليم للأحكام حتى بلغوا سن التكليف الشرعي،
ومنهم إلى ما بعد هذا السن، فإذا بهؤلاء الأولاد صاروا أصعب في تلقيهم هذه الأمور التي كانوا سيتلقونها بسهولة لو تعلموها في سن مبكر.
د- تدريبه على فنون القتال:
حث الإسلام على تعليم أولادنا فنون القتال ذلك إن الله سبحانه وتعالى أراد من مجتمعاتنا أن تكون مجتمعات قوية تستطيع الدفاع عن نفسها ولا تقع تحت ضغط الخوف من أعدائها،
والأحاديث في هذه المجالات كثيرة، منها ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال:
"علموا أولادكم السباحة والرماية".(13)
والسباحة والرماية هنا وركوب الخيل في أحاديث أخرى إنما هي تعبير عن فنون القتال في ذلك الزمان، وبالتالي يجب تعليم أولادنا في كل عصر فنون القتال المناسبة للعصر الذي يعيشون فيه، ويجب هنا على الأمهات خصوصاً أن لا تقف في وجه التدرب على فنون القتال في هذه الأزمان التي يحتاج فيها المسلم لأن يكون قوياً في مواجهة الأخطار التي يعانون منها.
أساليب التربية:
قد لا تكون المشكلة عند بعض الأهل في إيمانهم، ولا في فهمهم لواقع الحياة، ولا في استيعابهم
لما يحتاجه أولادهم، ولا في فهمهم للمشاكل التي يعاني منها أولادهم، ولكن المشكلة تكمن عندهم في الأسلوب الذي يعتمدونه في تربية أولادهم، والذي قد يُحَوِل عملية التربية إلى إبعاد الأولاد عن الدين والالتزام، والذهاب باتجاه آخر مختلف كلياً عن الاتجاه الذي يريد الأهل من ابنهم التوجه نحوه، لذلك أفردت هذا الجزء من البحث للتحدث عن أساليب التربية مُرَكِزاً على ما هو متوقع لتربية صحيحة، وما هي الأخطاء التي يقوم بها الأهل في أسلوبهم متوقعاً أن أُعَرِج على أكثر هذه المواضيع حساسية مع إقراري بعدم حصري لها جميعاً إلا إنها قطعاً جامعة لأبرزها.
1- لا أدب عند الغضب:
عملية التربية والتأديب تحتاج إلى أجواء مرتاحة بعيدة عن التشنج والعصبية، لأنه لا بد من أن يفهم الولد الذي هو في معرض التأديب لماذا يؤدب، وما هي الأخطاء التي ارتكبها، لذلك فإن دخول الغضب قد يؤدي أولاً: إلى حرف الأهل عن الهدف الأساسي وهو إفهام ابنهم الأسباب
الداعية إلى هذا الموقف منهم، وقد يؤدي الغضب إلى الدخول في التقريع والإهانة والضرب دون الإفهام والتفهيم، وثانياً: فإن الولد نفسه لن يتجاوب مع ما يُدعى إليه، بل تراه ونتيجة هذا الأسلوب يتعصب لخطأه، لأنه سيعتبر أن الغضب ناتج عن ضعف حجة الأهل، ولو أنهم كانوا مقتنعين بما ينهون عنه، ويمتلكون الحجة عليه لما احتاجوا إلى التصرف بغضب.
لذلك فإنه ورد عن علي بن أسباط عن بعض أصحابنا أنه قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وآله عن الأدب عند الغضب".(14)
وكذلك فقد ورد عن أمير
اترك تعليق