أثر التربية الأسرية على روحية العمل التطوعي: كلمة الدكتورة مهى أبو خليل (مديرة العلاقات العامة والاعلام في مؤسسات الامام الصدر) في مؤتمر "العمل التطوعي في الجمعيا
أثر التربية الأسرية على روحية العمل التطوعي:
كلمة الدكتورة مهى أبو خليل (مديرة العلاقات العامة والاعلام في مؤسسات الامام الصدر) في مؤتمر "العمل التطوعي في الجمعيات الأهلية والنسائيّة"
أن التربية كمفهوم عام أصبحت ضرورة من ضرورات العصر، وهي كمفهوم ومسار يتضمن كل العمليات التي من شأنها أن تحول الأفراد إلى أفراد اجتماعيين، بمعنى أنها تعمل على رفع حس المسؤولية والانتماء لدى الفرد تجاه المجموع وكذلك شعور المجموع تجاه الفرد بشكل متبادل.
تمنح الأسرة أطفالها الاستعدادات والسمات والحب والامن والفرص العديدة لنمو شخصياتهم، وتقوم بإشباع حاجاتهم الفسيولوجية والعقلية والعاطفية وتعليمهم، كيف يتعاملون مع الآخرين، ويتم تأثيرها عليهم من خلال عاملي الوراثة والبيئة. ومن وظائفها النفسية، توفير علاقات الاهتمام والتكافل لأفرادها، والامن النفسي لخلق انسان متزن ومستقر. إنسان يشعر بالانتماء الاسري والتفاعل المتعمق من اجل مصلحة الاسرة والمحافظة على كيانه.
التطوع هو ثقافة، ينتمي إليها الإنسان في بيئة معينة، فيجد نفسه مندفعًا إلى مساعدة الناس في أوقات الشدّة أو في أوقات الحروب والأزمات، انسجامًا مع ما يقوم به الآخرون. والعمل التطوعي هو ممارسة إنسانية، لدى كل المجتمعات قديمها والحديث، وهو المجهود الذي يقوم به الفرد بصفة اختيارية وبرغبة ذاتية، عن طريق الإسهام في تقديم الخدمة للآخرين وللمجتمع في شتى ميادين الحياة، دون مقابل مادي، وذلك للنهوض بمسيرة الواجب تجاه الوطن والإنسانية.
من سمات المجتمع القوي والمتماسك سمة التكافل والتعاون الاجتماعيين. وفي كل المجتمعات الإنسانية هناك أناس يفتقدون القدرة على تلبية حاجاتهم المادية والمعنوية بأنفسهم. ويعتبر العمل التطوعي ملاذهم الوحيد، فالتطوع إذن، مؤشر رئيسي للحكم على مدى تقدم الشعوب وإنسانيتها.
تجتمع الأديان السماوية على السعي إلى نشر الخير والتعاون والقيم الانسانية الراقية، وقد حثّ الدين الإسلامي، من خلال النصوص القرآنية والأحاديث الشريفة، على مساعدة ودعم الأيتام والمحتاجين والمعوقين والمرضى، والتشجيع على إنفاق المال في سبيل الله، كما وأنه للموروث الديني والثقافي دور محفز في الانخراط في العمل التطوعي، إذ يختزن الكثير من القيم الاجتماعية والثقافية كالتكافل والتعاون والتراحم. وكل هذه القيم والتعاليم الدينية تحفز الإنسان على التفاني والتضحية بالوقت والمال والجهد والمعلومة من أجل خدمة الإنسان وتقدم المجتمع. ويعتبر العمل التطوعي من أهم مرتكزات التنمية الاجتماعية. إذ يسهم في بناء التكافل الاجتماعي وتنمية المجتمع الأهلي، وتفعيل الطاقات الكامنة لدى كافة أفراد المجتمع وخاصة عند فئة الشباب.
وفي بحثنا عن أثر التربية الأسرية في روحية العمل التطوعي، نجد أن الأسرة هي مؤسسة اجتماعية كانت دوما موضع احترام وتقديس خاص من قبل الأديان السماوية، على اعتبار أنها مضمار النمو والتكامل والازدهار، إما للفرد أو للمجتمع، ولهذا السبب كانت دائما الموضوع الرئيسي في سياق الحقوق والواجبات الدينية والاجتماعية. وبالتصدع الثقافي والاجتماعي الراهن. يعد الاهتمام المتضافر بتحكيم وتدعيم دور الأسرة، وإعادة صياغة هذا الدور حسب الظروف المستجدة في هذا المجتمع أو ذاك، ضرورة لا بد منها. خاصة أن الأسرة هي المكان الطبيعي والمثالي لنمو الشخص البشري. وهي بالتالي، المكان الطبيعي الذي يتعلم فيه الحب وقبول الآخرين ويتمثل للقيم الروحية والأخلاقية والاجتماعية، ويتعلم الشروع في إكرام الله وعباده.
وبما أن الأهل يتمتعون بكفاءة أساسية يحركها الحب والتضحية، فهم يقومون بتربية أولادهم في أن يحيوا حياة إنسانية كاملة، فيتربوا على محبة الله والآخرين. ويتمرسون على اكتساب القيم والفضائل الانسانية، خاصة أن الحياة في الأسرة هي تنشئة على الحياة في المجتمع. ففي الأسرة، يتم تناقل الحضارة، والثقافة والقيم، ويتم نقل الإرث الاجتماعي والقدرات العملية الضرورية للعيش. والأسرة بتربية أبنائها، تنقل إليهم الثقافة ومعنى العمل والتضامن. وهكذا تصبح مكان الغنى الإنساني لأبنائها دون منازع. هي المكان الذي يتعلم ويعي فيه الطفل كيف يصبح إنسانا والأسرة هي الخلية الأولى للبيئة البشرية، فيها يتلقى الإنسان أولى المبادئ الحاسمة المتصلة بالحق والخير ويتعلم معنى الحب، حبه للآخرين وحب الآخرين له. كما وتزود الأسرة الطفل بالعوامل النفسية والثقافية، وهي تعد أهم الوسائط الخاصة بالتنشئة الاجتماعية التي عن طريقها يكتسب الأبناء العادات والتقاليد والاتجاهات والقيم السائدة في بيئتهم الاجتماعية التي يعيشون فيها، فالأبناء يتلقون عنها مختلف المهارات والمعارف الأولية كما أنها تعد بمثابة الرقيب على وسائط التنشئة الأخرى، ويبرز دور الأسرة في توجيه وإرشاد الأبناء من خلال عدة أساليب تتبعها في تنشئة الأبناء، وهذه الأساليب قد تكون سوية أو غير ذلك وكلا منهما ينعكس على شخصية الابناء وسلوكهم سواء بالإيجاب أو السلب. وإذا كانت الأسرة من خلال دورها، كأهم وسيط من وسائط التنشئة تسهم في تشكيل سلوك الأبناء وتوجهاتهم، فأنه لا يمكن انكار دور المناخ الاجتماعي الذي تعيش فيه الاسرة.
ولا بد من الإشارة إلى أن هناك عوامل عديدة تؤثر إيجابا أو سلبا في روحية العمل التطوعي من خارج إطار التربية الأسرية. فنجد أن تعقد متطلبات الحياة اليومية وزيادة الالتزامات العملية والأسرية لدى الأفراد يجعلهم منغمسين في حياتهم الخاصة. كما أن الظروف الاقتصادية وتدني المداخيل والفقر يؤدي بهم إلى الانصراف عن التطوع بحثًا عن طلب الرزق لسد حاجاتهم الأساسية، ومن العوامل التي تؤثر على التطوع الأنظمة التقاعدية وعدد ساعات العمل وعدم تطبيق أنظمة ضمان الشيخوخة. هذا مع نقص الوعي تجاه ثقافة التطوع بين أفراد المجتمع وميلهم نحو الفردية في العيش مما يؤثر بدوره على تدني نسب المشاركة المجتمعية، هذا في ظل التكنولوجيا "الإلهاء" والاستلاب الثقافي والذي يؤدي بالأفراد بالابتعاد عن الواقع وتدني التواصل مع المحيط الاجتماعي. بالمقابل، هناك عوامل محفزة منها الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة كوسيلة هامة للتحفيز والتواصل والتشجيع على العمل التطوعي. كما وأنه في حالات خاصة ومستجدة نجد دافعا إنسانيا قويا للتطوع وتقديم المساعدة مثلا في حالات الحرائق أو الأعاصير والحوادث المختلفة هذا بالإضافة إلى التحديات المعاصرة البيئية والأمنية التي تفرض على بني البشر أن يتعاضدوا لمواجهتها بالتعاضد والتعاون (الأوبئة العابرة للحدود، صيانة الموارد المشتركة).
ويعتبر العمل التطوعي من العوامل المهمة التي تساعد على تكوين شخصية الطفل، حيث تنمي فيه مبادئ وقيم تجعله عضوًا نافعًا لنفسه ولمجتمعه، مثل العطف والعطاء والتعاون، كما ينمي أيضًا ذكاءه الاجتماعي. وبما أن العمل التطوعي سلوك إنساني لا بد أن يغرسه الآباء والأمهات في أبنائهم، فتدريب الأطفال على الأعمال التطوعية منذ الصغر يشبع رغباتهم ويشغل فراغهم كما يشعرهم بالسعادة والراحة النفسية، ويكسبهم الكثير من الخبرات وينمي القدرات الذهنية لدى المتطوع ويعطيه ثقة بنفسه. لذا لا بد من تحفيز الأطفال على العمل التطوعي بتقديم مكافآت مادية أو معنوية، كما يجب العمل على تنمية روح التنافس بينهم في عمل الخير.
يعد العمل التطوعي وحجم الانخراط فيه رمزًا من رموز تقدم الأمور وازدهارها، فالأمة كلما ازدادت في التقدم والرقي، ازداد انخراط مواطنيها في أعمال التطوع الخيري. كما يعد الانخراط في العمل التطوعي مطلب من متطلبات الحياة المعاصرة. خاصة إن تعقد الحياة الاجتماعية وتطور الظروف المعيشية والتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والامنية والتقنية المتسارعة تملي علينا أوضاعا وظروفا جديدة تقف الحكومات أحيانا عاجزة عن مجاراتها. مما يستدعي تضافر كافة جهود المجتمع الرسمية وغير الرسمية لمواجهة هذا الواقع وهذه الاوضاع. ومن هنا يأتي دور العمل التطوعي الفاعل والمؤازر للجهود الرسمية.
لذا، يمكن القول إن ثقافة التطوع تحتاج لكي نكتسبها إلى تشجيع المبادرة والى تعاون المؤسسات المختلفة وعلى رأسها مؤسسة الأسرة، وقبل ذلك وخلاله وبعده إلى تعزيز الأفكار الدينية والأخلاقية التي تشجع على التطوع بحيث يشعر المتطوع بأن عمله هو من أهم الأعمال العبادية أو من أهم الممارسات الأخلاقية أو الاجتماعية.
أن الأعمال التطوعية تساهم في تحمل المسؤولية ونشر روح التعاون والتكاتف والاعتماد على الذات وحب الخير بين أفراد المجتمع وعدم الاتكالية، كذلك تسهم في تعميق ثقافة التواضع، وإشاعة المودة والتعاون، إضافة إلى تنمية المهارات والتعبير عن الرأي في القضايا المجتمعية، وتعزز من مفهوم المواطنة الصالحة والانتماء للوطن.
من هنا نجد أهمية تنشئة الأبناء تنشئة اجتماعية سليمة وذلك من خلال قيام وسائط التنشئة المختلفة كالأسرة والمدرسة والإعلام بدور منسق ومتكامل الجوانب في غرس قيم التضحية والإيثار وروح العمل الجماعي في نفوس الناشئة منذ مراحل الطفولة المبكرة.
"إن الله القدير. عندما يرى أحد خدّامه يبذل أقصى جهده في خدمة خلقه، يساعده، ويقوده في خطاه".
"كما يجب علينا الصلاة، علينا السعي لخدمة الناس".
"كل المواطنين يملكون المبادرة إذا أرادوا".
الإمام السيد موسى الصدر
اترك تعليق