سبل الاستقطاب في العمل التطوعي لاسيما في الثانويات والجامعات السيدة ثريا هاشم حيدر (خبيرة في شؤون وقضايا المرأة)
سبل الاستقطاب في العمل التطوعي لاسيما في الثانويات والجامعات
السيدة ثريا هاشم حيدر (خبيرة في شؤون وقضايا المرأة)
أتوجه بالتحية و بجزيل الشكر والتقدير للقيمات على هذا المؤتمر، وأخص بالشكر رئيسة وأعضاء جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية ، لدعوتهن لي للمشاركة في موضوع أعتبره من المواضيع الأساسية والمهمة في عصرنا هذا، بعد أن ابتعد العالم عن العطاء والتضحية ، وحول كل الحركات والأفعال إلى أفعال مادية ومصالح ومنافع شخصية ، ألا وهو العمل التطوعي .
لقد سمعنا ما تضمنته الجلسات السابقة (الأولى والثانية ) العديد من النقاط حول دور العمل التطوعي وأهميته ، وعن أسباب تراجعه وإمكانية تفعيله ، هذا ما يؤكد لنا أننا في أزمة تراجع للعمل التطوعي خاصة في فئة الشباب ، مما يستدعي معالجة أسباب هذا التراجع من الجذور قبل أن تستفحل وتقضي على ما تبقى لنا من هذا العمل النبيل.
من هنا جاءت أهمية طرح موضوع سبل الاستقطاب في العمل التطوعي في الثانويات والجامعات . لأننا نجد في هذه الفئة من الأعمار الطاقات الواعدة التي يمكن الاستفادة منها في شتى المجالات والتي يجب أن تستثمر أفضل استثمار . والسؤال الذي نطرحه هو : هل هذه الفئة من الشباب على علم واطلاع بمفهوم العمل التطوعي وأهميته ؟ هل هي على علم بالمجالات التي يمكن أن تساهم بها والى من تتوجه ؟ إلى أي مدى احتضنت الجمعيات الأهلية والنسائية هذه الفئة واهتمت بها ؟
فعندما ادخل في المناهج التعليمية الجديدة موضوع العمل التطوعي في بعض المواد (التربية والاجتماع ..)، وتطبيق مفهوم خدمة المجتمع في المدارس الرسمية هذا العام ، عن طريق إلزام الطلاب ب60 ساعة خدمة مجتمع في المرحلة الثانوية ، بقي التعاطي بالموضوع في الإطار النظري أكثر من الإطار العملي التطبيقي . وبدا الإرباك عند عدد كبير من المعلمين /ت حول كيفية التنفيذ .ومما لفت نظري من خلال الاتصال بي، كوني ناشطة في العمل الاجتماعي، الأسئلة التي وردت من المدارس حول مفهوم خدمة المجتمع والعمل التطوعي ،وحول النشاطات والأعمال التي يمكن توجيه الطلاب إليها ، وإمكانية الحصول عليها ، وكذلك معرفة أسماء الجمعيات التي يمكن التواصل معها ، وحول كيفية التواصل. هنا برزت بالنسبة لي الفجوة بين المؤسسات التعليمية من جهة والجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني من جهة أخرى ،وهذا عمل ضروري للاستقطاب ، أي أن نعرف كيف نخطط للتنسيق مع المدارس والجامعات وان نطلعهم على أعمالنا وكيفية التواصل معهم .
السؤال الثاني الذي نطرحه: هل العمل التطوعي هو عمل تطوعي خيري فقط أم انه عمل تطوعي خيري وتنموي ؟ هل هو عمل آني في الأزمات والحروب أم انه عمل مستدام يلازمنا في الحياة ؟ وما هي الطرق الأكثر جذبا للطلاب ؟
للإجابة على هذه التساؤلات سنسلط الضوء على طبيعة العمل التطوعي في المدارس والجامعات وانعكاسه على الطلاب أنفسهم و تبيان المعوقات التي تواجههم وعن سبب عزوفهم.
يشكل العمل التطوعي أهم الوسائل المستخدمة لتعزيز دور الشباب في الحياة الاجتماعية والمساهمة في النهوض بمكانة المجتمع في شتى جوانب الحياة، كما يعد انخراطهم في العمل التطوعي مطلبا من مطالب الحياة المعاصرة وازدياد الاحتياجات الاجتماعية، وخير شريحة يمكن أن تنجح هذا العمل وتعطي فيه باندفاع وحماس تصل به إلى حد الإبداع هي فئة الشباب كونهم قادة الغد.
إن العمل التطوعي هو اللبنة الأساسية لتطوير الشباب وإكسابهم الخبرات والمهارات اللازمة للمساعدة في تطوير المجتمع، ولاشك أن الخبرة والمهارات التي يكتسبها الطلاب في مجال التطوع ستؤهلهم للتكيف مع طبيعة الدور المنتظر منهم للنهوض بالمجتمع، كما أن التطوع هو فرصة مناسبة جداً لزرع قيم المسؤولية الاجتماعية لديهم ، وإظهار دور المواطنة التي تركز على الانتماء للوطن ، لا على العصبية والجهل .
ومع أن العمل التطوعي لا يهدف إلى تحقيق أي ربح مادي إلاّ أن هذا النشاط الإبداعي الخلاق يشكل في الكثير من البلدان إضافة مادية هامة ودافعاً من دوافع التنمية بشتى مجالاتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للنهوض والارتقاء بالمجتمع ودفع عجلة التنمية .
فالعمل التطوعي هو عمل إرادي يتأصل في الذات البشرية عبر التنشئة الأسرية والمدرسية والمجتمعية . وهي قيم ومبادئ ومفاهيم يتربى عليها الفرد ويترجمها في مواقفه وسلوكياته وتصرفاته حيث تصبح جزا من شخصيته . من هنا يأتي الدور الأبرز للمدارس والجامعات حيث يقضي الطلاب معظم أوقاتهم داخلها ،يتبادلون الأفكار والأحاديث ويتفاعلون في معظم الأمور. العمل التطوعي في التعليم ، يهدف إلى تنمية المسؤولية المجتمعية لدى الطلاب وتوثيق الصلة بين المدرسة ومحيطها الاجتماعي. وتحقيق الحاجات الإنسانية وتوجيهها، حيث تمثل قيم البذل والعطاء والتعاون والتكافل والمبادرة إلى النفع العام أرقى صور الانتماء، وهو ما نحتاج إلى ترسيخه في مدارسنا بسعينا الحثيث إلى الرقي بتربية النشء بطريقة عملية تتجاوز المقرر الدراسي النظري إلى تطبيق ما تعلموه في حياتهم مباشرة وفي محيطهم الاجتماعي. حيث نقدم لهم الخبرة العملية بما ينمي مواهبهم وقدراتهم ويوجه حاجاتهم ليكونوا أبناء صالحين وأعضاء نافعين لأنفسهم ولأسرهم ولمجتمعهم ولوطنهم والبشرية جمعاء، وليكتسبوا القيم والأخلاق والآداب والمعارف والمهارات عن طريق العمل.
إن الطلاب يشعرون بالحماس والسعادة تغمر قلوبهم عند تكليفهم بأي نشاط او عمل تطوعي . فعند القيام بأي عمل من هذا النوع ، يشعرون بوجودهم وبمكانتهم ، فيتباهون بأنفسهم ، ويشعرون بأهميتهم ، حيث أنهم قدموا عملا ما بإرادتهم دون طلب من احد، فيفخرون بأنفسهم حيث يشجعون الآخرين للتمثل بهم .
ولكن من الأسباب الرئيسة التي تؤدي للعزوف أحيانا عن العمل التطوعي قد تكون من خلال تركيبة الجمعيات وممارساتها و أنشطتها . هناك عددا لا بأس به من الجمعيات يعتمد العمل الفوقي والتفرد وإعطاء الأوامر للتنفيذ، مما ينفر الطلاب ويبعدهم عن العمل . لأنهم يفضلون اعتماد الحرية في هذه الأعمار والاستقلالية وإبداء الرأي والتعبير عند القيام بأي نشاط . كذلك قد يكون لنوع الأنشطة التقليدية والروتين في بعض الجمعيات عاملا منفرا لهؤلاء الطلاب .
وتظهر أهمية ما يحققه العمل التطوعي من نتائج كثيرة لدى الشباب من خلال تعزيز الانتماء الوطني لديهم، وتنمية قدراتهم ومهاراتهم الشخصية المختلفة وإعطائهم الفرصة لإبداء آرائهم وأفكارهم في القضايا العامة واقتراح الحلول لها.
فالعطاء التطوعي مصطلح واسع ومفهوم شامل وثقافة نبيلة من شأنها أن ترتقي بأي أمة من الأمم إذا ما طُبِّقت بالشكل الصحيح، فالعطاء ليس مجرد عطاء مادي فحسب، وإنما هو عطاء مختلف من حيث الحجم والشكل والاتجاهات والدوافع من مجتمع إلى آخر، ومن فترة زمنية إلى أخرى. فهناك من يتطوع في تقديم الاستشارات المجانية لأحد القطاعات الخيرية كدور الأيتام والمعاقين، وهناك من يخصص ساعات في عيادته لاستقبال المرضى الفقراء دون أجر، بل هناك من يدير مؤسسات خيرية بالكامل دون مقابل .
لقد كشفت إحدى الدراسات التي أُجريت في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2008م أن عدد المتطوعين يشكل 26% من مجموع عدد السكان، أي ما يقارب 61.8 مليون متطوع، وأشارت الدراسة أن متوسط عدد ساعات العمل التطوعي لكل متطوع خلال سنة واحدة وتحديداً من سبتمبر 2007 م إلى سبتمبر 2008 م يبلغ 52 ساعة.
وفي بعض الدول كسويسرا مثلاً يعتبر التطوع إلزامياً للذين لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم في سن 20-60 سنة .
لا توجد إحصاءات دقيقة عن العمل التطوعي في الوطن العربي، ولا تزال نسبة المنتسبين المتطوعين يصعب مقارنتها بنسبتهم في الولايات المتحدة. ولكن من الأجدى لنا أن نؤكد أن عمل الخير واسع الانتشار والممارسة في الوطن العربي. إلا أننا لا ندري مدى وضوح مفهوم العطاء التطوعي لدينا، فالكثيرون يعتقدون أن العطاء التطوعي هو مجرد مساهمة مالية تعطى لمحتاجٍ ، وهذا يتطلب منا العمل على توضيح مفهوم العمل التطوعي وأهميته .
إن للعطاء التطوعي أثرٌ كبير على تطور وحضارة المجتمع، وهذا لا يلغي أثره على الفرد نفسه، وفضله في تعويض الكثير من جوانب النقص الروحي والنفسي والمهاري الذي يحتاجه.
إن الكثير ممن يعانون من الاكتئاب والضيق النفسي والملل يُنصحون بالمشاركة في أعمال تطوعية، فهذا من شأنه أن يشغل أوقاتهم ويكسبهم الثقة في النفس ويرفع من قيمهم الروحية ويرتقي بتفكيرهم ويرفع من مستوى طموحهم ويعطيهم أملاً في الحياة ويمنحهم شعوراً بالسعادة. نعم، فلا أجمل من أن تنجز عملاً مفيداً ليس من واجبك أن تقوم به، ولهذا فإن أغلب من مارس العمل التطوعي لمرة واحدة ، يحرص أن يستمر على ممارسته كمهارة حياتية وعادة اجتماعية دائمة.
في كثيرٍ من الأحيان، يكون العمل التطوعي فرصة كبيرة لاكتشاف ميول الفرد المتطوع ومهاراته، حيث يتطلب العمل التطوعي في بعض الحالات بأن يقوم الفرد بنشاط لأول مرة في حياته، وبالتالي تعمل بعض مؤسسات العمل التطوعي على تدريب الأفراد المتطوعين.
وإكسابهم المهارات اللازمة لأداء المهمات الجديدة المطلوبة منهم، وهنا قد يميل بعض المتطوعين إلى ذلك العمل ويصبح هوايةً لهم فيطورون أداءهم في مجالاته، وقد يكتشفون مواهب جديدة لديهم لم يكونوا ليكتشفوها لو لم يقوموا بالأعمال التطوعية.
أشارت دراسة عام 2008 على مئتي مؤسسة رائدة في (بريطانيا) إلى أن : 73% من أرباب العمل يفضلون توظيف شخص له خبرة في مجال العمل التطوعي على غيره. 94 % من أرباب العمل يعتقدون أن العمل التطوعي قد يضيف من مهارات الموظفين. 94% من الموظفين الذين تطوعوا اكتسبوا مهارات جديدة، استطاعوا تحسين وظائفهم ورواتبهم أو تمت ترقيتهم فيما بعد .
أين نحن من هذا التقدير للعمل التطوعي أليس هذا حافزا كبيرا لطلاب الجامعة للانخراط بالعمل التطوعي والإقدام عليه بكل حماس وتشجيع ؟ هل يوجد لدينا حوافز مادية او معنوية لهذا المتطوع ؟
أكد عدد من الخبراء أن غياب التوعية وضعف التنسيق بين الجهات المعنية وعدم تطور برامج الجمعيات أهم أسباب إحجام الشباب عن التطوع، مطالبين بالبحث عن آليات جديدة تواكب العصر لاستقطاب الشباب وغرس وترسيخ ثقافة التطوع بين طلاب المدارس الثانوية والجامعات، ووضع استراتيجية لتعزيز التنسيق بين المؤسسات التطوعية والمدارس والجامعات، وتفعيل دور المنزل والمدرسة في غرس ثقافة التطوع.
نعم للتربية دور كبير في غرس ثقافة التطوع لدى الأبناء والشباب وكذلك المدرسة لها دور ومنظمات المجتمع المدني ولكن هذه المؤسسات والجمعيات بحاجة لتفعيل دورها بشكل أكبر لاستيعاب طاقات الشباب والاستفادة منها في صالح المجتمع.
فالمسألة ليست أن لدى الشباب وقت فراغ فنرسله لإحدى الجمعيات الخيرية لمجرد الاستهلاك ، ولكن المطلوب الاستفادة من طاقات هؤلاء الشباب لخدمة المجتمع. فالعمل التطوعي أصبح اليوم علامة من علامات تقدم وتطور الدول.
أن العمل التطوعي هو جزء من نشاط مجتمعي شامل يساعد بشكل كثيف الدول المزدهرة على التطور والنمو السريع لوجود عوامل كثيرة منها التربية الصحيحة وغرس ثقافة التطوع منذ البداية وكذلك حيوية المجتمع والإعلام المحفز وطبيعة الثقافة المجتمعية السائدة وإحساس المواطن بمدى أهمية عمله التطوعي وتقدير المجتمع له. لكن في دولنا العربية فإن الأمر مغاير، ونحن هنا لا نلوم الشباب، ولكن حسب اعتقادي أن هناك اختلافا في الثقافة المجتمعية، بالاعتماد على الدولة لتقوم بكل شيء، وهذا يعود إلى عدة عوامل أهمها نقص أو غياب التوعية، والتقصير من جانب مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الخيرية في جذب واستقطاب الشباب وتوعيتهم بأهمية وقيمة العمل التطوعي، والأهم من ذلك هناك تقصير على مستوى عملية التنسيق بين المدارس والجامعات وهذه المؤسسات والجمعيات لغرس ثقافة العمل التطوعي لدى طلاب المدارس في كل المراحل .
هناك الكثير من الفوائد التي تنعكس على حياة المتطوع ونفسيته تفوق المقابل المادي ، فهل هو على علم بان للتطوع مكاسب كبيرة يستفيد منها؟ سنعدد بعضها :
- الحصول على مكانة في المجتمع
- تطوير مهارات الاتصال والقيادة .
- إيجاد فرص تطوعية تتناسب مع قدراته وطموحاته . .
- إثبات الذات وتطويرها من خلال زيادة الخبرة والمعرفة والمهارات وتطوير مجال التخصص. .
- تحقيق أهداف خاصة متمثلة في الاشتراك في مشروعات تطوعية محببة إليه.
- التزود بخبرات عمل جديدة.
- زيادة الثقة بالنفس .
- زيادة فرصة الحصول على عمل ، والحصول على شهادات خبرة ، وإثراء السيرة الذاتية .
- التفاعل الاجتماعي وتكوين أصدقاء جدد .
- استغلال وقت الفراغ بشكل مثمر ومفيد لشخصه ولمجتمعه.
- الحصول على ساعات العمل التطوعي الخاصة بالجامعة. الحد من السلوك المنحرف وخاصة لدى الشباب الذين لا يوجد لديهم عمل .
لا نعتقد أن الطلاب على معرفة بهذه الفوائد العظيمة الذي يكتسبها من خلال تطوعه ، كما أن معظم الجمعيات الأهلية لم تأخذ بعين الاعتبار
هذه الفوائد لتنطلق من خلالها وتستقطب الأجيال، كما أنها لا تملك رؤية واضحة في طريقة التعاطي مع هذه الأجيال عبر التجديد في أنشطتها لتواكب التطور واهتمامات الشباب وقدراتهم ، فتبتعد عن العقلية التقليدية في عملها وتتخلص من الملل والروتين الذين يساهمان في العزوف عن العمل التطوعي بدلا من الاستقطاب .
كذلك طريقة التعاطي مع الشباب تتطلب الكثير من الديمقراطية والمشاركة والحوار ، فهذا الجيل يحب أن يعبر عن رأيه سلبا أم إيجابا لا أن يتلقى الأوامر.
لكي نستقطب الشباب والطلاب علينا أن نفكر بطريقة عملنا ، بعيدا عن التسلط والعمل الفوقي ، وان نفكر بأسلوب جديد في العمل اخذين بعين الاعتبار مواكبة ثقافة الانفتاح والتطور عند هذا الجيل .
فإذا تمثلنا ببعض الدول المتقدمة بإعطاء قيمة لساعات العمل التطوعي واحتسابها في السيرة الذاتية، والاستفادة منها في التوظيف أو الترقي في العمل ، سيساعد كثيرا على استقطاب الشباب في الجامعات ويحفز الأهالي على تشجيع أبنائهم للعمل التطوعي بدلا من اعتباره مضيعة للوقت والجهد .
في لبنان معظم العمل التطوعي مرتبط بالأزمات والحروب والكوارث عبر الإغاثة و تقديم المساعدات العينية مثل: المأكل والملبس والدواء والمال فهو مرهون بالعمل الإنساني الخيري للفقراء والمحتاجين . مع تقديرنا لهذا العمل النبيل إلا أننا بحاجة لبناء وطن ومواطن مرتبط بأرضه ومجتمعه وبالآخرين ، لذلك لا يجب أن يقتصر العمل التطوعي على العمل الخيري بل يجب أن نتجه كذلك إلى العمل التطوعي التنموي الذي يغرس في الأجيال حب الوطن والولاء له وبناء المواطنة الحقيقية .
فبناء المواطن لا يكون بالشعارات ولا بالخطابات بل بتربية حقيقية وتنشئة على حب الوطن والناس وعلى قيم المحبة والعطاء والتعاون بدلا من التعصب والتفرقة ومن أجدر من الأعمال التطوعية التي يقوم بها المتطوع من غرس هذه القيم . فإذا أردنا فعلا بناء أجيال بعيدة عن الجهل والتعصب علينا أن نشجعهم على الانخراط في العمل التطوعي لأنه سيتعرف على الآخر المختلف في جميع المناطق اللبنانية .
ما هي البرامج التطوعية الأساسية المطلوبة في المدارس والجامعات وكيف سنساعد الطلاب ونشجعهم على الانخراط والعمل بها ؟
البرامج التطوعية الأساسية المقترحة للمدارس :
1- ورش عمل ومحاضرات (إقامة ورش عمل ومحاضرات عن العمل التطوعي داخل المدارس للطلاب والمعلمين) – مفاهيم التطوع ، آثاره ، فضائله ، دوره في تهذيب النفس والإصلاح ...
يتم إعداد جدول زمني لكل نوع من هذه المحاضرات ، وورش العمل .
يفضل أن يكون أسبوع كامل مخصص لثقافة العمل التطوعي .
2- دعم البرامج والمجموعات التطوعية الطلابية :
البرامج التطوعية ( برامج الطلاب ) : يجب أن تترجم البرامج والأنشطة رسالة البرنامج وأهدافه بحيث تشمل على جانب توعوي وتثقيفي وجانب عملي تطبيقي .
يوجد نوعين من البرامج الممكن تطبيقها مع الطلاب ، برامج داخل المدرسة وبرامج خارج المدرسة :
أولا : البرامج الداخلية ( داخل المدرسة )
هي برامج يتم تنفيذها داخل المدرسة ( يتم تكليف معلم مشرف لكل نشاط يتم اعتماده ) أمثلة :
- تنظيف الحدائق داخل المدرسة وزراعة أشجار وغيرها ...
- تزيين المدارس والممرات ، ورسم لوحات جدارية – أعمال دهان
- إقامة مسابقات طلابية لكتابة مقالات وشعارات عن العمل التطوعي ، رسم ، شعر ...
- تقديم الطلاب دورات عن العمل التطوعي لبقية زملائهم
- إقامة حملات توعية داخل المدرسة ( الأيام العالمية للتطوع ، توعية عامة ...)
- فقرات متنوعة عن مشاريع وأخبار عن العمل التطوعي وغيرها ...
ثانياً : البرامج الخارجية ( خارج المدرسة ) :
زيارات وحفلات لفئات اجتماعية مختلفة مثل :
المسنين – الأيتام – المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة – الأطفال المرضى ....زيارة الجمعيات والمؤسسات التطوعية والخيرية للتعرف على أهدافها وأنشطتها .
المجموعات والفرق التطوعية الطلابية :
يتم تقسيم الطلاب إلى فرق تطوعية حسب المجموعات الآتية :
أ- مجموعات القيادة .
ب- مجموعات التفكير .
ت- مجموعات الإعداد
ث- مجموعات التنفيذ
ج- مجموعات إعلامية وعلاقات عامة .
كيف نفعل عمل كل مجموعة وما هي المهام المطلوبة ؟
أ- مجموعات القيادة :
مجموعات تتصف بالقدرة القيادية وبسمات شخصية تؤهلها لإدارة الفرق التطوعية ، وتقدم لها دورات عن القيادة والإدارة ، ويتم انتخاب مجلس إدارة من الطلاب ( 5-7) طلاب لإدارة العمل التطوعي في المدرسة في كل فصل دراسي ، والبقية تكون من المجموعات القيادية التي تقود الفرق التطوعية الأخرى .
ب- مجموعات التفكير :
وهي مجموعات تقدم لها دورات خاصة في طرق التخطيط والتفكير ، وتهدف إلى ابتكار مبادرات تطوعية ، تناسب الطلاب يتم الاختيار منها للمشاريع الناجحة .
ت- مجموعات الإعداد :
هي مجموعة يقدم لها دورات عن إدارة المشاريع والتنسيق والتحضير للأنشطة والفعاليات التي تم اختيارها.
ث- مجموعات التنفيذ ( وهم الأغلبية ).
تقدم لها دورات ومحاضرات عن أهمية العمل التطوعي ، وعن الحقوق والواجبات وما إلى ذلك ، وهي المجموعة التي تسهم في تنفيذ المشاريع .
ج- مجموعات إعلامية وعلاقات عامة :
تقدم لهذه المجموعة دورات ومحاضرات وورش عمل عن العلاقات العامة والإعلام وكتابة التقارير وكذلك عن دور الإعلان في إنجاح العمل . ومهمة هذه المجموعات هي إعداد التصاميم البروشيرات والمطويات المتعلقة بالأنشطة وكذلك التقارير الإعلامية لنشرها . ( بما فيها النشرة الإذاعية .)
بعض آليات التحفيز والتشجيع الممكن اعتمادها :
- معادلة الساعة التطوعية أو العمل التطوعي بدرجة تضاف للطالب /ة حسب معايير تحددها إدارة المدرسة .
- تقديم الدروع والشهادات للطلاب والطالبات المتميزين /ت في البرامج التطوعية .
- تقديم جوائز لأفضل الفرق التطوعية ، لأفضل المشاريع ، لأفضل متطوع /ة .
- توضيح حقوق وواجبات المتطوع/ة وإعطائهم بطاقات تعريفية كمتطوعين .
- تقديم منح مالية للبرامج والأنشطة التطوعية .
رغم ما يتسم به العمل التطوعي ( الاجتماعي) من أهمية بالغة في تنمية المجتمعات وتنمية قدرات الأفراد، إلاّ أننا نجد نسبة ضئيلة جداً من الأفراد الذين يمارسون العمل التطوعي، فهناك عزوف من قبل أفراد المجتمع، وخاصة الشباب منهم، عن المشاركة التطوعية وسنعرض بعض الأسباب والمعوقات :
بعض أسباب عزوف الطلاب عن التطوع :
أ. معوقات تتعلق بالمتطوع نفسه:
- الجهل بأهمية العمل التطوعي.
- عدم وجود وقت كاف للتطوع.
- عزوف بعض المتطوعين عن التطوع في مؤسسات بعيدة عن سكنهم.
- تعارض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة .
أ. معوقات متعلقة بالجمعيات التطوعية :
- عدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين تهتم بشؤونهم وتساعدهم على الاختيار المناسب حسب رغبتهم.
- عدم الإعلان الكافي عن أهداف الجمعية وأنشطتها.
- عدم تحديد دور واضح للمتطوع وإتاحة الفرصة للمتطوع لاختيار ما يناسبه بحرية.
- عدم توافر برامج خاصة لتدريب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل.
- عدم التقدير المناسب للجهد الذي يبذله المتطوع.
- إرهاق كاهل المتطوع بالكثير من الأعمال دون مراعاة الوقت .
- الخوف من الجديد ومن الانفتاح والوقوع في أسر الانغلاق.
- انغلاق بعض الجمعيات على نفسها .
ب. معوقات متعلقة بالمجتمع:
- عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع.
- اعتقاد البعض ان التطوع مضيعة للوقت والجهد.
- عدم بث روح التطوع بين أبناء المجتمع منذ الصغر.
من الضروري الانتباه لهذه المعوقات والعمل على تذليلها لكي نتخطى التراجع في العمل التطوعي ونزيد من استقطاب الطلاب في الثانويات والجامعات .
لذلك أقترح على الجمعيات الأهلية والنسائية ما يلي :
- ضرورة وجود دليل للجمعيات التطوعية يتضمن المواضيع والأوقات المطلوبة للتطوع حتى يتمكن الطلاب من الاطلاع عليها واختيار ما يناسبه .
- التنسيق والتواصل مع المؤسسات التعليمية بكل مراحلها .
- التركيز على العمل التطوعي الخيري والتنموي .
- ضرورة أن تحدد الجمعيات مجالات عمل المتطوع وساعات العمل المطلوبة.
- الاستفادة من أوقات الفراغ لدى الطلاب خاصة دوام العطلة الصيفية.
- التجديد والتحديث في العمل التطوعي آخذين بعين الاعتبار التطور والانفتاح عند الطلاب.
- التعامل مع المتطوع بروح المسؤولية والديمقراطية وإعطائه فرصة للتعبير عن آرائه وأفكاره ، واحترام تصرفاته.
- احترام قدرات المتطوع وتقديره معنويا وماديا.
- وجود قسم خاص في الجمعية مخصص للمتطوعين.
المصادر والمراجع :
عالم التطوع العربي .
د. خالد بن فائز الحقاني ( قطر )
د. عبد الحميد الأنصاري (قطر )
د. عبد الحميد غانم – مصر
دور المدرسة في تعزيز ثقافة العمل التطوعي – د. إسماعيل محمد الأفندي
العمل التطوعي تفعيل لطاقات الطلاب وبناء لشخصيتهم – د. عزة سند –
اترك تعليق