ماهية البرامج التنموية التطوعية التي تتولاها الجمعيات الأهلية السيدة منى حداد فارس (رئيسة تجمع النهضة النسائية) في مؤتمر "العمل التطوعي في الجمعيّات الأهلية والن
ماهية البرامج التنموية التطوعية التي تتولاها الجمعيات الأهلية
السيدة منى حداد فارس (رئيسة تجمع النهضة النسائية)
في متابعة لمفهوم التطوَع يتبين لنا أنه تطور عبر التاريخ في معناه من الإغاثة والإحسان إلى التضامن والتعاون.
وإذ تحتل الهيئات الأهلية التطوعية في لبنان المرتبة الأولى على المستوى العالمي قياساً لعدد السكان..
فإن التكلم عن موضوع محدد وتقني "كماهية البرامج التنموية التطوعية للجمعيات الأهلية في لبنان" يقتضي الرجوع إلى تاريخ نشأة هذه الجمعيات الأهلية.
إن المنظمات التطوعية أو الجمعيات الأهلية التطوعية تطورت في ضوء التحولات السياسية والاجتماعية لا سيما أن القانون الصادر عام 1909 الذي سمح بتأسيس الجمعيات قد شجع هذه العملية أبان الحكم العثماني وتحت الانتداب الفرنسي وحتى يومنا هذا.
ولقد تلازم نمو المؤسسات الأهلية في لبنان مع تطور التشكيل الاجتماعي في المناطق اللبنانية وعملية الصراع الدائرة فيها وسياسة التمييز بين أبناء الوطن الواحد.
ولما لم توفق الحكومات المتعاقبة في بناء الدولة القادرة والعادلة وتأمين الانصهار الوطني لجميع اللبنانيين، فلقد برزت الشخصية الخاصة لكل طائفة من الطوائف اللبنانية.
ومن ضمنها المؤسسات غير الحكومية، فجعلت هذه السياسة الطوائف هي الوحدات السياسية الواقعية، الدستورية، التي تلعب دورها في الحيات السياسية، مما جعل الوحدات الطائفية هي العناصر المكونة للدولة اللبنانية، وليس المواطن اللبناني هو العامل الأساسي للدولة.
جرت محاولة لمأسسة الدولة وتحديثها خلال الحقبة الشهابية كما برزت في أعوام الستينات والسبعينات التي تميزت بالنهوض القومي في كل المنطقة العربية، برزت فئات اجتماعية في مختلف المناطق اللبنانية تجاوزت المفهوم الإحساني الإغاثي للعمل الاجتماعي إلى روح التضامن والتعاون وأسست مجموعة من الهيئات الغير الحكومية ترمي إلى تعميق الوعي الاجتماعي والسعي إلى بناء مجتمع المساواة والحرية والمشاركة والإنماء، إلا أنه كان هناك تفاوتاً واضحاً في التشكيل الجغرافي بين المناطق اللبنانية.
إن هذا التفاوت في عمر المؤسسات بين منطقة وأخرى يعبر عن واقع اجتماعي اقتصادي ويعكس سياسة عدم التوازن السائدة في حينه بين المناطق، وقد كان في هذا الخلل البنيوي من بين الأسباب الرئيسية التي أدت إلى المحنة التي بدأت في العام 1975 إضافة إلى أسباب إقليمية طبعاً.
وقد لعبت الهيئات الأهلية دوراً تاريخياً خلال سنوات المحنة في ظل تراجع دور القطاع العام فكانت الجهة الصالحة في تحديد حاجات الناس والسعي لتثبيتها، ولقد
تمكنت خلال سنوات طويلة من العمل الدؤوب من توفير تجربة غنية وثقة عالية محلياً وعالمياً.
إن هذا الرصيد الكبير الذي حازت عليه الهيئات الأهلية خلال ستة عشر عاماً من الحرب وما رافقها من عنف وقتل وتدمير وتهجير، خلال هذه الفترة العصيبة، تمكنت من المساهمة مع باقي بنى المجتمع المدني من المساعدة في المحافظة على استمرار المجتمع، وبعدما وضعت الحرب أوزارها، وبدأت مسيرة السلم الأهلي باتت الجمعيات أمام تحدَ جديد، كيفية الانتقال من حالة الطوارئ والإغاثة إلى عملية التنمية المستدامة وكيفية مساهمتها في إنماء وتطوير المجتمع، وهل ستكون في مستوى هذا التحدي الجديد؟
إن الإجابة على هذا السؤال مرتبطة بأربع نقاط أو بالأحرى أربع أسئلة.
1. هل تمكنت الجمعيات من ترسيخ المفاهيم المتعلقة بالتنمية والرؤية الشمولية حول الموقع الاجتماعي القائم وكيفية إيجاد والسبل لتأمين الحلول لدى أعضائها؟
2. هل توصلنا لإنشاء شبكات أواخر تنسيقية فيها الصالح العام على المصلحة الفردية أم أنها جزء من "عدة الشغل" تستعمل عند الحاجة؟
3. هل يعي القيمون على القطاع العام ويعترفون بأهمية دور القطاع الأهلي؟ وبالعكس هل بلغ القطاع الأهلي مستوى كافٍ من النضج يسمح ببناء علاقة عضوية مع الوزارات المعنية؟
4. ما هي نوعية العلاقة مع الهيئات المانحة؟ أهي علاقة شراكة أم تسودها ذهنية "المساعدة" وسياسة الاحتواء المبنية على قاعدة من يدفع يقرر؟
البرامج التطوعية بعد مرحلة الحرب قسمان:
تحولت الهيئات الأهلية في مرحلة ما بعد الحرب من الإغاثة والطوارئ إلى التنمية، وقد أنجزت هذه الهيئات خطوات إيجابية في التعاطي مع الواقع الجديد في لبنان أي الانتقال من حالة الطوارئ والإغاثة إلى برامج التنمية وفي هذا السياق يمكن تقسيم العمل الاجتماعي إلى قسمين:
قسم الخدمات:
ويعني مراكز الخدمات الصحية الاجتماعية التي يفترض أن تؤمن لنفسها استمرارية عبر خطة اكتفاء ذاتي، يؤمنها المستفيدون من هذه الخدمات والمجتمع المحلي، وهذه نظرة جديدة للعمل الاجتماعي ترتكز على رخص مجانية الخدمات والتعود على الاتكالية بل مشاركة من قبل الأهالي تحت شعار خدمة أفضل ولكن بكلفة أقل.
برامج التنمية:
تحاول معظم الجمعيات مباشرة أو من خلال التعاون مع الوزارات المعنية والمنظمات الدولية وضع برامج تنموية تمتد لفترة سنوات وتعتمد على التوجهات التالية:
1- التركيز على الإنسان المحرًك والهدف في الإنماء، والعمل على توفير الحقوق الأساسية للمواطنين في الحرية والتعليم والصحة والسكن والأمن والعدالة الاجتماعية.
2- مشاركة المرأة في التنمية.
3- حماية البيئة.
4- تعزيز دور الشباب.
5- الاهتمام أكثر فأكثر بالفئات الأكثر حاجة أو المهمشة ( أيتام، معوقين، مهجرين..).
ولكن هذه التوجهات على أهميتها لا يزال يعترضها الكثير من الصعوبات، فالجمعيات والشبكات التي تسعى إلى الاكتفاء الذاتي تصطدم بالظروف المادية الصعبة للناس والتي تحتاج إلى من يمد لها يد المساعدة.
كما أن تراجع المساعدات الخارجية، يؤدي إلى عدم توفير التمزيل الضروري لتنفيذ برامج التنمية، وهنا نسأل الأولوية لماذا للتنمية أم للخدمات؟
الجواب هو لترافق الاثنين معاً.
وإذا كانت التنمية بمفهومها الجديد تتطلب تخطيطاً واعياً تتطلب أيضاً قناعة والتزاما فكرياً بالسعي والعمل على تعديل "المخلفات القديمة" لتحقيق الصالح العام.
انطلاقا من هذه القناعات، تشترط اليوم مسألة تحقيق التنمية، مواصفات معنية في مؤسسات العمل الأهلي منها:
على مستوى البنية الداخلية للمؤسسات:
وذلك على توعية الأعضاء العاملين وتكوين رؤية تنموية لديهم واشتراكهم في عمل ميداني بهذا الاتجاه وكذلك تمكينهم من الاستفادة من الطاقات المتوفرة محلياً ودعم المبادرات الفردية والعامة وتنميتها لتكوين قيادات محلية.
على مستوى الخارج: وهنا، نتطرق إلى نوعين من العلاقة:
1. العلاقة مع الناس:
وفي هذا السياق، يقتصر نشاط الهيئات الأهلية بالدرجة الأولى على المستوى المحلي، وقد يتعداه –عند فاعلية هذه الهيئات– ليشمل المستوى الوطني. إنما، على الهيئات الأهلية أن تعي دوماً إلى أن دورها يكتمل بمشاركة الناس لا بالحلول محلهم.
من هنا يكون الدور غير تمثيلي، قوامه المصداقية والالتزام بالمسار التنموي من موقع غير محايد يعبر عن مصالح الناس.
2. العلاقة مع القوى الأخرى الضاغطة في المجتمع المدني:
ونعني بها العلاقة مع النقابات، والاتحادات المهنية، والأحزاب والبلديات والمجالس والقيادات المحلية والنوادي والمؤسسات الخدماتية الحكومية، وغيرها من دينية وطائفية (كالعائلات والعشائر...)، والاتحادات الاقتصادية والجامعات..
العمل التطوعي إلى أين؟
العمل التطوعي: ينمو أم ينحسر؟
تشير إحصاءات جمعيات الصليب والهلال الأحمر أن عدد المتطوعين في العالم قد تراجع بين العام 1988 من 265 مليون متطوع إلى 150 مليون متطوع في العام 1998، بينما إحصاءات الصليب الأحمر اللبناني تشير إلى ارتفاع عدد المتطوعين بنسبة 25%. وإنه كان لديه في العام 2001، 2.006 متطوع، وعدد الناشئين منهم 1.206، والشباب 800 عضواً.
وفي لبنان، بشكل عام، يوجد ازدياد في عدد الجمعيات التطوعية كما أشرنا سابقاً، بينما قد يكون هناك تراجع في عدد المتطوعين على الصعيد الفردي، نظراً للأزمة الاقتصادية الخانقة من ناحية وإلى عدم وجود حالة طوارئ تساعد في استنهاض الهمم من ناحية ثانية. هذا بالإضافة إلى المعوقات أخرى بينها، كيفية التعامل مع قدرات وإمكانات المتطوعين، ومدى خبرات المنظمات التطوعية في تعبئة المتطوعين وكيفية استثارة الوعي التطوعي لدى المواطنين.
مدى النجاح في التواصل بين الأجيال وحجم مشاركة الشباب
يبدو أنه يوجد خلل كبير في تأمين الاتصال بين الأجيال، وتوفير فرص للشباب للمشاركة.
1- أزمة العمل الجماعي
إن مجتمعاتنا لم تتعود حتى الآن على العمل بروح الفريق ولا تزال عقلية الاعتماد على الفرد هي السمة الغالبة في بلاد العالم الثالث ومن ضمنها لبنان.
2- وجود توتر بين العاملين مقابل أجر والمتطوعين، كما يلاحظ وجود تمييز بين العاملين الدائمين والمتطوعين.
اقتراحات مستقبلية
إن تعزيز العمل التطوعي بحاجة إلى:
استثارة الوعي التطوعي لدى المواطنين والاهتمام بعملية التنشئة الاجتماعية والسياسية.
التركيز على إعادة متطوعين في مرحلة الطفولة والشباب.
تنمية المهارات الإدارية لدى المتطوعين والعاملين.
احتياج العمل التطوعي إلى تخطيط استراتيجي.
التعاون مع القطاع الخاص كمساند للعمل التطوعي وتوفير مؤسسات تمويل للعمل التطوعي.
حاجة المتطوعين للتقدير الأدبي لعملهم، والعمل على إزالة التوتر بين العاملين الدائمين والمتطوعين.
أهمية مساندة مؤسسات الإعلام والتعليم للعمل التطوعي.
أن تلعب الحكومة دور المنشط والداعم للعمل التطوعي.
إنشاء مجالس استشارية للشباب في المنظمات التطوعية واعتراف كل جيل بالجيل الآخر.
اترك تعليق