واقع العمل التطوعي محليًا وعلى مستوى المنطقة والعالم كلمة المحامية إقبال دوغان (رئيسة رابطة المرأة العاملة في لبنان) في مؤتمر "العمل التطوعي في الجمعيات الأهليّة
واقع العمل التطوعي محليًا وعلى مستوى المنطقة والعالم
كلمة المحامية إقبال دوغان (رئيسة رابطة المرأة العاملة في لبنان)
العمل التطوعي هو مصدر من مصادر قوة المجتمع ومرونته وتضامنه وتماسكه الاجتماعي وهو قادر على إحلال التغيير الاجتماعي الإيجابي من خلال تعزيز احترام التنوع والمساواة والمشاركة للجميع وهو من بين الأصول الأكثر حيوية للمجتمع.
"بان كي مون الأمين العام للأمم المتحدة، ٥ ك١ ٢٠٠٩".
في الربع الأخير من القرن الماضي بدأت المنظمات التطوعية تترسخ وتملأ المساحة بين الدولة والمجتمع والقطاع الخاص بعد أن عانى العالم بكامله من حربين مدمرتين أكلت الأخضر واليابس في معظم أنحاء العالم.
إن العمل التطوعي ومن خلال الجمعيات المدنية والأهلية والنقابات هو تنظيم للنشاط الشعبي والعمل التطوعي بدأ قبلاً وعلى الغالب بصفة دينية خيرية وانتقل إلى مساعدة للدولة في تنفيذ مشاريعها الإنمائية والبيئية والحقوقية وهو عنصر إما مساعد أو منبه أو ضاغط عند تقصير الدول عن خطط التنمية الاجتماعية والحقوقية والصحية والتربوية. فالتطوع كما اتفق عليه دوليا هو تخصيص بعض من وقت الإنسان الخاص من أجل عمل عام عبر التزام مجاني ليس بالوظيفي أنما هو التزام أدبي من أجل خدمة أهداف إنسانية ومجتمعه:
ميادين العمل التطوعي:
١- الميدان الاجتماعي
٢- الميدان الصحي
٣- الميدان التربوي والتعليمي
٤- الميدان الحقوقي: المرأة والطفل والمسن
٥- الميدان البيئي وغيرها
فالعمل التطوعي هو الجهد الذي يبذله الإنسان بملئ إرادته ودون مقابل ربحي وهي مؤسسة لا تتوخى الربح.
ولا شك أن تطور عالم المعلومات والتكنولوجيا أسهم مساهمة فعالة في خدمة العمل التطوعي وعلى الأخص عند الشباب سواء اللبناني أو التونسي أو المصري وغيرهم وذلك بإنشاء شبكات عنكبوتيه في عمليات المناصرة والتوعية والاتصال السريع وهذا ما قام به الشباب في كل البلاد التي حصل بها تحركات ضد الديكتاتورية ولو أن الشباب العربي حتى الآن ولو نجح في هذه التحركات لم يستطع الوصول إلى وسيلة لتغيير الأوضاع العربية الراكدة للوصول إلى مواقع القرار التي تعمل على تنمية هذه المجتمعات ولم يستطع هؤلاء الشباب الدفاع عن النتائج التي وصلوا إليها في هذا الخصوص فالثورة سرقت منهم والأمل أن لا يتوقف تحركهم حتى الوصول إلى ما يطمحون إليه في دول متحضرة تعمل على التنمية الشاملة المستدامة والحضارية.
في العام ١٩٧٠ أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة برنامج (متطوعي الأمم المتحدة) ويهدف للاعتراف بالمتطوعين ويعمل في ١٤٠ بلد.
أما في العالم العربي فقد نشأت أولى المنظمات التطوعية الأهلية في زمن العثمانيين آخر القرن التاسع عشر وزادت بعد الاحتلال الفرنسي والانكليزي للبلاد العربية بعد معاهدة سايكس بيكو المشؤمة فتم إنشاء دور للأيتام والعجزة وهي مؤسسات خيرية أكثر منها تطوعية.
على ضوء الاحتلال اتجه بعض هذه المؤسسات إلى العمل السياسي كما في مصر ولبنان وسورية ثم بدأ التمايز وفق كل بلد حسب النظام السياسي الذي تميز بالتضييق على الحريات وبالتالي اقتصار العمل التطوعي في معظمها بإرادة الدول وتحت رقابة أجهزة المخابرات على الأكثر.
ولنأخذ بعض البلاد العربية كمثل:
تونس:
لقد عرفت تونس التنظيمات التطوعية منذ زمن بعيد وتطورت الى اعتماد العمل التطوعي المدني بمفهومه الحديث منذ الثورة على الاستعمار الفرنسي وبعد الاستقلال حيث ساهمت الجمعيات في محاربة الجهل والتقليص من تبعات الفقر والمرض. ودعم العمل التطوعي بقانون الجمعيات وقانون مدونة الأحوال الشخصية الذي اعتمد إصلاحات أساسية من أجل الأسرة والمرأة.
لكن هذا الانفتاح لم يدم طويلاً لأن السلطة السياسية بعد التسعينات اتجهت في تلك الأيام تدريجيًا نحو الانغلاق وأصبح هناك المزيد من التضييق على هذه الجمعيات مقابل بعض الجمعيات المدعومة من السلطة.
والآن تخوض الهيئات المدنية التطوعية الأصلية وخاصة منظمات المرأة التونسية. نضالًا لاستمراريتها ولضمان تحقيق أهدافها في ظل السلطة الموجودة حاليًا.
مصر:
لقد تألفت أول جمعية مصرية سنة ١٨٢١ وتوالت بعدها الجمعيات وحتى السياسية لا يختلف الأمر عند المصريين عن باقي البلاد العربية ففي مصر تحصل الجهود التطوعية على أقل تقدير ٤٬٦٤٢٬٢٤٠ جنيه أي أن ٦٬٤ من المصريين يتطوعون.
السعودية:
كل ريال يستثمر في السعودية يكون عائدة ٥ ريالات وتقوم أغلب الجمعيات بتوجه ديني.
وفي الأردن:
قدر عدد المتطوعين بعشرة آلاف متطوع.
لا شك أن ثقافة التطوع هي جزء من الثقافة العامة في البلاد العربية وأن لها جذورها في الوجدان الشعبي إلا أن هذه الثقافة لم تستطع حتى الآن التجاوب مع متغيرات الواقع لأنه يعاني من عملية التسييس فالسلطات الحاكمة تسخر العمل التطوعي لمصالحها ولا شك أن هناك ازدواجية دينية وعلمانية في ثقافة التطوع في هذه البلاد.
أن أهم مشكلة تواجه ثقافة التطوع في المجتمعات العربية هي من حصار التطوع كممارسة وكنشاط بين مطرقة أنظمة غير شفافة وسندان الانتهازية والوجاهة الاجتماعية التي تكاد تفسد بهجة العمل وروح التطوع.
أن العمل التطوعي هو سمة حضارية وظاهرة إنسانية تحدد الأهداف وتضع الخطط الاستراتيجية للأعمال مع توفير الإرادة الجيدة الكفؤة والشفافة وفق نظام مالي واضح المداخل والمخارج.
في لبنان:
يعود إنشاء المنظمات الأهلية في لبنان إلى عهد المتصرفية فنشأت جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية وغيرها للتعليم وكان العمل التطوعي مقتصرًا على عمل الخير في المدن وعلى شكل العون في الأرياف.
في العام ١٩٠٩ صدر قانون الجمعيات والأحزاب حيث يسمح بإنشاء الجمعيات والأحزاب بموجب علم وخبر يودع لدى الحكومة لكن التحول المهم حصل أيام حكم الرئيس فؤاد شهاب فأنشأت مصلحة الشؤون الاجتماعية وزادت الجمعيات الأهلية عند بدء الحرب الأهلية وأثناءها لتلبية الحاجات المستجدة.
وقد زاد عدد الجمعيات في لبنان حتى أصبح يقدر ﺑ٦٦٠٠ جمعية أما الناشط منها فيُقدر بستمائة جمعية.
إن البطل الحقيقي خلال سنوات الحرب في لبنان التي امتدت إلى أكثر من ١٥ سنة كان الهيئات الأهلية التي كانت الصورة النقيضة لواقع الاقتتال والتهجير والتدمير.
ولا شك أن العامل الأساسي والغالب في هذه الهيئات كانت المنظمات النسائية التي لعبت دورًا أساسيًا في إعادة اللحمة الوطنية وفي أعمال الإغاثة.
الهيئات النسائية في لبنان:
أن الهيئات النسائية في لبنان تمثل ظاهرة ملفتة من حيث عددها ونوعية العاملات فيها وأنواع النشاطات التي تقوم بها. فالهيئات الأهلية تشمل عددًا كبيرًا من الهيئات النسائية. ولعل ظاهرة اتجاه النساء بشكل خاص إلى العمل التطوعي في الجمعيات هو ضعف تمثيلهن في الحياة العامة والسياسية وعدم تشجيع النساء رغم الكفاءات العالية التي تتمتع بها العديد منهن على الانخراط في العمل السياسي ومواقع إصدار القرار.
ولا شك أن أغلبية هذه الهيئات هي جمعيات خيرية إلا أن هذه الجمعيات المطالبة بحقوق النساء ولو كان عددها محدودا إلا أن لها دور فاعل وقوي لكن ينقصه التنسيق والمشاركة في الاستراتيجية الوطنية التي أصدرتها الهيئة الوطنية لشؤون المرأة ووضعها موضع التنفيذ.
تمويل الجمعيات والهيئات التطوعية
هناك عدة أنواع من التمويل الضروري جدا لعمل مشاريع الهيئات التطوعية منها:
التمويل الحكومي:
وهذا التمويل يؤثر على استقلالية المؤسسة التطوعية وحيادتها، فلا يكون التطوع مبدعًا وتقدميًا إلا إذا كان مستقلا ماديًا.
هناك مثلا ملجأ للمشردين المدمنين على الكحول في انكلترا اتضح أن القيمين عليه يهتمون بإثبات أهمية حجم التشغيل لأن التمويل الحكومي وذلك على حساب الخدمات المقدمة وغيرها.
التمويل من المنظمات العالمية المانحة:
سواء كانت من منظمات الأمم المتحدة أو غيرها من المنظمات التي تعنى بالخدمات التطوعية أن هذا التمويل يكون على الغالب انتقائي ويتجه بالإجمال للمؤسسات الكبيرة المتمكنة التي لديها طاقات كتابة مشروع وتقديمه.
- فضلا عن أنها تقدم على الغالب أجندتها للعمل دون الأخذ بعين الاعتبار حاجات البلد الذي سيقام فيه المشروع.
- كما أنها تعطي مدة محدودة بسنتين على الأكثر بحيث يقطع المشروع الإنمائي دون تحقيق النتائج الفعلية.
- عدم المحاسبة أي تصرف الأموال وكيف ينفذ المشروع مما يخلق مجالًا للفساد وسبيلًا لارتزاق بعض النفوس المريضة.
التمويل الذاتي:
عن طريق المشاريع الذاتية والاشتراكات والتبرعات ولكنه لا يعط نتائج سريعة.
بالنسبة للدول العالمية
- الولايات المتحدة الأميركية:
لقد وصل عدد التنظيمات في القطاع التطوعي في الولايات المتحدة الأميركية ١٬٢ مليون مؤسسة تطوعية، بلغت التبرعات /١٣٢/ بليون دولار ونسبة من يتطوعون ٥٥٪ من السكان (الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين).
- في فرنسا:
تلتزم وضعية المتطوع بثلاثة معايير:
١- أن يكون عضوًا في جمعية.
٢- أن يخصص على الأقل ساعتين أسبوعيًا للتطوع.
٣- أن يؤمن بأن التطوع يشكل قوة تغذي المجتمع المدني وتعزز التضامن.
- سويسرا:
يعتبر التطوع إلزاميًا للذي لا تنطبق عليهم شروط الخدمة العسكرية ممن هم بين ٢٠ و ٦٠ فيقومون عوضًا عنها بالعمل التطوعي.
التطوع في الدين الإسلامي:
يحث الإسلام على التطوع ويجازي من يفعل خيرًا ‹وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا›، ‹فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ*وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ›. والكثير من الأحاديث النبوية الشريفة تحض على عمل الخير.
أخيرًا..
إن العمل التطوعي المدني يمنع تفكك المجتمع ويزيد من لحمته (لبنان).
ولا بد من أن تساعد الدولة في تثبيت هذه الجمعيات، إذ أن أعضاءها عاملين في مجال الخدمة العامة بدون أجر مما يخفف عن الدولة أعباء كبيرة وذلك ﺑ:
- الإعفاء من الضرائب للمؤسسات الربحية الخاصة عند تمويل العمل التطوعي أو من قسم من هذه الضرائب.
- التشبيك مع البلديات بربطها مع العمل التطوعي بقوانين إلزامية تحقق شراكة فعلية لا استنسابية مع هذه الهيئات.
- استخدام التكنولوجيا الحديثة للتنسيق والتعاون مع العمل التطوعي.
- ولا شك أن عنصر الشباب هو عامل مهم في استنهاض العمل التطوعي المدني وإعطاءهم دور في قيادة هذه المؤسسات بروحية عصرية وفكر جديد وهناك علامات مضيئة جدًا على أعمالهم في لبنان مثلًا: تطوع الشباب لإزالة آثار التفجيرات في طرابلس والضاحية.
- تطوع الشباب في تحسين صورة الشوارع اللبنانية بدهنها وإعادة تأهيل الأبنية.
- تنظيف الشواطئ سنويًا.
- وغيرها الكثير.
اترك تعليق