مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

دور مؤسسات الدولة في دعم العمل التطوعي من النواحي المادية والفنية
السيدة نعمت كنعان (مديرة عام لوزارة الشؤو

دور مؤسسات الدولة في دعم العمل التطوعي من النواحي المادية والفنية السيدة نعمت كنعان (مديرة عام لوزارة الشؤون الاجتماعية سابقًا) في مؤتمر "العمل التطوعي في الجمعيّ

دور مؤسسات الدولة في دعم العمل التطوعي من النواحي المادية والفنية
السيدة نعمت كنعان (مديرة عام لوزارة الشؤون الاجتماعية سابقًا)
 
حضرة رئيسة المجلس النسائي السيدة جمال غبريل.
حضرة رئيسة الرابطة اللبنانية الثقافية الحاجة عفاف الحكيم.
 حضرة رئيسة جمعية التكافل الاجتماعي وجمعية الأمومة والطفولة الحاجة عفاف الحكيم.
رئيسات وعضوات الجمعيات الأهلية.
أيها الحضور الكريم..
اسمحوا لي بداية أن أشكر جمعيات الرابطة اللبنانية الثقافية، التكافل الاجتماعي، والأمومة والطفولة على نشاطها المتعلق بالعمل التطوّعي، وهو الركن الأساس في العمل الاجتماعي وبناء المواطنة، التي نسعى إليها جميعًا ونحلم بتحقيقها... إذا قدرنا!!
والآن سوف أركز في مداخلتي حول "العلاقة بين القطاعين الرسمي والأهلي في العمل التطوعي" على نقاط أراها ضرورية من واقع خبرتي في المجال الاجتماعي.
أولا: تطور مفهوم التطوع مع مرور الزمن.
ثانيًا: الوضع الحالي للتطوع في القطاع الأهلي في لبنان.
ثالثًا: بداية العلاقة بين القطاعين الرسمي والأهلي في العمل التطوعي.
رابعًا: الآفاق المستقبلية للعلاقة التطوعية بين القطاعين المذكورين. 
إنما وقبل أن أبدأ بعرض هذه النقاط ومعالجتها سأتناول باختصار مفهوم العمل التطوعي بشكل مبسط وأيضًا من واقع خبرتي لأقول: إن التطوع هو عمل يؤديه فرد أو مجموعة أو منظمة، بشكل مجاني أي دون مقابل. ويكون هدف هذا العمل خدمة المواطنين دون تمييز بين اللون أو الجنس أو الدين أو المذهب أو العرق، أو أي شكل آخر من أشكال التمييز أو التفرقة بين الناس، وترويج بعض المبادئ الأخلاقية، مثل التعاون والتواصل بين مختلف شرائح المواطنين. وبهذا المعنى يكون هدفه الأساسي تضييق المسافات بين البشر، وما أبعد هذه المسافات في أيامنا الحاضرة، وأخجل أن أقول بيننا وفي أوطاننا.

وأنتقل الآن إلى معالجة النقاط الأربع التي سبق أن ذكرتها.
أولا: تطور مفهوم التطوع مع مرور الزمن.
بدأ التطوع قبل القرن العشرين كفعل إرادة حسنة وكشكل من أشكال البر والإحسان، من قِبل أشخاص ميسورين لمساعدة الأيتام والفقراء والمرضى وكل من هو بحاجة للمساعدة ومدّ يد العون.
ومع الوقت، وصولا إلى القرن العشرين، تطور هذا العمل الفردي ليصبح عمل مجموعات هدفها إظهار التضامن الاجتماعي، ليصبح من ثم هذا العمل، عملًا مؤسساتيًا ضمن جمعيات أهلية أصدر لها الحكم العثماني عام ١٩٠٨ قانونًا لا يزال ساري المفعول حتى يومنا هذا.

ثانيًا: الوضع الحالي للتطوع في القطاع الأهلي في لبنان.
أسمح لنفسي، كما أرجو أن تسمحوا لي، بتناول الوضع الحالي للتطوع في جمعيات ومؤسسات القطاع الأهلي، من زاويتين: الزاوية السلبية والزاوية الايجابية. فمن الزاوية السلبية يمكن القول، أن معظم الجمعيات في لبنان لا تملك المناعة ضد التعصب الطائفي والتقوقع المذهبي. حتى أن بعضها يعكس الوجه الطائفي للقوى السياسية والسلطات النافذة ويتقوى بها، كما تمده هي بهذا الاستقواء وتتلبسه وجها من أقنعتها المختلفة والمتعددة. هذا إلى جانب غياب الشفافية وفقدان التقنيات الملائمة لمراقبة العمليات المالية، يضاف إلى ذلك فقدان التخصصية واللجوء إلى القيام بعمليات ومشاريع متشابهة في مجال الخدمات. ويعود ذلك إلى انعدام التنسيق بين الجمعيات المتنافسة على الطبق الطائفي، والذي لا يحتاج إلى الكثير من الكلام والتفصيل. ومن هذا الباب نرى جمعيات تنشأ لأهداف سياسية أو مادية أو انتخابية، أو أي هدف شخصي آخر، بحيث تزول وتغيب بغياب هذا الهدف أو تحقيقه.
وأخيرًا لا آخرًا فمن تعداد الوجوه السلبية ايضًا عدم الايمان بتداول السلطة في معظم الجمعيات الأهلية مما يفقدها المصداقية لدى المجتمع والدولة على حد سواء (هذا إذا كانت الدولة مقتنعة هي الأخرى بتداول السلطة؟؟)

ومن زاوية النواحي الإيجابية
وربما كان من الأفضل تعداد هذه النواحي أولًا قبل تلك السلبيات، كي لا يلحق النشاط التطوعي، الكثير من الظلم. وهنا أقول إن الجمعيات الأهلية لعبت بأغلبها دورًا هامًا في إغاثة ومساعدة العديد الأكبر من المحتاجين، وعلى الأخص في زمن الحروب والاحتياجات المتكررة لبلدنا، وما أصاب هذا العديد من المآسي أيام الحرب الأهلية. وقد حلت هذه الجمعيات والهيئات الأهلية، في مراحل عديدة محل الدولة وأجهزتها الرسمية. وقد كانت الدولة غائبة أحيانًا كثيرة، ولا تزال إلى حد ما، في ظل الظروف الأمنية السائدة في بعض المناطق، كما تعلمون.
لعبت بعض الجمعيات والمنظمات الاهلية دورًا مؤثرًا في المجتمع من حيث تأمين شبكة علاقات بين المتطوعين والمتبرعين وأصحاب الحاجة في المجتمعات المحلية، ولا تزال تلعب هذا الدور، ويسعى البعض منها إلى تطويره وعصرنته على قدر ما يتاح لها ذلك.
تساعد بعض الجمعيات الأهلية في إرساء علاقات ديمقراطية تتوافق مع مبدأ دعم مفهوم المواطنة.
للجمعيات الأهلية القدرة على تجميع التبرعات من المجتمع المدني والمنظمات الدولية لمشاريع تعتبر برامجها أهدافًا مقنعة للمتبرعين. 

ثالثًا: بداية العلاقة بين القطاعين الرسمي والأهلي في العمل التطوعي.
بدأت هذه العلاقة عام ١٩٥٩عندما أنشئت مصلحة الانعاش الاجتماعي مطلع العهد الشهابي، مع ما أنشئ يومها من تنظيمات ومؤسسات، منها ما زال قائما حتى اليوم، ومنها ما تزال آثارها كأنها نوستالجيا زمن يستحق الذكر. ومع هذه المصلحة بدأت وظيفتي الاجتماعية التي قاربت التطوع حبًا وانغماسًا. ومصلحة الإنعاش هذه وضعت خطة لدعم القطاع الأهلي التطوعي على ثلاثة أوجه. وقد تبنت وزارة الشؤون الاجتماعية هذه الخطة وطورتها بعد ان أدمجت فيها مصلحة الإنعاش الاجتماعي واندمجت أنا مع هذه الوزارة مديرًا عامًا ونقلت معي ما بدأناه في مصلحة الإنعاش لتصبح الخطة على النحو التالي:

الشكل الأول: 
إجراء عقود نموذجية مع مؤسسات الرعاية الاجتماعية، تؤمن لها الدعم المادي والتقني وقد وصل عدد هذه العقود عام ٢٠١٤ إلى ٢٠٣ عقود مع مؤسسات ترعى ٣٩٠٥٧ مسعفًا من فئات الأيتام واصحاب الحالات الاجتماعية الصعبة والاطفال الرضع والمسنين. وتدفع الوزارة بواسطة هذه العقود ٥.٨٣ مليار ليرة لبنانية في السنة.
هذا إلى جانب ٩٤ مؤسسة ترعى ٨٣٤٠ مسعفًا من ذوي الاحتياجات الخاصة تدفع الوزارة مساهمة منها حوالي ٥.٦٥ مليار ليرة في السنة.

الشكل الثاني:
ويتمثل بالشراكة مع ٢٥٨ جمعية أهلية وقعت مع الوزارة ٢٧٢ عقدًا لتنفيذ مشاريع مشتركة تديرها لجان مشتركة بين الوزارة وهذه الجمعيات. وتساهم الوزارة بمبلغ ١٢ مليار ليرة لبنانية وهو المبلغ الذي يساوي ثلثي كلفة هذه المشاريع، وتساهم الجمعيات بالثلث الباقي.

الشكل الثالث: 
ويتمثل في إقامة مخيمات العمل التطوعي، وهي مخيمات تقيمها الوزارة سنويًا في مختلف المحافظات اللبنانية، (ست مخيمات على الأقل تنفذ من خلالها مشاريع إنمائية، بالتعاون والتنسيق مع السلطات المحلية والجمعيات الأهلية) وبالتعاون مع شباب من الجنسين لبنانيين وأجانب.

أما أهداف هذه المخيمات فهي: 
1. جمع الشباب اللبناني ضمن إطارٍ وطني جامعٍ وموحد.
2. تبادل التواصل والخبرات بين اللبنانيين والأجانب من الشباب من مختلف المناطق والبلدان.
3. تنفيذ مشاريع إنمائية تساعد السلطات المحلية في تطوير معيشة مواطنيها.
وقد نجحت هذه المخيمات نجاحًا لافتًا عند إقامتها مع مصلحة الانعاش الاجتماعي، ثم تعثرت مع الأسف أثناء الحرب الأهلية. واليوم؟؟ لم أعد في الجو إنما أتمنى أن يستمر هذا النشاط لما فيه من مصلحة إنمائية وشبابية في آن واحد.

الشكل الرابع:
الآفاق المستقبلية للعلاقة التطوعية بين القطاعين الرسمي والأهلي، أسست الدولة، من خلال وزارة الشؤون الاجتماعية، لجنة وطنية للتطوع يرأسها وزير الشؤون الاجتماعية. وقد سعيت جهدي أثناء وجودي في الوزارة لأن تضم هذه اللجنة معظم الوزارات والمؤسسات الرسمية المعنية بالعمل التنموي، وكذلك قطاع المنظمات الأهلية والمنظمة الدولية للتطوع، مع ممثلين عن الجامعات الأساسية في لبنان والمنظمات التطوعية الدولية الأخرى.

أما الدور المحدد لهذه اللجنة فهو: 
- ضمان الاستمرارية للعمل التطوعي المشترك بين القطاعين الرسمي والأهلي وفق الأسس التالية.
- وضع وصف متطور للمتطوع.
- وضع أسس للعمل التطوعي.
- تنظيم الدعم المادي والتقني للجمعيات الأهلية من قبل القطاع الرسمي والقطاعين الخاص والدولي.
- وضع برنامج لتدريب المتطوعين من أجل الوصول إلى درجة التخصص والأداء التطوعي السليم.
- تأمين الشراكة الحقيقية بين القطاعين الرسمي والأهلي بدءًا من التخطيط إلى التنفيذ والمراقبة والتقييم لجميع مراحل المشروع المشترك.
وبمؤازرة هذه اللجنة الوطنية للتطوع، قامت وزارة الشؤون الاجتماعية يومها من خلال مشروع بناء القدرات للحد من الفقر - وهو مشروع مشترك مع المكتب الإنمائي لمنظمة الأمم المتحدةUNDP، قامت بإنشاء وحدة دعم المنظمات غير الحكومية. وأصدرت هذه الوحدة كتابا بعنوان: "الادارة الداخلية للجمعيات الأهلية في لبنان". وهدف هذا الكتاب تمكين الجمعيات من الإدارة الذاتية وقد تضمن قسمين:
القسم الأول: بحث في الجوانب القانونية والتنظيمية والمالية للجمعيات الأهلية متضمنًا الفصول التالية:
1. الاطار القانوني لعمل الجمعيات الأهلية في لبنان.
2. التنظيم الداخلي لهذه الجمعيات.
3. التخطيط الاستراتيجي.
4. المبادئ المهنية في عمل الجمعيات الأهلية.
5. تعميم المحاسبة المالية للجمعيات الأهلية.

القسم الثاني: أطر التكامل والموارد البشرية والمادية والتشبيك بين الجمعيات. وتتلخص هذه الأطر بما يلي:
1. التواصل والتنسيق والتشبيك بين الجمعيات الأهلية.
2. تحريك الموارد البشرية والمادية لدى هذه الجمعيات.
وبعد صدور هذا الكتاب المرجعي، تولى مركز التدريب الاجتماعي، الذي استضاف وحدة دعم المنظمات غير الحكومية، مساعدة كل جمعية ترغب بتطوير إدارتها الداخلية وفق مضمون الكتاب المذكور، من خلال الاستشارات الفنية والدورات التدريبية المناسبة (لا أدري اليوم أين أصبح هذا المركز).
أختم هنا لأقول:
ليس المهم ان نتطوع، إنما الأهم أن يؤتي هذا التطوع ثماره ويحقق أغراضه بشكل تقني مستمر ومنظم، وألا تكون أهدافُه البعيدة ومقاصده الحقيقية وظيفة في الدولة أو ما شابه، وذلك على ما نراه ونسمع به اليوم فيفقد التطوع معناه وهويته.










التعليقات (0)

اترك تعليق