أم علي بن زيد بن علي العلوي بنت القاسم بن عقيل العقيلية
أم علي بن زيد بن علي العلوي بنت القاسم بن عقيل العقيلية
عرف الزيدية في تاريخهم، بأمور منها: أنهم كانوا من حملة السلاح الثائر، ومن المؤمنين بأن (السيف أصدق أنباء من الكتب)، وأنه لا يفل (حديد) الأصفاد إلا (حديد) السيف. ولهذا فقد احتلوا صدارة كتب التاريخ بمواجهتهم للحكومات المتسلطة، وشجاعتهم المتميزة.
كما عرفوا أيضا بأنهم لم يكونوا -في الغالب- على وفاق تام مع خط أئمة أهل البيت عليهم السلام لو استثنينا بعض الفترات القليلة كفترة الشهيد زيد بن علي(1) عليه السلام الذي كان محلا لتقدير أهل البيت وثنائهم، وكانت ثورته موضع تأييد من قبل الأئمة ولا سيما الصادق عليه السلام(2).
غير أننا في الفترات المتأخرة نلتقي بنموذج قد جمع بين الأمرين، وهو علي بن زيد بن الحسين بن عيسى بن زيد.. فهو من جهة يعد من الثائرين على الحكم العباسي ومن أخرى هو من الملتزمين بنهج أهل البيت والمعتقدين بإمامتهم عليهم السلام.
ونحن لا نتوقع أن يكون مثل هذا التوجه بعيدا عن تربية الوالدين، للشخص حتى ينشأ هذه النشأة.. ولا شك أنه كان لوالدته وهي أيضا هاشمية من أحفاد عقيل بن أبي طالب فهي بنت القاسم بن عقيل بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب، قد كان لها دور كبير في تربية الولد لكي ينشأ هذه النشأة.
وهذه من النقاط التي ينبغي أن تلاحظ في دراسة الشخصيات، فإن الغالب هو أن يُنظر إلى هذه الشخصيات بما هي، ومجردة عن العوامل المؤثرة في هذه الشخصية، من أثر الوالدين، والتربية التي تلقاها الشخص، والبيئة التي عاش فيها، مع أن هذه كلها عوامل مباشرة في التأثير على حياته.
ومع هذا نجد أن دور هؤلاء لا سيما الأمهات غالبا ما يكون مغفولا عنه وغير مذكور، وإذا ذكر التاريخ شيئا منه فإنما يذكره بنحو عابر..
على أي حال: فإن هذا الثائر العلوي، كان قد صحب الإمام الحسن بن علي العسكري عليه السلام واستفاد من علومه، ورأى من الدلالات على إمامته ما جعله يزداد اعتقادا به. فقد حدث يقول: صحبت أبا محمد عليه السلام من دار العامة إلى منزله، فلما صار إلى الدار، وأردت الانصراف، قال: "أمهل" فدخل ثم أذن لي فدخلت، فأعطاني مائة دينار، وقال: "صيرها في ثمن جارية، فإن جاريتك فلانة قد ماتت". وكنت خرجت من المنزل وعهدي بها أنشط ما كانت، فمضيت فإذا الغلام قال: ماتت جاريتك فلانة الساعة. قلت: ما حالها؟ قال: شربت ماء فشرقت، فماتت(3).
وكان يقول: قال: كان لي فرس، وكنت به معجبا أكثر ذكره في المجالس، فدخلت على أبى محمد عليه السلام يوما فقال: " ما فعل فرسك؟ إلى أن ذكر أنه مات، قال: ثم دخلت على أبي محمد عليه السلام، وأقول في نفسي ليته أخلف علي دابة، فقال قبل أن أتحدث بشيء: "نعم، نخلف عليك، يا غلام أعطه برذوني الكميت -ثم قال- هذا خير من فرسك، وأطول عمرا وأوطأ"(4).
وفي أيام الإمام العسكري عليه السلام أعلن علي بن زيد ثورته على الحاكم العباسي المهتدي، وكان في الكوفة، فخرج معه عدد من أهلها ممن ناصره..
قال أبو الفرج الاصفهاني في كتابه مقاتل الطالبيين: حدثني علي بن سليمان الكوفي، قال: قال لي أبي: كنا مع علي ابن زيد ونحن زهاء مائتي فارس نازلين ناحية من سواد الكوفة، وقد بلغنا خبر الشاه بن الميكال ونحن معه، فقال لنا علي بن زيد: إن القوم لا يريدون غيري، فاذهبوا أنتم في حل من بيعتي، فقلنا: لا والله لا نفعل هذا أبدا، فأقمنا معه.
ووافانا الشاه في جيش عظيم لا يطاق، فدخلنا من رعبه أمر عظيم، فلما رأى ما لحقنا من الجزع قال لنا: اثبتوا وانظروا ما أصنع، فثبتنا وانتضى سيفه، ثم قنع فرسه وحمل في وسطهم يضربهم يمينا وشمالا، فأفرجوا له حتى صار خلفهم وعلا على تلعة فلوّح إلينا، ثم حمل من خلفهم، فأفرجوا له حتى عاد إلى موقعه. ثم قال لنا: ما تجزعون من مثل هؤلاء، ثم حمل ثانية ففعل مثل ذلك وعاد إلينا، وحمل الثالثة وحملنا معه فهزمناهم أقبح هزيمة، فكانت هذه قصته، إلا أن أهل الكوفة لم يخفوا معه لما لحقهم في أيام يحيى بن عمر من القتل والأسر.
وفي تأريخ ابن الأثير في حوادث سنة ٢٥٦ ه: في هذه السنة ظهر علي بن زيد العلوي بالكوفة، واستولى عليها، وأزال عنها نائب الخليفة، واستقر بها، فسير إليه الشاه بن ميكال في جيش كثيف، فالتقوا واقتتلوا فانهزم الشاه، وقتل جماعة كثيرة من أصحابه ونجا الشاه. ثم وجه المعتمد إلى محاربته كيجور التركي، وأمره أن يدعوه إلى الطاعة ويبذل له الأمان، فسار كيجور فنزل بشاهي، وأرسل إلى علي بن زيد يدعوه إلى الطاعة وبذل له الأمان، فطلب علي أمورا لم يجبه إليها كيجور، فتنحى علي بن زيد عن الكوفة إلى القادسية، فعسكر بها، ودخل كيجور إلى الكوفة ثالث شوال من السنة. ومضى علي بن زيد إلى خفان، ودخل بلاد بني أسد، وكان قد صاهرهم، وأقام هناك ثم سار إلى جنبلاء، وبلغ كيجور خبره، فأسرى إليه من الكوفة سلخ ذي الحجة من السنة، فواقعه فانهزم علي بن زيد وطلبه كيجور ففاته، وقتل نفرا من أصحابه وأسر آخرين(5).
رحم الله عليا، ورحم الله أمّاً ووالدة علمته كيف يأبى الضيم، وينتصر للحق..
الهوامش:
1- زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، فقيه من فقهاء أهل البيت، وثائر ضد الحكم الأموي، نهض في الكوفة آمرا بالمعروف وناهيا عن المنكر، فواجهه الأمويون وأنصارهم، في معركة شرسة انتهت بشهادته، وكان مقتله يوم الاثنين الثاني من صفر سنة ١٢٠ هـ وكان عمره يومئذ اثنتين وأربعين سنة..
2- كما في صحيحة عيص بن القاسم، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: عليكم بتقوى الله وحده لا شريك له.. فانظروا على أي شيء تخرجون ولا تقولوا خرج زيد، إن زيدا كان عالما وكان صدوقا ولم يدعكم إلى نفسه، إنما دعاكم إلى الرضا من آل محمد عليهم السلام، ولو ظهر لوفى بما دعاكم إليه، إنما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه..
وعبد الرحمان بن سيابة، قال: دفع إلي أبو عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليهما السلام ألف دينار وأمرني أن أقسمها في عيال من أصيب مع زيد بن علي عليه السلام، فقسمتها فأصاب عبد الله بن الزبير أخا الفضيل الرسان أربعة دنانير.. يعني عياله.
وما عن إسماعيل بن محمد (السيد الحميري) قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام بعد ما قتل زيد بن علي، قال عليه السلام: رحمه الله أما إنه كان مؤمنا وكان عارفا وكان عالما وكان صدوقا، أما إنه لو ظفر لوفى، أما انه لو ملك لعرف كيف يضعها..
وقد قال السيد الخوئي في المعجم/ ٨: وإن استفاضة الروايات أغنتنا عن النظر في إسنادها..
3- الثاقب في المناقب- ابن حمزة الطوسي ص ٢١٦.
4- مستدرك الوسائل - الميرزا النوري ج ٨ ص ٢٥٦.
5- الإمام الحسن العسكري للشاكري ٤٤١.
المصدر: كتاب نساء حول أهل البيت(ع)، فوزي آل سيف، ج2..
اترك تعليق