مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

أم أحمد النيسابورية.. زوجة سليمان بن الحسن الزراري

أم أحمد النيسابورية.. زوجة سليمان بن الحسن الزراري

أم أحمد النيسابورية.. زوجة سليمان بن الحسن الزراري

كنا قد تحدثنا عن أم الأسود الشيبانية(1)، التي كانت مفتاح البركة على أسرتها، فاستبصرت وأبصرت بعدها عائلة كاملة، كان منها رواد الفقه والتفسير والمناظرون في العقائد.. وهم الذين عرفوا فيما بعد بآل زرارة وحمران وفيهم قال ابن عقدة: كل واحد منهم يصلح أن يكون مفتي بلد.
وما بين تلك البداية وهذا الختام في عصر الإمام العسكري عليه السلام وابنه الحجة عجل الله فرجه الشريف، حيث أنجبت (أم أحمد) لزوجها سليمان بن الحسن، هذا العدد من الرواة والفقهاء، والذين كانت ترد توقيعات الأئمة عليهم، تتوسط مسيرة عظيمة(2) من الولاء والتفقه على مبادئ أهل البيت عليهم السلام.
وهنا يستطيع المرء أن يتساءل بحق: هل أن الأمهات لسن سوى أوعية؟ وهل أنه لا تأثير لهن؟ إن الوعاء ليأخذ من السائل الذي يوضع فيه، بينما قانون الوراثة يقضي بأن المرأة تعطي لولدها من خَلقها وأخلاقها نصف المؤثرات! فكيف تكون (مجرد وعاء)؟
بل يمكن أن يتساءل القارئ: هل يعطي الله سبحانه لهذه المرأة هذا العدد من الأولاد الطيبين والعلماء المتفقهين، ومن ترد عليهم توقيعات الأئمة.. اعتباطا من دون مبرر؟ إن السؤال ليترقى إلى أكثر من هذا ليصل إلى حياة الرسل والأوصياء.. هل هي مصادفة أن يعطي الله نبيه محمدا الولد من خديجة؟ مع وجود غيرها؟ وهل يكون أمرا غير محسوب عندما يرزق الله الإمام وصيا من زوجة (أو أم ولد) دون باقي النساء؟
لا أعتقد ذلك، وإنما النتاج الطيب دليل الأصل الحسن على القاعدة، (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)(3).
على أي حال:
سليمان بن الحسن بن الجهم بن بكير بن أعين، وهو من أصحاب الإمام الهادي والإمام الحسن العسكري الذي لقبه بـ (الزراري) نسبة إلى زرارة أخ بكير بن أعين، سترا عليه وتورية، وكانت تصله مكاتبات وأجوبة أسئلة من الإمام بهذا الاسم.. هذا الرجل كان في الكوفة أول أمره ثم انتقل إلى خراسان، وتزوج من منطقة نيشابور بامرأة صالحة من وجوه أهلها وأرباب النعم فيها.
كان نتيجة ذلك الزواج عشرة: ستة من الذكور، وأربع إناث، وليس العدد هنا مهما إذ ما أكثر من يكون لديهم العدد الكبير من الأولاد، ولكن الكلام هو في أي شيء هم أولئك الأولاد.
توفي سليمان بن الحسن بعد سنة (٢٥٠) هـ، لكي يستلم أبناؤه الباقون أمور والدهم ومنها كونه دائم الاتصال بالإمام العسكري عليه السلام، أما أحمد الابن الأكبر فقد توفي في حياة أبيه. وأما محمد (المعروف بأبي طاهر) فقد كان يكاتب صاحب العصر والزمان إلى أن وقعت الغيبة، وهو ثقة عين وقد نقلت قصة عن وصية الإمام صاحب العصر لبعض المؤمنين أن يذهب إليه ويطلب منه مالا معينا كمساعدة له، فلباها أبو طاهر محمد بن سليمان، مما يشير إلى نمط العلاقة بينه وبين إمامه عليه السلام. وقد توفي سنة ٣٠٠ هـ. وله كتاب المواعظ والآداب، وكتاب الدعاء.
وعلي بن سليمان الذي ذكره النجاشي فقال: أبو الحسن كان له اتصال بصاحب الأمر وخرجت إليه التوقيعات، وكان ورعا ثقة فقيها، لا يُطعن عليه بشيء. له كتاب النوادر.
إن مما يؤسف له أن لا يذكر التاريخ ولا الروايات، شيئا كثيرا عن تلك الأم المربية والمنجبة، وذلك لأن التاريخ إنما يريد كتابة النتائج والحوادث، وليس له - عادة - تعلقٌ بالمقدمات والاعدادات، لكننا نستطيع بكل ثقة أن نستدل على حسن المقدمات وجودتها من خلال النتاج الطيب والثمر الحسن.. وهو ما وجدناه في أبناء هذه المرأة الصالحة..



الهوامش:
1- راجع النساء حول الإمام الباقر عليه السلام.
2- في الفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم ج ١ ص ٢٥٥: تحدث عنهم، وذكر بكير وبين أنه فطحي لكنه ثقة، ثم قال: والممدوح بالتوثيق الصريح معه من آل أعين: زرارة وأبناؤه وعبيد، وعبد الله، ورومي، وضريس بن عبد الملك، والحسن بن الجهم ومحمد بن سليمان بن الحسن، وأخوه أبو الحسن علي بن سليمان، وابن ابنه أبو غالب احمد بن محمد، فهؤلاء عشرة من آل أعين، منصوص على توثيقهم. ولهم -عدا ضريس- ولحمزة بن حمران وأخيه محمد وعبد الرحمن بن أعين ومحمد بن عبيد الله بن أحمد- كتب مصنفة ذكرها الأصحاب. وقد جاء في مدح حمران بن أعين وجلالته وعظم محله، أخبار كادت تبلغ التواتر وفيما تقدم من كلام أبي غالب -رضي الله عنه- ما يقرب توثيقه، بل يقضي به، وفيه مدح (آل أعين) عموما وخصوصا. وفى الصحيح عن الصادق عليه السلام: أنه قال في بكير - بعد موته " والله لقد أنزله الله بين رسوله (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبين أمير المؤمنين عليه السلام " وهذه منزلة عظيمة لا شيء فوقها. ومن الممدوحين -بالخصوص-: عبد الملك، وعبد الرحمن -ابنا أعين- والحسن والحسين -ابنا زرارة- ومحمد بن عبد الله بن زرارة. وتوثيقه قريب. وفي المعتبر - عن ثعلبة بن ميمون عن بعض رجاله - قال قال ربيعة الرأي لأبي عبد الله عليه السلام: ما هؤلاء الأخوة الذين يأتونك من العراق ولم أر في أصحابك خيرا منهم ولا أبهى ولا أهيأ؟ قال "أولئك أصحاب أبي". - يعني: ولد أعين. 
3- سورة الأعراف: ٥٨.





المصدر: كتاب نساء حول أهل البيت(ع)، فوزي آل سيف، ج2..

التعليقات (0)

اترك تعليق