مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

السيدة بتول وحديثها مع أم جعفر بعد وفاة السيّد حيدر (رحمه الله)

السيدة بتول وحديثها مع أم جعفر بعد وفاة السيّد حيدر (رحمه الله)

السيدة بتول وحديثها مع أم جعفر بعد وفاة السيّد حيدر (رحمه الله)

لقد ذكر السيّد الصدررحمه الله أنّ العائلة لم يكن لديها قوت العشاء ليلة توفّي والده السيّد حيدررحمه الله[1]. ولم يكنرحمه الله يتذكّر الكثير عن والده، بل إنّه قال: "ليس في ذاكرتي شيءٌ عنه إلاّ صورة غير واضحة، وأنا بحكم من لم يرَ أباه"[2]، وقد أدّى فقده حنان الأب إلى تبلور هذا الشعور لديه، فقوي لديه إعطاء الحنان[3].
وبعد وفاة السيّد حيدر الصدررحمه الله، تكفّلت بتربيته والدته الحاجّة بتول وأخوه السيّد إسماعيل الصدررحمهما الله. وكان إلى جانب العائلة شخصٌ يقوم بمساعدتها في حياة السيّد حيدر الصدررحمه الله، واسمه عبد الحسن [البلداوي][4]، وقد بقي هذا الحاج وفيّاً للعائلة، وكان يهتمّ بالسيّد الصدررحمه الله ويرعى أموره ويساعد العائلة دون مقابل، [وقد ترك الحاج عبد الحسن عمله التجاري وتفرّغ لرعاية السيّد معتمداً على الاستئجار في قضاء العبادات][5].
وكان السيّد الصدر يذكر الحاج عبد الحسن بالخير ويقوم ببعض الأعمال نيابةً عنه، وكان كلّما دخل حرم الإمام عليعليه السلام سلّم على الإمامعليه السلام نيابةً عنه[6].
وحول هذا الوضع تحدّثت الحاجّة بتول للسيّدة أم جعفر الصدر، حيث قالت: "إنّ السيّد الشهيد عاش يتيماً، قد رحل عنه والده (السيّد حيدررحمه الله وللشهيد ثلاث سنوات. وكان رجلاً حنوناً، وزوجاً محبّاً، وأباً رؤوفاً، كان من العلماء الأفذاذ، ومن المجتهدين البارعين. إنّه كان لي خير معين على محنتي التي لازمتني بفقد الولد والأحباب، صابراً ومشجّعاً، ذاكراً ومذكّراً، ثمّ تتأوّه بتفجّع لتقول: (آه.. كم أفتقده، وأشعر بالغربة من بعده.. إنّي لأنعُم وأسعَد بشذى تلك الذكريات.
إنّ السيّد حيدر زوجي عالم معروف في أوساط العلماء والفقهاء، وقد كان من مراجع التقليد وأئمّة الفتيا، ولـه ذكرٌ جميلٌ في بعض الكتب والمجلاّت... إنّ ليلة وفاته [أحدثت] شرخاً في قلبي وزلزالاً في وجودي، لم أجد بعده قراراً، فقد اجتمعت عليّ بعده عساكر الهمّ وتكاثرت. لقد كنت في السابعة والثلاثين من عمري، وترك لي طفلة رضيعةً -هي بنت الهدى- مع فتىً في الثالثة، مع أخٍ لهما في بدايات شبابه -هو السيّد إسماعيل- ولكن قبل ذلك، ترك فلذات لكبدي وكبده توزّعت رموسهم بين قبور الموتى.
توفّي في مدينة الكاظميّة، في ليلة مدلهمّة من ليالي البؤس والفقر الذي كنّا نصالِيه في تستّر مطبق.. مع أنّه كان مرجعاً للتقليد من كبار المراجع، غير أنّ العفّة والنزاهة لم تسمحا لـه بالاستفادة من موقعه لأخذ أكثر ممّا كان يراه فوق حقّه، حتّى لقد بتنا في الليلة التي أعقبت وفاته بدون طعام عشاء للأطفال، إذ أنّه كان يتصرّف في أيّ مبلغ حقّ شرعي يصله في نفس يومه، بعد أن يأخذ منه لنفسه ما يتبلّغ به وعائلته.. ويبقى اليوم الآخر رهناً بما قد يصله. وهكذا قضينا ليلتنا تلك، يقضّ الحزن مضجعنا، وينهش الجوع مطاوينا، لخلوِّ الدار ممّا قد نقتات به. وبقي الحال على هذا العسر والضيق شهراً كاملاً بعد وفاته، إلى أن تطوّع المرحوم الشيخ عبد الحسن البلداوي، الذي كان من أعوان وأيادي المرحوم السيّد حيدر، فبذل وقته وجهده لرعاية العائلة؛ فاحتوى فتاها الكبير السيّد إسماعيل، وتعهّد الطفلين: محمّد باقر وأخته الرضيعة آمنة. ولذلك تعلّقا به، وكانا يعتبرانه عمّاً للأسرة، ولم يعرفا ظلاًّ لرجلٍ حانٍ بعد أبيهما غيره. هذا بالطبع مع متابعة الأخوال والأهل والإخوان، إلاّ أنّ الشيخ عبدالحسن كرّس نفسه لتلك المهمّة الخيِّرة"[7].


________________________________________
[1] مقابلة (1) مع الشيخ محمّد رضا النعماني (أرشيف المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر).
[2]شهيد الأمّة وشاهدها 1: 49. ويذكر الشيخ النعماني (في المقابلة المتقدّمة) أنّه كان راغباً في توجيه بعض الأسئلة إلى والدة السيّد الصدر (رحمه الله) حول هذه المرحلة من حياتهم، إلاّ أنّ أحداث الحجز وبرقيّة السيّد الخميني (رحمه الله) قد حالت دون ذلك.
[3]مقابلة (2) مع الشيخ علي كوراني (أرشيف المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر).
[4]ما بين [] من: وجع الصدر.. ومن وراء الصدر أم جعفر: 100.
[5]ترجمة السيّد الصدر، الشيخ محمّد رضا النعماني (أرشيف المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر).
[6] مقابلة (1) مع السيّد محمّد باقر الحكيم (أرشيف المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر).
[7]وجع الصدر.. ومن وراء الصدر أم جعفر: 129 ـ 131.


المصدر: محمد باقر الصدر.. السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق، أحمد عبد الله أبو زيد العاملي، ج: 1.

التعليقات (0)

اترك تعليق