مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة رئيسة جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية الحاجة عفاف الحكيم

كلمة رئيسة جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية الحاجة عفاف الحكيم في مؤتمر "مجتمعاتنا وضرورة التأصيل الأخلاقي"

كلمة رئيسة جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية الحاجة عفاف الحكيم

المناسبة: مؤتمر "مجتمعاتنا وضرورة التأصيل الأخلاقي".

المكان: مبنى الجمعيات، قاعة السيدة الزهراء عليها السلام.

الزمان: 28 آذار 2019 الموافق لـ 21 رجب 1440هـ.

 

بسم الله الرحمن الرحيم


والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين. 
بداية أرحب براعي مؤتمرنا رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين حفظه الله. وبسائر العلماء الأفاضل والأساتذة المحترمين المشاركين في فعاليات هذا المؤتمر، وبكافة من شرّفنا بالحضور من سائر المناطق والمؤسسات الثقافية والإعلامية والتربوية والمعاهد النسائية.. أهلاً وسهلاً بكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. 
التأصيل الأخلاقي. هو الموضوع الذي اخترنا هذا العام أن نطرحه في محاور مؤتمرنا لكونه يمثل مطلباً أساسياً هاماً. 
فالأسر في مجتمعاتنا باتت بحاجة ملحّة لاستعادة دورها في تربية أبنائها ومراقبة تصرفاتهم بلطف لتدارك أخطائهم وتوجيههم في إطار من النصح والإرشاد وذلك من أجل حمايتهم وغرس الأخلاق الحميدة المستمدة من إيماننا وثقافتنا وتقاليدنا المجتمعية المنضبطة في نفوسهم، إذ لم يعد يخفى على أحد التراجع المعنوي والأخلاقي الذي ضرب مجتمعاتنا خلال السنوات الأخيرة على أكثر من صعيد.

وأنه من هنا كان التأكيد على ضرورة تأصيل القيم الأخلاقية لكونها مسؤولية الأسرة وبالتالي مسؤولية الوالدين والأم تحديداً باعتبار أن الأم صاحبة الدور الأساسي على مستوى الواقع الفعلي. في المنزل. إنها عماد التربية الأخلاقية للأسرة.. 
وبديهي أنّ ما نعنيه بالتأصيل الإسلامي للعلوم التربوية والأخلاقية هو عودة المسلمين إلى المنابع الأصيلة في تلك العلوم، عودتهم إلى القواعد التي تربطهم ارتباطاً دقيقاً بالعقيدة والشريعة الإسلامية بالقرآن الكريم والسنّة المطهرة للرسول الأكرم والأئمة الأطهار(ع). 
وأنّ من يسعى لأن يسبر غور الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ويستقرئها، يجد ذخيرة وفيرة من القيم التربوية والأخلاقية التي تنظّم علاقة الإنسان بربه من جهة ومع بقية أفراد المجتمع من جهة ثانية. 
ويجد إلى هذا أنّ الإسلام قرآناً وسنّة.. قدم للإنسانية نظاماً أخلاقياً عملياً شاملاً.. 
وإن التربية التي يدعو إليها هي تربية خلقية تسعى إلى بناء الإنسان بناء سليماً وتجعله يعود إلى ذات نفسه وإلى القيم التي يلتزم بها في جميع أنماط سلوكه مثل: الصدق. والأمانة. والعدل والرحمة والحلم وغير ذلك من أمهات الفضائل الإسلامية المرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحقيقة الإيمان. فيكون بهذا قد ربط ربطاً محكماً بين العقيدة والعبادات والأخلاق.. وذلك أن العقيدة الصحيحة لا بد أن تعبر عن نفسها بالعبادة الخاشعة الصادقة. وهذا ما يؤدي إلى ممارسة عملية للفضائل الأخلاقية. وأيضاً هذا ما يمكن أن نستشفه من قوله تبارك وتعالى في سورة الصف:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾./3 
فالإيمان إذن هو أساس الأخلاق الفاضلة. وهو المعين الذي تنهل منه الأخلاق الإسلامية.. وبما أن الشريعة الإسلامية تمتاز عن غيرها من الشرائع الأخرى بشمولها وعمومها وخاتميتها فقد حوت كل ما جاءت به الشرائع الأخرى السابقة لها من تعاليم دينية وقيم أخلاقية وأحكام شرعية..
وعليه قيل أن الأخلاق الإسلامية ليست جزءاً من الدين، بل هي جوهره وروحه كما ورد، وهذا المعنى قد يكون هو المقصود بالحديث المروي عن الرسول(ص): "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق". وذلك أن الشريعة بكل تفاصيلها الغرض منها هو سموّ الإنسان ورقيه ووصوله إلى درجة العبودية التي تحقق له سعادة الدارين باعتبار أن كل الشرائع السماوية كان الهدف من ورائها هو تكامل الإنسان ورقيه على جميع المستويات المادية والمعنوية والروحية والجسدية كي يصل إلى مستوى الخلافة لله في أرضه ويعمرها بالفضائل والقيم.. 
وأنه من هنا تتجلى الأهمية التي تحظى بها الأسرة وتحظى بها الأم تحديداً، ومن هنا أيضاً ندرك أبعاد السعي المبكر من أجل تربية وتقويم الأبناء بالصفات التي تحلّى بها رسول الله(ص) وغرسها في أهل بيته ودعا بها الناس فالأئمة من أهل البيت(ع) قدموا سعياً وجهداً عظيماً في التركيز على مكارم الأخلاق.. ولذلك إذا رجعنا إلى هذا التراث الزاخر واللامحدود نجد الكم الهائل من الروايات والأحاديث والأدعية والحكم التي تبني شخصية الإنسان على مكارم الأخلاق. كما في دعاء إمامنا الإمام زين العابدين(ع) في دعاء مكارم الأخلاق يدعو الله تبارك وتعالى ويقول: "اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ، وَسَدِّدْنِي لاِنْ أعَـارِضَ مَنْ غَشَّنِي بِالنُّصْـحِ، وَأَجْـزِيَ مَنْ هَجَرَنِي بِالْبِرِّ وَأُثِيبَ مَنْ حَرَمَنِي بِالْبَذْلِ وَأُكَافِيَ مَنْ قَطَعَنِي بِالصِّلَةِ وأُخَـالِفَ مَنِ اغْتَابَنِي إلَى حُسْنِ الذِّكْرِ، وَأَنْ أشْكرَ الْحَسَنَةَ وَاُغْضِيَ عَنِ السَّيِّئَـةِ.." 
ويبقى ما لا بد من الالتفات إليه، هو أن هناك فرق بين الأم أو الأسرة الملتزمة إسلامياً ودينياً وغيرها. وذلك أن النموذج الملتزم حقاً وهو الذي يهيئ الأجواء الملائمة لإنتاج الجيل الملتزم وذلك عبر: بث أجواء الإيمان والعقيدة داخل الأسرة، وبالتالي تغذية الأبناء باكراً بالأخلاق الكريمة والآداب الاجتماعية والحياتية اليومية من مثل: 
أدب التعامل مع الوالدين وأدب صلة الأرحام. وأدب معاشرة الناس. وقضاء حوائجهم وغير ذلك.. 
فالأسرة مكلّفة بعملية الإعداد والتنشئة وبتغذية الطفل بالأخلاق الفاضلة وتربيته وتهيئته جسماً ونفساً وخلقاً للقيام بوظائفه المختلفة.. مكلّفة بتوفير الرعاية الحميمة والمناخ السليم وكل ما يتناسب والتفعيل المستمر لعملية التأصيل الأخلاقي.. وذلك أنّ التربية الصالحة كما هو معلوم هي من أكبر واجبات الأبوين التي فرضها الشرع.. وما مؤتمرنا اليوم إلا مساهمة متواضعة في هذا السبيل.. سائلين المولى عز وجل أن يوفّق الجميع للتصدي لسائر الثغرات التي تستهدف النيل من أسرنا ومجتمعاتنا..
أجدد شكري لكم..


والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


 

التعليقات (0)

اترك تعليق