مُمَهِدَاتْ... وحقيق أن تبادر المرأة المثقّفة الملتزمة الواعية فتمهد الطريق وتفتح الآفاق.

كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين

كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين في مؤتمر "مجتمعاتنا وضرورة التأصيل الأخلاقي"

كلمة رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله سماحة السيد هاشم صفي الدين

المناسبة: مؤتمر "مجتمعاتنا وضرورة التأصيل الأخلاقي"

المكان: مبنى الجمعيات، قاعة السيدة الزهراء عليها السلام.

الزمان: 28 آذار 2019م، الموافق لـ 21 رجب 1440هـ.

 

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

 


والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، السلام عليكم جميعاً ورحمة الله وبركاته..
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالشكر الجزيل للأخوات العاملات في جمعية الرابطة اللبنانية الثقافية، على إقامة هذا المؤتمر الخاص بالتأصيل الأخلاقي في مجتمعاتنا، كما أشكر شكراً خاصاً الفاضلة الحاجة عفاف الحكيم، على كل جهودها المتواصلة في تسليط الضوء على قضايا مهمة تعني مجتمعاتنا، وكل تجربتنا الإسلامية، كما أشكر السادة العلماء والباحثين الذين يشاركون في كل حلقات البحث والنقاش في هذه الموضوعات ضمن المحاور العديدة، على أمل الوصول إلى نتائج وتوصيات تكون مفيدة لنا جميعاً، ونحن بانتظار النتائج إن شاء الله..
الموضوع المطروح هو في الحقيقة موضوع واسع، وله جوانب عديدة وكثيرة لأنّ الكلام ليس عن الأخلاق وأهميتها فقط، الكلام عن المجتمع والتأصيل الأخلاقي في هذا المجتمع، لكل عبارة في هذا العنوان مدايات على مستوى البحث النظري، والعملي.. وللوصول إلى نتائج طيبة نحن بأمس الحاجة إليها، وفي الحقيقة هذا العنوان بالنسبة لي يشدّني كثيراً، ويفتح الشهية للكتابة، والبحث، والمشاركة، لكن الكلمة ليست من المحاور البحثية، سأترك البحث للسادة المشاركين العلماء والباحثين والأساتذة الكرام، ثمّ نستفيد -إن شاء الله- كما قلت من كلامهم وبيانهم.

لقد أحببت أن أشير في هذه الافتتاحية إلى جانب واحد من الجوانب المرتبطة بتحدياتنا الكبيرة، لن أغوص في النظرية، وفي الفكرة، وفيما ورد في القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة عن رسول الله وأهل البيت عليهم السلام، وهذا -كمّا قلت- متروك للباحثين، سأتحدث عن جانب مرتبط بالتحديات الموجودة اليوم، وأهمية هذه التحديات في متابعتها ومواكبتها والتصدي لها لأنها من العوامل الأساسية التي تثير أمامنا الإشكالات.
لا شك أنّ حاجتنا إلى بحث التأصيل الأخلاقي في مجتمعاتنا أحد أهم دوافعه هو هذا التلاطم الموجود على المستوى الفكري، والنفسي، والعملي، والتربوي، والثقافي، الآخذ بمجتمعاتنا إلى مكانٍ آخر، وإلا فإنّ مجتمعاتنا هي في الأصل وفي الأساس، تُعد مجتمعات دينية، مجتمعات أصيلة.

إنّ أهمية الأخلاق في بناء المجتمعات وسلامتها أمرٌ بديهي ولا تحتاج إلى استدلال، كما أنّه لا جدال في حجم المخاطر التي تدهم مجتمعاتنا الإسلامية اليوم، بل وكل المجتمعات الإنسانية. هذه المخاطر كبيرةٌ جداً؛ أي أنّ المشكلة التي نتحدث عنها في مجتمعاتنا هي في الحقيقة موجودة في سرد المجتمعات الإنسانية، ولكن من زوايا إيديولوجية خاصة، خطيرةٌ وكبيرةٌ جداً لجهة استهداف القيم الدينية والإنسانية عموماً، وبالتحديد الجانب الأخلاقي، وهذا الاستهداف ليس بريئاً وغير منفصل عن روئ وغايات تخدم مصالح أنظمة عالمية، ومشاريع هيمنة وتوسّع، حتى لو اختبأت خلف نظريات فكرية.. هذا الفهم لا يلغي مسؤولية القادة والعلماء والنخب الثقافية والاجتماعية المؤثرة في تكوين الهوية المجتمعية في بلداننا، وإنما هو من باب السعي لفتح البصيرة والوعي النافذين والضرورين لأيّة معالجة.
عندما نتكلم عن غيرنا، عن ما يقوم به وعن مشاريعه، لا نعي أننا مسؤولون، بل نحن مسؤولون قبل أيّ شيء، العالم كله اليوم محكوم بهيمنة الاتجاهات المادية وثقافتها لفرض ثقافة أحادية من خلال الاستعانة بالهيمنة العسكرية والاقتصادية على العالم، ومن خلال تسخير أحدث ما وصلت إليه البشرية على الصعيد التكنولوجي وعالم الاتصالات، لصوغ مجتمعات وأنظمة وقيم تخدم سيطرة المتحكّمين بهذه المفاصل في العالم، وللوصول إلى مرحلة الإخضاع الإرادي، وهذا أخطر ما تتعرض له مجتمعاتنا، التي تسعى بإرادتها لتلتزم هذا المنهج وهذا النمط المدمّر لقيم الأخلاق في مجتمعاتنا، للوصول إلى مرحلة الإخضاع الإرادي للشعوب لتستسلم منقادةً، وهي تتخيّل أنها تنشد حريتها الضائعة والمسلوبة..
وقد خلّف نظام الهيمنة هذا كوارث إنسانية تملأ الكرة الأرضية، وعمل على تفكيك وعلى تذويب الخصوصيات لمصلحة الأمركة، وهذا ليس كلامي بل كلامهم هم ففوكوياما يقول في الحقيقة أنّ العولمة هي أمريكا، العولمة هي الأمركة، والعالم كله يجب أن يكون مندمجاً بالنموذج الأمريكي، وعليه أن يذيب الخصوصيات لمصلحة الأمة الأمريكية، أو لمصلحة الأمركة التي أعلنت أهدافها الكاملة جهاراً، مع شعارات ترامب العنصرية، وترامب هو نتاج هذا النظام الإستعلائي والاستكباري، وليس طفرةً عابرة كما يحاول البعض فهمها وتقديمه على أنّه مجنون، و"أخوت، وعايش على التغريدات". كلا، ترامب هو نتاج هذا النمط، أو هذه الرؤية الإستعلائية الاستكبارية، يعبر عنها ترامب بأمريكا أولاً، وهو الآن يتاجر.. هذا التعبير ظاهر في كل القرارات الهوجاء التي يأخذها ويفرضها على هذا العالم..
أكبر ضحايا هذه الهيمنة اليوم هي المجتمعات التي تؤمن بشدّة بخصوصياتها المحافظة، والتي ما زال البعض منها يكافح للحفاظ على بقية هويته، بينما البعض سقط في الحضن الأمريكي أو يكاد يسقط، خاصةً تلك المجتمعات التي وقعت في فخ (التنمية وفق المنظومة الأمريكية)، وكأنّ التنمية هي هكذا تكون، بدون هذه المواصفات لا يوجد تنمية. هذه المجتمعات التي وقعت في هذا الفخ هي اليوم عالقةٌ حين استجابت طائعةً أو مرغمةً للعولمة المدّعاة.
ليس غريباً أن تكون مجتمعاتنا الإسلامية هي الأكثر تحصيناً وإيباءاً وممانعةً لـهذا النمط، نمط الهيمنة الأمريكية، لهذا النمط المجنون والمتفلّت، ويبدو أنّ الغرب ملتفتٌ إلى هذه القوة الذاتية الموجودة في ثقافة المسلمين، ولذا نراه يكرّس أولوياته في سبيل الوصول إلى تطويق مجتمعاتنا وضربها في العمق، والذي أغراه هو الضعف والتردّي الموجودين في معظم الدول ذات الطابع الإسلامي في الوقت الذي يرى أنّ مجتمعاتنا الدينية، هي دينية وأصيلة، أو أنّ مجتمعاتنا الدينية والأصيلة ما زالت قادرةً على الجمع، فالأمريكي يرى أنّ هناك دولاً سقطت، ومجتمعات ما زالت قوية، ما زالت قابلةً على الجمع، تكابد بين خيارات شاقة صعبة لـأنها تأبى التخلي عن هويتها وثقافتها وتاريخها وانتمائها، وهي مضطرةٌ في الوقت ذاته لخوض صراعاتٍ تنموية تحتاجها شعوبها، هذه الشعوب التي تضغط نتيجة واقعها الصعب، بينما لعب عليها الخداع والأوهام في شعارات براقة وخداعة كمقدمة ضرورية وكشرطٍ إلزامي للالتحاق بركب الدول المتقدمة، والمتطورة، والتي تسارع في خطواتها على قاعدة أنّ من لم يلتحق بها سيكون مصيره الفشل، والجوع، والحصار، والتخلف، وكل هذه المصطلحات المرعبة والمخيفة لمستقبل الشعوب. إنّ هذا الخوف يقف خلف كثيرٍ من المشاريع الهدامة لـمجتمعاتنا اليوم، ويساهم فيه قلةٌ خبثاء، وطامعون، وكثيرٌ من الغافلين، أو الضعفاء، أو الحمقى..
يوجد قلة من الناس تخطط وتدير المعركة، ولكن للأسف الأكثرية تمشي وراءهم إمّا لضعف، أو حمق، أو غفلة، أو بعض الحمقى الذين قبلوا أن يخوضوا مع الخائضين مقابل مصالح زهيدة.. يأخذون القليل من المال من السفارة، أو من الجمعية الدولية،.. إلخ. هم يملأون جيوبهم، يحققون طموحاتهم المحدودة لكنهم شركاء في هذا المشروع الخبيث، مقابل مصالح زهيدة وآنية.
وليس صدفةً أن تجتاح هذه الشعارات عالمنا الإسلامي، وتتغلغل إلى البنى الاجتماعية تارةً باسم الحرية، أو حقوق المرأة، أو المساواة بين الجنسين، أو التفلّت من القيم الدينية، وصولاً إلى محاربة الدين واتهامه ووضعه في قفص الاتهام، حتى الوصول إلى الطرح المخزي لجعل الشذوذ الأخلاقي أمراً طبيعياً وحريةً فردية يمنع مسّها، ناهيك عن هيمنة ثقافة الاستهلاك والتفاخر والانشداد نحو القيم المادية والتقوقع في زاوية المنفعة الشخصية الحاكمة على كل شي "مصلحتي أنا والباقي يروح يدبّر حالو"، مما يغرق هذا المجتمع بأنماط ومعارف ومعايير وعلاقات بُنيويّة هشّة وجوفاء، تلهث وراء النمط الآحادي الخالي من الروح والقيم الدينية، ومن المنظومة الأخلاقية التي بدل أن تكون حاكمةً كما يجب تصبح محكومةً، وفي أحسن الأحوال تُصبح المنظومة الأخلاقية مفردةً، وأولويةً ضمن الأولويات غير قابلة للتقهقر والتراجع أمام منظومة القيم الفاسدة والمدمرة.
إنّه لا يجوز أن نستهين بحجم وأهمية ما تبثّه وتنشره الجامعات العلمية في العالم، وما تنتجه من جيوش من النخب الثقافية والإعلامية والسياسية التي بنت علومها ومعارفها ارتكازاً على هذه الثقافة، الغالبية المادية، الآحادية المهيمنة. كما لا يجوز الاستخفاف بتأثير وفعالية المناهج التربوية الحاكمة، فمعظم العالم اليوم خاضع لهذه المناهج التربوية: في الجامعات، تتنافس الجامعات بين بعضها البعض في مَن يراعي النمط الأمريكي.. كذلك لا يجوز الاستخفاف بتأثير وفعالية المناهج التربوية الحاكمة في الجامعات والمدارس مضافاً إليها عشرات الآلاف من المنظومات التي تخدم غرضاً واحداً وهو تسطيح المعرفة وتمييع وتهجير القيم الأخلاقية.
إنّ المسؤولية والحصافة تقتضيان الالتفات إلى حجم هذه التأثيرات ومناشئها والتي للأسف في كثيرٍ من الأحيان نتفاجأ بتجلياتها السيئة تتالى تباعاً. تستيقظ مثلاً وترى أن هناك موضوع قد فرض نفسه على الساحة وتجد كل الناس تتكلم عنه وما إن ينتهي حتى يخوض الناس في موضوع آخر، فتجد نفسك دائما محشوراً في الزاوية، أنت والدين الذي تنتمي إليه، حيث تتالى الموضوعات تباعاً وتفرض نفسها وتصبح موضوعاً أساسياً في الثقافة وتتداولها الصحف والأنترنت والإعلام، لماذا هذا التركيز على هذا موضوع، خلال الأسبوع أو الشهر، أو الشهرين، وهذا الضخ الإعلامي من أين جاء؟ من أين جاء هؤلاء المختصون وهؤلاء الكتّاب؟ وما إلى هنالك.. فالإعلام اللاهث وراء الربح والدعاية هو مَن يصنع القوالب لهذه الأفكار، ونحن نساهم في خرق هذه القوالب التي تستقبل هذا النمط السيئ- اللاهث وراء الربح والدعاية، أو في مشاريع القوانين والتعديلات، هذه القوانين والتعديلات التي تغزو عالمنا اليوم بإتقان في استغلال الضعف والوهن الموجودين في هذه المجتمعات من أجل تقديم الدين والتمسك بالأخلاق هو المانع الأساسي للوصول بالإنسان المتعب في منطقتنا والمرأة أساساً إلى تحقيق طموحاته في العلم، وفي التنمية، وفي العدالة.. يرفعون لك شعارات مثلاً "إبعد عن الدين والأخلاق بتوصل"، وطبعاً هم لا يوجد عندهم مشكلة. علينا أن ننتبه إنهم يقدمون لك الدين بطريقة معينة، بالطريقة اللوبانية.. فالمطلوب أن نحسن التشخيص، لنصل إلى معالجات واقعية وعملية، على الرغم من إدراك صعوبة المهمة.
حينما نطرح ملف التأصيل الأخلاقي في مجتمعنا ومع معرفتنا وإدراكنا لحجم الكارثة الاجتماعية والإنسانية التي وصلت إليها مجتمعاتنا، فإنّه يجب أن نعرف، مستفيدين من قرآننا الكريم ومن سنن القرآن وسنن التاريخ التي ثبتها القرآن الكريم، ومن تجارب الأمم، ومن تجربة نبينا الأعظم(ص)، يجب أن نعلم على الرغم من كل هذه التحديات الصعبة والضاغطة، أنّ منظومات الفساد الأخلاقي والقيمي ليست حديثة، وليست من منتجات الحداثة، الفساد موجود فالقرآن عندما يتحدث عن الأمم السابقة والتي هي ليست من منتجات الحداثة والعولمة فقط، بل هي نتاج تراكمات معرفية، وثقافية ومصالح سياسية، واقتصادية، يعني فرعون والنمرود، قريش، كل هذه مصالح ومنافع، ومثلها اليوم نجد منافع ترامب، ومنافع الغرب، ولكنهم كانوا "يتلطون" خلف بعض الشائعات لتحقيق هذه المنافع، كل هذا موجود في التاريخ..
هي نتاج تراكمات معرفية، ومنفعية، ومصالح سياسية، واقتصادية طغت في لحظة التراكم الهائل، مقابل النقص الفادح في مقابلها، بينما نحن نعتقد معتمدين على رؤيتنا الدينية الأصيلة، أنّ الاعتماد على الحقائق الراسخة، والصلبة، وامتلاك الجرأة بالصرح والحق بالاستناد إلى المنطق والعلم والحجة، واستخدام الوسائل المتاحة لثقل الطاقات في إطار المشروع الديني القيمي المتكامل بإمكان كل هذا أن يحقق المعجزات، وهذا تحقق في التاريخ.. أن يحقق المعجزات، وأن يقلب الأمور رأساً على عقب، وأن يطيح بمنظوماتٍ تاريخية، وهيمنات عالمية، ولنا في تجربة مقاومتنا المثل والحجة في آن، فحيث نعمل على توفير عناصر النجاح، ونأخذ بالأسباب ونتوكل على الله تعالى فإنّه حسبنا وهو نصيرنا، يقول تعالى ﴿وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ﴾ وعليه فإنّ أيّ جهدٍ نقوم به، ينبغي أن يكون تحت عنوان الدفع من الله، لنصل إلى نتيجة قهر الفساد الأخلاقي والاجتماعي وهذا يعوزونا إلى أمور عديدة سأذكرها بشكلٍ سريع:
أولاً: الأمل وعدم اليأس، وعدم الهلع أمام الكوارث الأخلاقية التي نراها في مجتمعاتنا، حينما نهلع ونصاب بالرعب والخوف كأننا نساهم بشكل غير مباشر في قوة هذا المشروع الخبيث.. المقاوم، والمواجه والذي يدعو إلى الله عز وجل يجب أن يكون شجاعاً وجريئاً في تحمل المسؤولية، يجب أن لا نهلع أمام هذه الكوارث الأخلاقية التي نراها في مجتمعاتنا، وهذا لا يعني أن نعتبرها عادية، وطبيعية، لن تكون عادية في نظرنا أبداً بل هي انحراف، وهي خروج عن الدين، وعن القيم الأخلاقية والإنسانية.. يجب علينا أن نفهمها، وأن نقوم بما علينا، ﴿قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ﴾، ونقوم بما علينا لمواجهتها بمختلف الوسائل الممكنة شرعاً وعرفاً، وعقلاً، معتمدين على ربنا سبحانه وتعالى، ومعتمدين على البيان والوعظ والتعليم، وكل هذه الأمور التي لا مجال لتركها على الإطلاق، نحن نخاف على مجتمعاتنا من السقوط إلى الهاوية حينما نستسلم ونسكت فنسقط وتسقط معنا مجتمعاتنا، طالما أننا نقوم بجهدٍ وبتكليفٍ من وحي ديننا وعقلنا وفهمنا وإدراكنا فلا داعي للخوف والهلع أبداً.
ثانياً: التحصين هي الوظيفة الأولى وهذا بحاجة إلى تصعيد وتقوية الهوية الذاتية الدينية لمجتمعاتنا، وأن نربط سائر المفردات بهذه الهوية، وهذا بحد ذاته مشروعٌ كامل قد يحتاج إلى مؤتمر أو مؤتمرات، كيف نربط مجتمعاتنا بهويتها لنقول لهم، ولنقول لأنفسنا، ولنقول لمجتمعنا، ولنقول لبيئتنا ولتربيتنا ولثقافتنا، ما هي هذه الهوية أولاً؟ ثمّ نقول ما الذي يحدد حفظها، وثباتها، وما الذي يجعلنا نفخر ونعتز بها كرامةً، وعزةً، واقتداراً في كل المجتمعات العالمية والبشرية؟ هذا من أهم عناصر التحصين، لأن الهوية حينما تهتز يأتي الأمريكي، ويأتي غيره.
ثالثاً: الانتماء والتاريخ عنصران مهمان في كل تداولٍ ثقافي ومعرفي، مرتبط بالتأصيل الأخلاقي، وينبغي أن نصرف المجهودات اللازمة علمياً، وإعلامياً، وثقافياً، واجتماعياً، في عمق الأفراد والمجتمعات في تاريخها الناصع والمشرق، خاصةً وإننا نملك تراثاً عظيماً، وكنوزاً وافرةً. لم نحسن إلى اليوم بكل أسف الاستفادة منها كما يجب. إن الاهتمام بسيرة النبي(ص) وأهل البيت وقصص الأنبياء والصلحاء في التاريخ تبيّن لنا بشكلٍ واضح الأهمية والأولوية القصوى للأخلاق في صناعة الشخصية، وفي تحقيق السعادة الإنسانية في إطار قيمٍ مجتمعيةٍ مشعّة وواعدة.
رابعاً: بثُ الوعي وفضح التجارب المادية السيئة والفاسدة وما خلّفته للبشرية من مآسي ومن تحطيم للمجتمعات وللأسرة، ومن تكريسٍ للأنانية، ومن كذب الادعاءات الفارغة التي تسوق الإنسان والمجتمع نحو السراب والوهم، وتسليط الضوء على مآسي التجربة الغربية، والتي يحاولون تصوريها عبر الأفلام والدعاية على أنها نمط نموذجي، وهي في الواقع غير ذلك، -يوجد كتاب لخّصه بعض الإخوان سمّوه نحو الهاوية، أدعوكم لقراءته، هو تلخيص لكتاب أمريكا الحزينة، للصحافي الفرنسي ميشال فوكو الذي تحدث عن فيه الجرائم والمآسي المطموسة داخل المجتمع الأمريكي المتعجرف والغافل في آن، لعل حسب اطلاعي، لعل أكثر المجتمعات غفلةً وذهولاً عن ما هم به هو المجتمع الأمريكي، لكن كيف يساق هذا بحث آخر، هنا نذهب لآلية السوْق والدعاية والترويج – الأمريكان يعيشون في الغياهب.
خامساً: إنجاز الدراسات الفكرية، والأبحاث المعمّقة التي تقارع الفكر المادي، والعمل على الإطاحة بركائزه ومنجزاته المدعاة، وعرضها على مقايس التقدم الإنساني، والتخلف الحقيقي، وبيان عوامل الهيمنة الغربية والأمريكية على العالم، وأنّها نتاج القتل، والجرائم المتنقلة في العالم، أمريكا ما عندها حضارة، أين الحضارة الأمريكية؟ يوجد حضارة في أمريكا؟ يوجد قتل وسلاح، وهيروشيما، وكل هذا الإجرام الذي يفعلونه في كل يوم، الحروب المتنقلة في العالم، هي الحضارة الأمريكية، وإنها نتاج القتل والجرائم المتنقلة في العالم، وليست نتاج الفكر المتحضر، والتجربة الإنسانية الاجتماعية الرائدتين كما يدّعون.
سادساً: الوقوف بمسؤولية عند عوامل الضعف البنيوي في مجتمعاتنا، علينا أن نكون واقعيين، وإيكال الأمر إلى أسبابه دون الهروب من الواقع الذي ينتج شخصيةً اجتماعيةً حائرةً وتائهةً في علاقاتها، نسمع كثيراً في عملنا وفي تفاصيل حياتنا إنتاج شخصيات فيها الكثير من التردد والخوف والقلق، لماذا؟ لأنه يوجد صراع، لم يحسم هذا الصراع على المستوى الفكري، وعلى مستوى التشخيص، الأمراض التي تعانيها مجتمعاتنا، يجب أن نعترف أنّ هناك أمراضاً حقيقية وأنّ هناك عوامل ضعف ونقص في العلم، وفي المعرفة، في الفهم، وفي التشخيص، في التدقيق، في المتابعة، كل هذا الجهل في بعض هذه الأمور يوصل إلى مآسي، مشاكل في الزواج، والطلاق، والمشاكل الاجتماعية المتفاقمة، المخدرات، كل ما ذكرته طبعاً له تأثير بشكل أو بآخر، لكن هناك أيضاً تأثير للبيئة الذاتية فإن لم تكن البيئةً سليمة، ونظيفة، ومرتاحة على المستوى المعنوي، والنفسي، والفكري، لن تتمكن من مواجهة هذه التحديات والتي هي أصلاً صعبة وقاسية..
إنّ إيكال الأمر إلى الأسباب دون الهروب من الواقع الذي ينتج شخصيةً اجتماعيةً حائرةً ومترددةً في علاقاتها وفي أولوياتها، فإن لم نتمكن داخل مجتمعاتنا أن نميز بين الحق والباطل، وأن نفرق بين التجربة الدينية الناجحة، وتلك الفاشلة، ولم نتمكن أن نوضّح الفارق بين العالم الرباني الأصيل، وبين مدّعي العلم المتزلف والهزيل.. هذا التأثير الاجتماعي من الممكن أن لا ندركه من حالة وحالتين، الناس لا تعرف.. مجتمعنا لا يعرف أن يفرق بين العالم الأصيل الرباني، والعالم المتزلف والهزيل..
 إن لم نتمكن من التوغل في عمق المعاناة والأمراض التي يعيشها الناس، فإنّه لن نكون قادرين على عملية التغيير المنشودة.
سابعاً: ترسيخ مفهوم القدوة المعاشة، وليست التاريخية. يقولون في التعبير الدارج "مربط فرس"، عندما نتكلم عن التأصيل الأخلاقي في مجتمعاتنا، "مربط فرس" هو القدوة. لقد تسنى لي في الشهرين الثلاث الماضيين، تقديم درس تفسير لسورة الحجرات -سورة الحجرات ترسم منهج متكامل لإدارة المجتمع، بقيادة الرسول رأس الهرم، وكيف تسري هذه الأخلاق العلمية، والعملية، خبرة وعمل وسيرة، مبنية على عقائد مركّزة وقوية وإلى ما هنالك-، التي عالجت الكثير من المسائل الأخلاقية على المستوى الفردي، وعلى المستوى الاجتماعي، يوجد فيها منظومة كاملة، لكن أهم ما فيها هو القدوة، ولذا بدأت بالآية: ﴿لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾، ولكم في رسول الله أسوة.
علينا ترسيخ مفهوم القدوة المعاشة وليست التاريخية فقط، ويجب علينا تقديم التجربة للناس، فكما أن الرسول(ص) قدّم التجربة، أيضاً على مستوى واقعنا نحن بحاجة إلى تجربة، بحاجة إلى أن نربط الناس بتجربة واقعية، عملية، حياتية، تقول لهم هذا الإسلام يمشي كذا، وهذا الإسلام يتحدث كذا، وهذا الإسلام يلتزم الأخلاق التي نتحدث عنها، "ما دعوتكم إلى شيء إلا وسبقتكم إليه"، كما يقول أمير المؤمنين سلام الله عليه، "وما نهيتكم عن شيء إلا وانتهيت عنه قبلكم"، وهذا جهد يحتاجه أولاً العلماء، والمبلغون، والقادة، والمسؤولون الذين يرفعون رايات الدين وشعاراته، فحيث يكون هؤلاء قادرين على تقديم الأسوة في الصبر والقناعة والصلابة في الالتزام والتخلي عن القيم الخدّاعة، حينها يمكنهم أن يدعوا الناس إلى علاقات اجتماعية آمنة وسليمة وهادئة.
ثامناً: لا مناص، ولا محيص عن العلم والمعرفة وهما الأساس في أي مسألةٍ فردية أو اجتماعية، فإن الرؤية الدينية تقوم على فهمٍ خاص للدنيا وأنها قنطرة الآخرة.. لا أقدر أن أفهم كيف أنّ بعض مفكرينا، أو فلاسفتنا تقول نحن نحب الحياة، ماذا يعني نحب الحياة؟ لا، نحن لا نحب الحياة، منظومتنا الفكرية والأخلاقية ليست من أجل الحياة الدنيا، نحن خلقنا للآخرة، الله عز وجل خلقنا للآخرة ولم يخلقنا للدنيا، الدنيا قنطرة، الدنيا معبر، الدنيا مزرعة، الدنيا امتحان، الدنيا بلاء، حينما نقول نحن نحب الحياة الدنيا يعني لا معنى للابتلاء، يصبح الابتلاء نقيضاً للحياة الدنيا التي نرسمها هدفاً للشباب والصبايا وللجيل الآتي، هذا خطأ وربما من الأخطاء الشائعة.
في بعض الأحيان حينما نقول أنّ الهدف سعادة الإنسان، أيّ إنسان، أيّ سعادة، عن أيّ سعادة نتحدث؟ إذا كان الهدف السعادة بالمعنى الملموس المادي الخارجي، أين السعادة الدنيوية، وحينما نزرع في فكرنا وفي منهجنا، وفي أولوياتنا، وفي حكومة أفكارنا، متل هذه الأفكار تحت تأثير وضغط الهجوم المركز علينا أنه نحن نريد أن نقتل العالم، يا أخي نحن لا نريد أن نقتل العالم، نحن نقول للعالم يوجد آخرة، ويوجد دنيا..
هناك أناس أحبت أن تذهب إلى الآخرة أسرع من غيرها، عشقت الشهادة وأحبت لقاء الله، فأحب الله تعالى لقاءها فأخذها، هذا فخرٌ وعزٌ، وهذا هدفٌ جليلٌ حينما نتحدث عن الشهادة، وإلا إذا قلنا للعالم نحن نحب الدنيا لماذا يريد أن يستشهد إذا كان يحب الدنيا.
نقول للناس أنّ السعادة تحقيقها يكون بتأمين مجتمع رفاهي، الأمريكان يستعملون كلمة رفاه ومعناها مختلف عن ما تعنيه عندنا، فالرفاه بالمعنى الدقيق للكلمة تعني راحة، هدوء، وليس ترفاً، فالترف ممكن أن يكون حراماً، وممكن لا، إلا إذا كان فيه إسراف... نعم الكفاف، الحاجة، القناعة، هذا هو ديننا، هذه هي قيمنا، حينما نقدم هذه القيم بطريقة خاطئة، وإن كان بخلفية جيدة، فهذه القيم الخاطئة تأخذنا إلى الانحراف من حيث لا نشعر، أنظروا اليوم أحد أهم ابتلاءاتنا هو التفاخر الكاذب، ما هو حجم انشغال مجتمعاتنا الدينية الخاصة بقيم الاستهلاك، نحن غارقون، مجتمعاتنا تغرق في ثقافة الاستهلاك، لأنّ ثقافة الاستهلاك تأخذنا إلى اللهث أو اللهاث نحو المادة، وتحصيل المادة، وحينما لا تحصل بالحلال دائماً، يطرق الحرام على أبوابنا، ولكي نكون متماشين مع ما هو موجود في مجتمعنا نضطر إلى ارتكاب بعض المساوئ.
إذاً تقديم المفاهيم بشكل خاطئ، يوصل إلى مثل هذه النتائج، أنظروا إلى علمائنا وتاريخنا لم يكن ذلك موجود، البيوت الفارهة، والحياة المرفّهة في إطار الحلال لا يوجد فيها إشكال، من نعم الله على الإنسان سعة داره، لا مشكلة أن يوسّع الإنسان داره ويستقبل الضيوف ولا أن يكون كريما، أحد أهم أهداف البيت الواسع هو السعة للعيال وهيدا مستحب، واستقبال الضيف، إقراء الضيف أن نهتم فيه.
 لا مناص، ولا محيص عن العلم والمعرفة وهما الأساس في أي مسألةٍ فردية أو اجتماعية، فإن الرؤية الدينية تقوم على فهمٍ خاص للدنيا وأنها قنطرة الآخرة، وأنّ الهدف النهائي من الخلقة المعرفة والعبادة والانتقال إلى عالم الآخرة والخلود، ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ يجب أن نذيب معارفنا وشخصياتنا ودنيانا في هدفٍ ربانيٍ إلهي للسعي نحو آخرةٍ سليمةٍ سعيدةٍ خالدةٍ كما وعدنا الله عز وجل لمعرفة الله سبحانه وتعالى، أعتقد أننا بحاجة إلى وسائل متقدمة وآليات عمل وتدبير فاعل لترسيخ هذه الرؤية كمرتكز عقائدي أو اعتقادي أو سلوكي لخلق النموذج الأخلاقي الديني والدعوة إليه، وهذا هو الميدان الآخر لأصحاب الدعوات الدينية لبناء مجتمعٍ أخلاقي متأصّل. نوسّع في هذه المفاهيم، بدل أن نشتغل بمفاهيم الآخرين ونحضرها إلى ساحتنا، هذا القرآن الكريم فيه تبيانٌ لكل شيء، لو علّمنا العالم القرآن وسّعنا بالمفاهيم، وسّعنا في سيرة النبي(ص)، وسّعنا في كل هذه الأمور، بآليات حديثة ومهمة وجذابة لأغنتنا عن كثيرٍ من الأمور التي نحتاج فيها إلى الرجوع إلى الآخرين.
تاسعاً وأخيراً تقديم تجاربنا الناجحة والقوية وأهمها مجتمعنا المقاوم الذي يغلب عليه التدين، والأخلاق، والحفاظ على الأسرة، وصلة الرحم، وقيم التضحية، ونكران الأنا، أعتقد شخصياً أنه رغم كل الذي نتحدث عنه، وكل الذي قيل ويقال، أعتقد أنّ مجتمعنا المقاوم هو مجتمع متدين، مجتمع محكوم بأخلاق دينية واجتماعية وفردية، مجتمعنا مجتمع جيد وليس هزيلاً وليس ضعيفاً كما يدّعى، عندنا نقاط ضعف، عندنا عوامل انشداد نحو بعض الأخطاء، لكنَ مجتمعنا المقاوم هو مجتمع قوي.
هذه التجربة المقاوِمة غنية معرفياً وهي حجةٌ قائمةٌ ومعاشةٌ، ومجتمعنا المقاوم اليوم -أنا أقول بكل ثقة، وعن علم، وعن دراية، بالإجمال وبالتفصيل- أنّ مجتمعنا المقاوم بخلفيته الدينية والعقائدية والأخلاقية والقيمية هو من أرقى المجتمعات البشرية على الإطلاق، فليقدموا لنا مجتمع فيه مكان للذات والخصوصيات كما هو الحال في مجتمعنا، مجتمع على قلة عدده هو قادر على أن يصمد بكل هذه التحديات الصعبة عسكرياً، واقتصادياً، واجتماعياً، وثقافياً، وفي كل المجالات، وهذا المجتمع إلى اليوم ما زال المجتمع المقاوم الأصيل يقدّم الشهيد تلو الشهيد، والعائلة تقدّم شهيدين أو أكثر برضى واطمئنان وسعادة وهدوء بال.. كل هذا نتاج هذا الانتماء الاجتماعي الصادق والأصيل، هذا هو الانتماء إلى إسلام محمدٍ بن عبد الله، إلى رسول الله وآل بيته الأطهار سلام الله عليهم أجمعين. هذه هي الأصالة؛ الأصالة الأخلاقية في مجتمعنا اليوم موجودة في هذه التجارب والنماذج الباهرة والهائلة، التي لا يجوز أن تطمسها حجم التحديات الصعبة التي نواجهها وأن تغطي عليها الدعاية المغرضة والخبيثة والهادفة، والتي تريد أن تقول أن مجتمعاتنا ضعيفة، أو أنّ مجتمعاتنا واهية، أو أنّ مجتمعاتنا غير قادرة على صناعة النموذج، وعلى تقديم النموذج، نحن لسنا بحاجة لا إلى أمريكا، ولا إلى الغرب.
لسنا بحاجة إلى أيّ قيم مادية فاسدة، هذه القيم في كثير من تجلياتها هي أعداء الله وأعداء ديننا، وأعداء تاريخنا، بل إن هؤلاء الأعداء هم الذين سببوا لشعوبنا كل هذه المآسي، وإن كان هناك خسارة بمعنى من المعاني على مستوى علمي، أو معرفي، أو ثقافي، أو في أيّ مكان اقتصادي أو اجتماعي فإنّ السبب يقف وراء هؤلاء الأعداء، وهذا بالنسبة إلينا لن يكون في يوم من الأيام نموذجاً. الثقافة الأمريكية والغربية بالنسبة إلينا لا تعني شيئاً، هي ثقافة تنتج عداوات، وتنتج الأحقاد، وتنتج القتل والجرائم، بينما ثقافتنا الأصيلة ثقافة الإسلام المحمدي الأصيل هي التي بنت مجتمعاً إيرانياً صلباً عزيزاً ينتمي إلى رسول الله، يصمد ويقاوم ويجاهد ويتحدى وينتج العلم والمعرفة وينتج التقدم والتطور، وينتج الحضارة التي تحدث عنها سماحة السيد القائد الإمام الخامنئي دام ظله الشريف.
لذا نحن يجب أن نحسن تقديم جوانب العظمة في مجتمعنا المقاوم، للأسف أحياناً نجد أنّ بعض من يقوم بمهام التبليغ والمتابعة وهو معني بهذه الأمور بدل من أن يسلط الضوء على هذه الإيجابيات الضخمة الموجودة عندنا تراه يغرق في زوايا جرنا إليها العدو، أو جرنا إليها الإعلام، أو جرنا إليها التحدي الخادع والكذب والدجل. نصيحة مني لا تهدروا وقتاً كثيراً. يجب أن ندفع الشبهات إذا كانت شبهات حقيقية، أمّا الشبهات التي نعرف أنّ الذي يقف خلفها هو سفارات واستخبارات يجب أن نفضحها، ولا يصح أن نتلف وقتاً في مناقشتها وتقديم الأدلة عليها، هؤلاء نعطيهم أكثر مما يستحقون، هؤلاء يجب أن نفضحهم، وإذا كان هناك شبهات حقيقة يجب أن نجهز للدفاع في وجه أيّ شبهةٍ حقيقية. ما هو موجود في مجتمعنا كبير وعظيم جداً، هذه الإنجازات المتتالية، والانتصارات العظيمة لمجتمع المقاومة هو نتاج الأصالة في الثقافة وفي الأخلاق وفي الرؤية وفي الهدف وفي الغاية، وبالتالي نحن لا نعوز منها شيء ولا نحتاج شيئاً، ثقافة وحضارة وتاريخ وقيم اجتماعية، وقيم حياتية، لا نحتاج من أعدائنا شيئاً، نحن منفتحون على أيّه فكرةٍ مهمة لكن نحن نمتلك رؤية كبيرة وعظيمة لها من المصداقية ما يكفي على المستوى العقائدي بالنسبة إلينا في التاريخ، ولها مصداقية تكفي على مستوى نتاجنا الثقافي والاجتماعي والعلمي.
إنّ تحدياتنا الكبيرة والصعبة تجعلنا دائماً في موقع مَن يقبل هذا التحدي ويتصدى وليس في موقع مَن يعد المشاكل والكوارث ثم نكون وبالاً على مجتمعنا فنزيده وبالاً على وباله، وظيفتنا نحن أن ننهض بهذا المجتمع، وأن ننهض بهذه القيم التي تنهض بنا وتنهض بكل مجتمعنا إذا عرفنا كيف نتمسك بها. وظيفتنا أن نواجه هذه التحديات بقوة، فالأمريكي اليوم يقوم بكل جهد، وبكل تعب، وبكل ما ينفقه من وقت، ومن سلاح، ومن إعلام من أجل أن يطوّق هذه المقاومة، وأن يطوّق انتصارات وإنجازات المقاومة، إنّ ما يقوم به "بومبيو" وما يقوم به الإسرائيلي، وما تقوم به بعض الدول العربية، كلّ هؤلاء يعلمون من خلال التجربة أنّ هذه المقاومة لا تُكسر ولا تُهزم، ومَن لم يعرف إلى اليوم أنّ هذه المقاومة لا تُكسر ولا تُهزم، سوف يعرف في القريب العاجل -إن شاء الله- أنّ هذه المقاومة هي المقاومة الأبية، والمنتصرة، والعظيمة بشعبها وثقافتها وتاريخها وأصالتها وانتماءها، كما لم تهزمها كل الضغوط العسكرية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، لم ولن تهزمها هذه العقوبات الظالمة والجائرة، التي يحاول الأمريكي من خلالها أن ينفذ إلى أماكن قوتنا كي يأخذها منّا، أو إلى عوامل عزنا وكرامتنا وشرفنا ليسلبها منّا، إنّ سلاحنا هو سلاح مقدس، وإنّ سلاحنا هو سلاح المقاومة المنتصرة والمدافعة عن كل قضاياها من فلسطين أو في أيّ بقعةٍ في عالمنا الإسلامي والعربي، تواجه هذا الظلم وهذا الجور الأمريكي والإسرائيلي.
أختم لأقول إننا بأمس الحاجة إلى كل هذه النقاشات التي ستدور -إن شاء الله- في هذه القاعة، وكما قلت في البداية نحن بانتظار التوصيات، عليكم إعداد التوصيات، والتنفيذ لها علينا، نسأل الله التوفيق لكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله..                                                  
 

التعليقات (0)

اترك تعليق