فلسفة العلاقات الاجتماعيّة والأسريّة في الإسلام..
كلمة مدير عام معهد المعارف الحكميّة فضيلة الشيخ شفيق جرادي
فلسفة العلاقات الاجتماعيّة والأسريّة في الإسلام
كلمة مدير عام معهد المعارف الحكميّة
فضيلة الشيخ شفيق جرادي
بسم الله الرحمن الرحيم
لا يحتاج الحديث حول الأسرة في الإسلام إلى كثير تعمّل وتأمّل فلسفي، بل الأسرة ناتج لرؤية إسلامية قامت على أركان أربع:
الركن الأول: السياق القرآني الذي تحدّث حول استخلاف آدم(ع).
والذي ربط وجوده ووظيفته الاستخلافية بمقوّمات وجودية ما كان بالإمكان الموضوعي أن تتم خارج وجود بعده الوجودي الممتد والمتمثّل بحواء؛ المرأة. وكما أن آدم المستخلَف هو النوع، لا الفرد فقط. فكذا الشرط الموضوعي للاستخلاف الوجودي هي حواء النوع. ولا يمكن أن يكون وجودها أمرًا عابرًا كما هي الحياة الدنيا؛ إذ وجودهما معًا بدأ منذ الأمر الأول للإرادة الإلهية: ﴿وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ ، فوجودهما الأول معًا؛ والأمر كما النهي توجّه لهما معًا أيضًا. ولتأكيد هذا الطابع المرتبط بالاستخلاف أولاهما المولى هوية موحّدة "النفس الواحدة". ووحدة هذه الهوية هي المكوِّن للامتداد في الزمن، بحيث يكون المسار والتاريخ البشري؛ كما أنه هو الموفِّر لغاية الحياة النفسية "السَكَنْ" والمبني على مبدأي المودة والرحمة. ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ . وفي مورد آخر يُظهر هذا الشرط الوجودي للامتداد الإنساني في الزمن، والذي بدونه يستحيل الحديث حول التاريخ. يقول سبحانه: ﴿وَاللهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ...﴾ ، فبهما تتجلى الإرادة الإلهية ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً...﴾ . وبهما يتأتّى الحديث حول شريعة بَيِّنَةٍ بالأمر والنهي، وبهما تتشكّل الأسرة بالبنين والحفدة، كما يتشكّل النظام الحقوقي للمجتمع في بذرته الأُسرية الأولى. وعنهما يصدر الزمن والتاريخ. وهذا يعني أن وساطة سريان الأمر الإلهي المقدّس في الزمن وبناء أشكال الحياة الدنيا من حكم وسلطة وعادات وأعراف، وحضارة وتاريخ هو رهن هذا السريان للمقدّس من الأمر الإلهي في الزمن، والذي به كانت الحياة الدنيا، والسردية التي تتمثّل الشعوب والقبائل والأمم الناشئة بموجب وجود الأسرة كأصل موضوعي لكل حدث وواقعة حياتية. هي سردية تحاكي مدى انطباق الديني بالزمني فيما يخص المجتمع والحياة بتجلّياتها المنبثقة عن أصل الهوية الإنسانية المتمثّلة بالأسرة. ولذا يمكن الحديث حول أسرة مسلمة، وبالتالي مجتمع وحكم وسلطة وتاريخ إسلامي. وأسرة نقضت عهود الصلة بالمقدّس فصارت علمانية هي وما عنها يصدر من مجتمع وسلطة وحكم وتاريخ.
الركن الثاني والثالث: هما الشريعة وقيم الحقوق في الإسلام.
وهذان الركنان وإن أمكن القول: إنهما فرع الرؤية القرآنية، إلا أن لكل منهما خصوصية؛ إذ الموقف الإسلامي العملاني؛ إنما يرتكز على جملة من الأحكام المرتبطة بالشريعة بمعناها الفقهي. والتي بموجبها تقوم مفادات الزواج والقيومية؛ والولاية، والإرث، وبعض متعلّقات التربية. وكما لا يخفى، فإن الشريعة، غالبًا، شكّلت انتظامات الموقف اللازم حين الخلاف بين أطراف وأركان الأسرة، وأبقت على قاعدة أن الصلح خير. أما نظام القيم والحقوق، فهو ما لنا فيه كلام. ذلك أن ما فاتنا في صوغ الضوابط اللازمة للأسرة أن نراعي نظام القيم والحقوق. فمن جهة القيم قد يعتقد كثير من الناس أنها تعود للمسألة الأخلاقية، وهو وإن كان فيه بعض الوجاهة، إلا أن الحديث حول القيم هو أقرب للنظام والهوية الثقافية. فما لم نمارس فعلًا ثقافيًّا مبنيًّا على الروح الإسلامية لن نستطيع مقاربة موضوعة القيم في بناء وتقويم علاقة الأسرة فيما بين بعضها، كما وبينها وبين البيئة المحيطة؛ إذ فصل الأسرة في قيم وظيفتها الرسالية على مستوى الداخل العائلي عن المحيط الاجتماعي وإدارة سياسة البلاد وهداية العباد؛ سيودي بنا إلى وجه من وجوه علمنة الهوية الأسرية، وهذا ما سيرتدّ سلبًا على الحياة الأسرية بكاملها. وهو ما سنحتاج إلى التفصيل فيه بوقت لاحق. لكن لا يسعنا هنا إلا الإشارة إلى أن وجود وتحقّق ثقافة الهدف الرسالي ستسمح بقيام أواصر أسرية قائمة على روح الإيثار والرضا ومراعاة الأولوية. بل وبكل وضوح أقول: إن التركيز على الدور الثقافي والقيم الثقافية، سيسمح بسيادة جملة من العادات والأعراف والتقاليد الحافظة للعائلة. إن موضوع التفاضل بين الذكر والأنثى في كثير من وجوهه إنما ينبع من ركائز ثقافية لأعراف وتقاليد لا علاقة للرؤية الإسلامية بها. من ذلك الشدة في حفظ الفتاة والمرأة من شوائب المجتمع المفتوح على الحرام والتحلّل، وغض النظر عن ممارسات الشاب. علمًا أن الحرام والمكروه هو واحد، كما الواجب والمستحب الذي يشمل كل إنسان ذكرًا كان أو أنثى.
وعليه، فثقافة قيم الرؤية الإسلامية مؤهلة لإحداث انقلاب على مستوى النظرة لركني الأسرة والمجتمع؛ بل ووظيفتهما. وعليه، فإن الاقتصار على الحكم الشرعي لا يعفينا من إيجاد مناخ من القيم الثقافية الحافظة لتطبيق تعاليم الشريعة. فعلى سبيل المثال؛ موضوع التنافس السلبي بين المرأة والرجل في الإمساك بالأسرة، وإبداله بموضوع التنافس الإيجابي؛ المبني على الإيثار من أجل نيل الثواب والجنة. كما وأن أمورًا كانت واردة، واليوم صارت مثارًا للمشاكل، من مثل: التعدّد في الزيجات، وقسمة الإرث، والقيومية الاقتصادية، وغيرها... هي وليدة نحو من النظرة والتربية الثقافية المبنية على قيم خاصة سادت عالمنا؛ كالفردية، والشخصانية، والحرية اللامسؤولة بتجلّياتها التي أباحت الانجذاب نحو آخر تحت شعار الحرية والحب، وبالتالي كسر كل ما يمليه الوفاء والعهد المسؤول من قيم مسؤولة تجاه الزوج من الزوجة، أو تجاه الزوجة من الزوج. وأن بناء العلاقة بين الزوجين إنما تقوم في الثقافة الإسلامية وقيمها وفق منظومة العلاقات المفتوحة على الله والحياة الاجتماعية بوجهها الأوسع. لذا، كان التأسيس لنظام من الحقوق الإنسانية بنيته رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع)، وهو قائم على أهم أصل من الرؤية الإسلامية؛ الباني لثقافة القيم. والتي من الملحوظ أنها شملت أهم عناصر بناء الحياة الاجتماعية، كما وحياة الملّة. إلا أنها لم تتحدث رغم ذلك حول حقوق الزوج والزوجة. وكأنه بذلك عليه السلام يشير إلى قيم الانخراط للزوج والزوجة في نظام البناء المجتمعي وسننه من أنظمة الحقوق التفصيلية بما هما أبناء من وجه، أو بما هما أم وأب من جهة أخرى.
أما الملاحظة السريعة التي ورد فيها حق الزوجة بما هي زوجة فما قاله(ع): "ثم حق رعيتك بالملك، من الأزواج"؛ وكلمة الملك هنا تأخذ معناها من البيئة التوحيدية التي تعني الاستخلاف لإيصال حقوق الله فيما استأمنه الله من الخلائق. فالمرأة هنا أمانة الله المودعة على عاتق الرجل. ولو نزعنا الرباط بين مصطلح "الملك"، وبين "الرؤية التوحيدية في ثقافة القيم الإسلامية" لتحوّل الزواج إلى قيد استعباد، لا يتم التحرّر منه إلا بالتوحيد ومفهوم المـُلك بمعنى الأمانة.
ولو تتبّعنا على ضوء ذلك حقوق كل مفردة أوردتها رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع)، ونصبنا أحكام الشريعة حولها فيما يخص المرأة والرجل، لتوفّرنا على معالم وأبعاد جديدة من واقع الحياة الأسرية. سأتناول بهذا الصدد بعض النقاط كنماذج لما نذهب إليه.
في الخطوة الأولى: أكّدت الرسالة على أصالة نظام الحقوق في حياة الإنسان، وأنه ليس أمرًا إن شئنا التزمناه، أو إن شئنا تركناه. وفي الحالتين لا أثر له في حياتنا الإيمانية. إن نظام الحقوق في الرؤية الإسلامية وفلسفة القيم وثقافتها أصل تتزعزع الحياة الإيمانية كلها من دونه، لذا ورد "اعلم أن لله عليك حقوقًا محيطة بك في كل حركة تحركتها أو سكنة سكتنها...". إذن، هناك تلازم أكيد وغير منفك بين كل تفصيل في حياتنا سواءً منها العادية أو الإيمانية؛ كالعبادات والعلاقات والارتباطات، وبين الحق الإلهي الذي عنه يصدر نظام الحقوق في الإسلام.
الخطوة الثانية: قوله عليه السلام: "ثم يخرج الحقوق منك إلى غيرك من ذوي الحقوق عليك". بعد الخطوة الأولى التي حدّدت ملازمة الحقوق على الجوارح والأفعال. يشير إلى الخطوة التي تنقل الحقوق من دائرة النفس للنفس، إلى دائرة الذات للآخر، والتي أهمها ثلاثي: الإمام؛ أي الولي، ويبدو أن الدائرة هنا تتسع مما هو إمام هدىً (ديني أو سياسي). ثم حق الرعية؛ أي من يتوجب متابعتهم والعناية بهم، ومن هم ضمن المبسوطة اليد والإمكانية في رعايتهم. وأخيرًا وهم الفئة الثالثة؛ الأرحام. وفي إطار الرعية تأتي العلاقة الحقوقية بين المرأة والرجل، باعتبارهما القاعدة والمدماك الأول لبناء الأسرة. لكن ما لم نلحظ امتداد نظام الحقوق إلى الفئة الثالثة، فإن بناء الأسرة سيبقى بلا أفق سليم. وهي العلاقة الرحمية. هناك يكون الزوج ابنًا وأبًا، وتكون المرأة ابنةً وأمًّا. ومن هذه الاعتبارات وجدلية نظام الحقوق فيها تتشكل الأسرة باعتبارها النواة الأولى والأصل الأول لبناء مجتمع إسلامي سليم.
أما من هم أصحاب الحقوق من الأرحام الذين تتكوّن بهم الأسرة فيشير عليه السلام: "وحقوق رحمك كثيرة متصلة بقدر اتصال الرحم في القرابة، وأوجبها عليك: حق أمك، ثم حق أبيك، ثم حق ولدك، ثم حق أخيك، ثم الأقرب فالأقرب والأولى فالأولى".
وبخصوص حقوق الأسرة الرحمية تبدأ رسالة الحقوق بذكر الأم (المرأة)، وهذا فيه إشارة واضحة على تقدّمها على حق الأب (الرجل). فإذا كانت الشريعة الفقهية أولت الرجل الولاية والقيومية. فإن نظام الحقوق ربط مسار الحياة الأول بالأم. والذي جاء بخصوصه: "وأما حق أمك فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحدًا، وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد أحدًا، وَوَقَتْكَ بجميع جوارحها، ولم تبال أن تجوع وتطعمك، وتعطش وتسقيك...، فإنك لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه". في هذا النص تتجلّى قدرة الرحمة في المرأة الأم، بحيث تكون النتيجة قوله عليه السلام: "فأنت لا تطيق شكرها إلا بعون الله وتوفيقه"؛ هو اقتدار يتجاوز كل قدرة بشرية على الشكر. وفيه إشارة أنه من أفق إلهي، بحيث إن البشر يعجزون عنه إلا بعون من الله وتوفيقه.
ثم يأتي الحديث حول الأب "وأما حق أبيك فأن تعلم أنه أصلك، وأنه لولاه لم تكن فمهما رأيت في نفسك مما يعجبك فاعلم أن أباك أصل النعمة عليك فيه. فاحمد الله واشكره على قدر ذلك ولا قوة إلا بالله". حفظ العلاقة بين تتالي الأجيال إذن هو برباط رحمة الاقتدار (الأم)، والأصل الذي لولاه لم تكن وعنه كنت وعلى أرضه نَمَيْت.
لذا، فإن أي تنكُّر له، هو تنكُّر الإنسان لأصله وذاته.
ولذا، معرفته هي معرفة لما يستوجب حمد المنعم الذي هو الله سبحانه؛ وشكر واسطة فيض نعمة التواجد وهو الأب. وهو شكر للمرة الثانية بعد شكر نعمة الأم يحتاج الاعتماد على حول الله وقوته.
بمثل هذه القداسة ترتبط العلاقة الأسرية بالأب والأم.
تبقى عندي ملاحظتان:
الملاحظة الأولى: أن نظام الحقوق الأسري هذا وسَّع العلاقة العائلية لما يتجاوز الزوج والزوجة؛ والأم وإن علَت، والأب وإن علا، إلى رباط عامودي بالابن، ورباط أفقي رمزه الأخ. وفي الأول قال: "وأما حق ولدك فأن تعلم أنه منك ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشره، وأنك مسؤول عمّا وليته به من حسن الأدب والدلالة على ربه عز وجل والمعونة له على طاعته، فاعمل في أمره عمل من يعلم أنه مثاب على الإحسان إليه، معاقب على الإساءة إليه".
وواضح أن الخطاب يتوجّه إلى من يحتاج إلى تذكير وهو الأب الذي قد ينسى واجباته، والتي نرى أنه في زماننا هذا قد انسلخ عنها، بعد أن سادت ثقافة أن التربية وظيفة المرأة، وكأن لا علاقة للرجل بذلك. وهذا من أغرب ما تسلّل إلينا حتى في دوائر بيئتنا الإيمانية المتدينة.
أما العلاقة الأفقية ورمزها الأخ، فيقول عليه السلام: "وأما حق أخيك فأن تعلم أنه يدك وعزك وقوتك، فلا تتخذه سلاحًا على معصية الله... ولا تدع نصرته على عدوه، والنصيحة له فإن أطاع الله وإلا فليكن الله أكرم عليك منه ولا قوة إلا بالله".
هذه هي الأسرة الهادية والبانية. وهي المؤسّسة الطبيعية التي صاغها الإسلام.
أما الملاحظة الثانية: فهي أن توصيفات الحقوق تجاه الزوجة وإن جاء سريعًا، لكنه يُبرَز وكأنه يتحدث عن كائن ضعيف، وهي بعين الله، والعبارة فيها تحتاج إلى نقاش موسَّع مفاده: هل التوصيف هنا للمرأة تلك؟ والموقف الرحيم بسبب ضعفها، هل يتبدّل فيما لو تغيّرت شخصية المرأة (الزوجة) اليوم؟ وهنا ننقل قوله عليه السلام: "وأما حق الزوجة، فأن تعلم أن الله عز وجل جعلها لك سكنًا وأنسًا، فتعلم أن ذلك نعمة من الله عليك، فتكرمها وترفق بها، وإن كان حقك عليها أوجب فإن لها عليك أن ترحمها لأنها أسيرك، وتطعمها وتكسوها وإذا جَهِلَتْ عفوتَ عنها".
نعم أوصى الله بها واعتبرها منةً منه للرجل. لكن أشار إلى أنها سكن وأنس، فماذا لو تحولت إلى غير ذلك؟
وأشار أنها أسير الرجل، إذ تحتاج أن يُطعمها ويكسوها ويعفو عنها، فماذا لو كانت لا تحتاجه في حياتها الاقتصادية؟
هذا ما سينقلنا إلى الركن الرابع، وهو: قوننة العلاقة الأسرية في إطار من التدبيرات التي يفرضها الزمن ومقتضيات العصر. وهنا يأتي النقاش بين نموذجين واتجاهين، هما: النموذج الإسلامي، والآخر النموذج العلماني. ويحتل التصرف العقلاني الموقع المتميز بهذا الشأن.
وحينما نقول العقلانية؛ فيجب أن نلتفت إلى أن ما استفرد به الاتجاه العلماني من اعتبار كونه يقوم في مواجهة كل ما هو ديني على ركنين: الأول الإنسانوية مقابل إلهيات الإسلام والدين. والثاني: العقلانية مقابل المقدّس والغيب.
علمًا أن الفكر الإسلامي المعاصر يرفض احتكار العلمنة لهذين الركنين؛ إذ يعتبر أن الأنسنة إذا امتدت إلى أصل وجودها ومصدرها فهي عين المقصد في الخطاب الديني. وما علمانيتها إلا انقطاع الأنسنة عن مصدر الوجود، كما أن العقلانية إذا تماهت مع المعنوية تعمّق رباطها بالدين. وإذا ما انفرط عقد الصلة بينهما تعلمنت.
وهنا يكمن التحدي المعرفي والحضاري للمشروع الإسلامي في بناء الأسرة في أصل تكوّناتها ووظيفتها وحل مشكلاتها المستجدة أو المتجددة. فهل يتسع الاجتهاد الإسلامي في مهامه التجديدية ليتحمّل مسؤولية بناء الأسرة الإسلامية المعاصرة مع مراعاة الضرورات القائمة بفعل تغيرات الزمان والمكان والأحوال؟ أم أننا سنستمر في هذا الجدل الحاد بين مقرّرات الشريعة وما تثيره، وتشكّلات الأسرة على صعيد القيوميّة، والحضانة، والإرث؟
اترك تعليق